بعد سقوط الجميع “بتعادل سلبي”: المرحلة المقبلة قد يكون عنوانها “قائد الجيش جوزف عون”!
تعادل سلبيّ في الداخل.. والخارج يتحرّك
يختلف تقويم جلسة الأربعاء بين طرف وآخر. يتحدّث البعض عن وجوه شاحبة خرجت من الجلسة بعدما كان الفريق الداعم لجهاد أزعور يتوقّع الحصول على 65 صوتاً لمصلحته في الدورة الأولى، لكن على الرغم من ذلك استطاع أن يثبت أنّ 77 نائباً صوّتوا ضدّ مرشّح الثنائي سليمان فرنجية. وهناك مقاربة ثانية بنّاءة وأكثر واقعية للمرحلة المقبلة، وهي أنّ هذه الجلسة أثبتت أنّ أيّاً من القوى لا تستطيع كسر الطرف الآخر، الأمر الذي يجنّب البلد إشكالاً كبيراً. فقد كانت جلسة سقوط الجميع بتعادل سلبي على الرغم من الفوارق الحاصلة، وقد تدخل البلاد مرحلة جديدة سبق أن مهّدت لها هذه الجلسة، وربّما تمهّد لها منازلة إضافية قبل إقرار المرشّحَين بضرورة الذهاب إلى رئيس توافقي من أجل المصلحة الوطنية. وعلى وقع المنازلات الداخلية يتحرّك الخارج على أكثر من مستوى ملتقطاً نتائج الجلسة الأخيرة وبانياً عليها.
حسنة الفريق الوسطيّ
في معلومات “أساس” أنّ ساعات ليل الثلاثاء وصباح الأربعاء شهدت مساعي جدّية لتقليص الفارق بين فرنجية وأزعور للوصول إلى الحدّ الأقصى من التقارب في النتائج، وهذا ما حصل. في تفاصيل التصويت أنّ فرنجية حصل على أصوات متفرّقة من كتل مسيحية، وستكون لذلك تداعيات في الأيام المقبلة، كما حصل مع التيار الوطني الحرّ الذي اتّهم النائبان وضّاح الصادق ومارك ضو نائبيه سيمون أبي رميا وألان عون بالتصويت لمصلحة فرنجية قبل أن يأتي الردّ من أبي رميا: “تسلّوا بغيرنا”. حتماً ستكون لهذا السجال تداعيات في التيار لاحقاً، ولا سيّما وسط تردُّد كلام عن تصويت النائب الياس بو صعب لفرنجية وآخرين في التيار لجهاد العرب، وقبله كلام لرئيس التيار جبران باسيل عن تدخّل الحزب في قرار عدد من النواب في الكتلة وردّ نائب الحزب عليه من مجلس النواب.
لكن بعيداً عن هذه التفاصيل تقدَّم المشهد الرئاسي أشواطاً بناء على جلسة الأربعاء.
ولعل حسنى الفريق الوسطي أنه يؤمّن انتقالاً سلساً للمرحلة المقبلة ويحتمل أن يكون عنوانها “قائد الجيش جوزف عون”، لكن لن يحصل ذلك إلا بعد تسوية داخلية خارجية توفّر الغطاء السياسي للثنائي. في تغريدته بعد الجلسة شكر رئيس تيّار المردة سليمان فرنجية النواب الذين انتخبوه والرئيس برّي، وقال “نحترم رأي النواب الذين لم ينتخبوني، وهذا دافع إلى حوار بنّاء مع الجميع نبني عليه للمرحلة المقبلة لإحقاق المصلحة الوطنية”.
لا شكّ أنّ هذا التعليق مدروس ويعبّر فعلاً عن رغبة فرنجية بألّا يتسبّب بأزمة رئاسية طويلة كالتي حصلت قبل انتخاب الرئيس ميشال عون. وبسبب أنّ الظروف مختلفة جدّاً عن عام 2016، ينتظر الفريق الداعم لفرنجية اللحظة المناسبة لنضوج التسوية المقبلة لا محالة. وقد يكون كلام برّي بعد الجلسة الداعي إلى التوافق مؤشّراً إلى ذلك.
بن سلمان وماكرون
يلتقي اليوم وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الإليزيه، وسيكون حاضراً الملفّ اللبناني في مقاربة جديدة ستُبنى على نتائج جلسة الأربعاء. ثمّ سيصل الموفد الفرنسي جان إيف لودريان إلى لبنان مطلع الأسبوع المقبل ليستكمل مبادرة فرنسية ستكون مقاربتها مختلفة عن تلك التي استمرّت لأشهر سابقة. في الأسبوع المقبل أيضاً سيحضر إلى لبنان الوفد القطري لاستكمال مشاوراته. هذه المحطّات الدولية ترافقها بيانات أميركية عن اتّصال جرى بالرئيس برّي لحثّه على استمرار عقد الجلسات لانتخاب رئيس وبيانات أخرى عن استياء أميركي وبريطاني من إفقاد الجلسة النصاب. يلتقط الرئيس برّي جيّداً هذه الإشارات الدولية وسط معلومات عن بداية الاستعداد للخروج الآمن نحو الحلّ. لن يكون ذلك سريعاً لِما فيه من خطوات ضرورية لتقديم مجموع الضمانات للقوى المختلفة.
ما هو مقلق فعلاً في قراءة المعارك الرئاسية هو أسلوب تمرير الرسائل غير البريئة كما حصل في كتابات إبراهيم الأمين في صحيفة الأخبار التي عرضت جدولاً قالت فيه إنّ الأكثرية الشعبية التي تدعم فرنجية أكثر من الأكثرية الشعبية التي تدعم أزعور. هل يقع الحزب فعلاً في هذا الفخّ بعدما وقع فيه في شرح نتائج انتخابات 2009 وكما وقعت فيه قبله قوى عدّة على مرّ المراحل في تاريخ لبنان؟ بعد اتفاق الطائف قال الرئيس رفيق الحريري: “أوقفنا العدّ”، انطلاقاً من قناعة تعلّمها كلّ من مرّ في تاريخ هذا البلد مِن أنّ مَن يبدأ بالعدّ يغرق في المستنقع اللبناني الذي يبلع كلّ من يحاول ابتلاعه. لن تعزّز الرسائل المتكرّرة هذه وخطاب التخوين والاستعلاء سوى مزيد من الاحتقان ورغبات الانفصال عند الآخرين، ومنهم من يعبّر عن هذه الرغبة بمطالبته بالفدرالية، لكنّ النقاش الحقيقي المقبل على البلد الذي لن يستطيع أحد أن يتخطّاه هو بحث اللامركزية الإدارية التي يرفضها الحزب حتى هذه الساعة.
جوزفين ديب- اساس