لا نضوج بعد لأيّ تسوية: فرنسا تطرح حواراً… في عاصمة عربية؟
كلام السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا، لمناسبة العيد الوطني الأميركي أمس الأوّل، أعاد الرئاسة اللبنانية إلى مربّعها الأوّل، وتحديداً إلى أيلول الماضي، يوم اجتمع وزراء خارجية المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية وفرنسا في نيويورك، وأصدروا “البيان الثلاثي” الشهير، واضعين “مواصفات” الرئيس اللبناني المطلوب.
أعادت الرسالة الأميركية التذكير بضرورة انتخاب رئيس يقود مسيرة إصلاح، بالتزامن مع زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان “الاستطلاعية”. وهي إشارة أميركية إلى أنّ الحركة الرئاسية الفرنسية يجب أن تبقى تحت سقف بيان نيويورك، بعيداً عن الدور الذي لعبته فرنسا في مبادرتها السابقة. غير أنّ العنوان اليوم بعد انتهاء جولة لودريان: ماذا في خارطة الطريق المتشعّبة على أكثر من سيناريو؟
الحزب لم يتخلَّ عن فرنجيّة بعد
بالإضافة إلى كلّ الكلام عن جولة الموفد الفرنسي الاستطلاعية، رشَح كلامٌ موازٍ عن دعوة الفرنسيين القوى اللبنانية إلى التوافق على رئيس، بمعنى أن يتخلّى “الثنائي الشيعي” عن سليمان فرنجية، بعدما اصطدم برفض بلوك مسيحي واسع، في مقابل أن يتخلّى المسيحيون عن رفضهم الحوار، بهدف الذهاب إلى الاتفاق، وانتخاب رئيس يعكس دور لبنان في المنطقة، تماماً كما يراه الفاتيكان ويريده أن يبقى، بمسيحيّيه ومسلميه، من دون غلبة طرف على آخر.
ما يزال هذا الطرح الدائم، الذي تعب المجتمع الدولي من تكراره على اللبنانيين، يصطدم بمواقف القوى المتصلّبة والمتمسّكة بلاءاتها تجاه مرشّحي الخصم. والمشكلة أنّ الحزب لم يقتنع بعد بالتخلّي عن ورقة فرنجيّة. هذا ما تقوله مصادر مقرّبة من الحزب لـ”أساس”. إذ لا تقرأ معطيات داخلية أو خارجية تدفعه إلى رمي هذه الورقة، خصوصاً أنّ الحزب يرفض المرشّح الخصم جهاد أزعور.
في قراءة الحزب أنّ الحراك الإقليمي، على اختلاف وجوهه وتعدّد مساراته، لم يرسُ بعد على تفاهمات واضحة المعالم يمكن أن يتموضع الحزب على أساسها. لذلك يفضّل انتظار اكتمال المشهد ونضوج “كلمة السرّ” الإيرانية، كي يعبر إلى مرحلة جديدة يمكن الاتفاق فيها على مرشّح جامع لأغلبية الأطراف اللبنانية.
عليه لا نضوج بعد لأيّ تسوية مقبلة على اللبنانيين تسمح بتحقيق الاقتراح الفرنسي الأوّل الداعي إلى حوار بين اللبنانيين والذهاب إلى انتخاب رئيس.
توافق أم مؤتمر حوار؟
تتحدّث مصادر متابعة للحراك الإقليمي المرتبط بملفّ لبنان، عن إمكانية الدعوة إلى مؤتمر حوار للقوى اللبنانية في حال فشل التوافق على انتخاب رئيس. بعد انتهاء مهمّة لودريان الذي جاء لجمع “داتا” من خلال الاستماع إلى وجهات نظر القوى المختلفة، سيعود أدراجه إلى باريس حيث سيقدّم تقريراً مفصّلاً إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وسيناقش خلاصاته مع المستشار السعودي نزار العلولا.
سيعود لودريان بعد إجراء مشاورات مع الجانبين السعودي والإيراني على حدّ سواء. وفي الخلاصة، يجري البحث في طرح دعوة إلى مؤتمر في إحدى عواصم الدول العربية المعنيّة بالشأن اللبناني لمناقشة ما هو أبعد من شخص الرئيس، بحيث يتناول الحوار سلّة متكاملة وفق ضمانات محدّدة يكون قد تمّ إنضاجها في سياق الحركة الإقليمية الداخلية المتعلّقة بلبنان.
يتزامن هذا الكلام مع حديث عن “تعب” الدول الخارجية من لبنان، الذي أثقل المجتمع الدولي بمشاكله وأزماته وسرقاته وطبقته السياسية الفاسدة، وهو ما نقلته صحيفة “لوموند” الفرنسية عن مصدر دبلوماسي. فهل يكون الإنقاذ سريعاً في طرح مؤتمر حوار والدعوة إلى تطبيق اتفاق الطائف، لأنّ غير ذلك سيكون اجتراراً للأزمة ولمعاناة اللبنانيين المستمرّة التي ستنفجر مع مرور الوقت واضمحلال كلّ أشكال الإدارة والدولة؟
يروي أحد متابعي مؤتمر الدوحة في العام 2008 مشاهداته قبل وخلال الزيارة. يقول إنّ اللبنانيين شهدوا على أزمات سياسية وأمنيّة بين القوى السياسية قبل الذهاب الى الدوحة. لكن من كان على متن الطائرة، شهدهم يتعانقون فجأة ويضحكون وكأنّ شيئاً لم يكن. هكذا تترك القوى اللبنانية مخلّفاتها وأحقادها في لبنان عندما تُدعى إلى الخارج، وتذهب لتقبض ثمنها هناك.
جوزفين ديب- اساس