بين بيروت ودمشق: لن يكون هناك أبو يعرب آخر ولا أبو عبده آخر!
طوابير رستم غزالي!
بالرغم من أن قصر الصنوبر لم يعد يصنع دولتنا، ولا رئيس دولتنا، يتباهى نائب حزبي بأن مطالعة رئيس حزبه كانت الأكثر تأثيراً في رؤية جان ـ ايف لودريان للملف الرئاسي، ليس فقط لأنها الأكثر شفافية في مقاربتها المشهد الداخلي، وانما لأنها “ضربت على الوتر الحساس لدى بعض أهل السلطة في فرنسا”.
لا ندري كيف استنتج صاحبنا (وصاحب السعادة) ذلك، اذ اعتدنا على المواقف الببغائية شبه اليومية، وبما يشبه الصراخ، وعلى أساس “أنا اصرخ اذاً أنا موجود”، لرئيس الحزب اياه…
لا يعنينا الدفاع عن أي مرشح للموقع الرئاسي ما دمنا تحت الأنقاض، ولا نعتقد أن النظام في سوريا بحاجة الى دفاعنا. ولكن يعنينا، حتماً، الدفاع عن لبنان، وعن الحقيقة في لبنان، في وجه من ذهبوا بعيداً في الترويج لثقافة التفاهة، أو لثقافة التفرقة، ناهيك عن ثقافة التبعية لمن أبقوا المنطقة العربية على تخوم داحس والغبراء.
مما نقله النائب ـ وبكل خيلاء ـ “اذا ما انتخب سليمان فرنجية فلن يكون أكثر من ظل لبشار الأسد في القصر الجمهوري”، و”قد نجد الجيش السوري مرة أخرى في شوارع بيروت”، و”من المؤكد أن “حزب الله” سيزيد من سيطرته على مؤسسات، ومرافق الدولة، بعدما مضى في هذه الدولة الى الخراب من خلال تورطه في سوريا، والعراق، واليمن، وربما في أوكرانيا أيضاً”.
هذا الكلام كان قابلاً للتسويق، وعلى غرار تسويق مستلزمات الأراكيل، قبل ظهور التحولات في المنطقة، وحيث انفتاح الرياض على دمشق، وحيث اتفاق بكين بين السعودية وايران، الى جولة حسين أمير عبد اللهيان في أربع من بلدان مجلس التعاون والتي أكدت مصادر خليجية موثوقة أنها “أسست لمرحلة من التفاهم، والتنسيق، في المجالات كافة، بين ضفتي الخليج، وهو ما كانت المنطقة تحتاج اليه بعد تلك السنوات من الصراع العبثي”.
لا ريب أن الكثير من المرارة، ومن الخيبة أيضاً، اعترى التجربة السورية في لبنان. هذا لا يعود الى الجانب السوري فقط. ثمة شخصيات لبنانية انتقلت الى الخندق المعادي لسوريا منذ اليوم الأول لاندلاع الأزمة، كانت تقف بالطوابير أمام مقر غازي كنعان، ومن بعده رستم غزالي، في عنجر. هؤلاء الجاهزون دوماً لبيع لبنان لقاء الفتات في السلطة، أو في النفوذ، أو في الثروة…
لا مجال لاعادة تلك التجربة، بتداعياتها الدراماتيكية على البلدين. الحرب في سوريا أنتجت ركاماً هائلاً من الأزمات التي تجعل الاهتمامات الداخلية تتقدم، ولسنوات طويلة، على أي اهتمامات أخرى، مع قناعتنا بالترابط الجيوسياسي، والجيوستراتيجي، بين بيروت ودمشق. لن يكون هناك أبو يعرب آخر، ولا أبو عبده آخر…
كما أن أي رجل يصل الى القصر، وغالباً عبر الدهاليز، بصلاحيات لا تتعدى صلاحيات من يوضع في الاقامة الجبرية، سيجد نفسه أمام ركام هائل من الأزمات التي تقتضي سنوات، وسنوات، من المعالجات وسط مناخات سياسية، وطائفية، تكرس حل الأزمات بالأزمات.
صحيح أن التركيز على دور “حزب الله” على الأرض السورية “يضرب على الوتر الحساس لبعض أركان السلطة في فرنسا” التي لم تشهد في تاريخها هذا النوع من التبعية للبيت الأبيض، ولكن ألا يعلم الرئيس ايمانويل ماكرون، وكان هدفاً لاهانات مدوية من رجب طيب اردوغان، ما كان يرمي اليه الرئيس التركي بتفجير الوضع السوري؟
لو تداعى النظام في سوريا لكنا أمام نموذج آخر لليمن، ولليبيا، وللسودان، وحتى للصومال، بعدما كان أصحاب نظرية النيوعثمانية يخططون لاعادة احياء السلطنة من خلال الاستيلاء على السلطة في كل من مصر وسوريا.
هذا بالرغم من أن ساسة أتراك حذروا اردوغان من اغراق تركيا في التضاريس السورية ان بسبب انتشار مئات الفصائل (1200 على الأقل بحسب تقرير لاستخبارات البنتاغون) والتي تتولى دول مختلفة، وبمصالح وغايات متناقضة، تمويلها وادارتها، أو لأن الأميركيين والاسرائيليين كانوا ينتظرون تحوّل سوريا الى حطام لوضع اليد عليها.
لم يقل رئيس الحزب ما مصير لبنان اذا وقعت سوريا في قبضة الآتين من كهوف تورا بورا، أو في قبضة الآتين من جهنم. كان كلاماً في الهواء مثلما هي مهمة جان ـ ايف لودريان… كلام في الهواء!
نبيه البرجي- الديار