اللبنانيات يعملن في السر… لهذه الأسباب؟
لم تستثنِ الأزمة التي يمر بها لبنان أي جانب من جوانب حياتنا، فقد أدخلت إليها العديد من المتغيرات السلبية، حتى بانت ظاهرة العمالة المنزلية للبنانيات إلى جانب السوريات تحديداً اللواتي بدأن بالعمل في هذه المهنة منذ نزوحهن إلى لبنان مقابل تراجع كبير للعاملات الأجنبيات عبر المكاتب المخصصة لهن. غياب الحماية والرقابة على العاملات في هذا القطاع من مختلف الجنسيات يؤدي إلى استغلالهن خصوصاً مع اشتداد الأزمة الاقتصادية سواء كنّ لبنانيات أو سوريات.
وأدّت الأزمة التي يمر بها لبنان إلى إحداث تبدلات كبيرة في عادات اللبنانيين وحياتهم، وأولها الاستغناء عن عاملة في المنزل. وفي السياق، أكد رئيس نقابة أصحاب مكاتب استقدام العاملات في الخدمة المنزليّة جوزيف صليبا أنّ “القطاع تلقى الصدمة كما غيره من القطاعات في المرحلة الأولى وكانت كارثيّة. ولكن مع الوقت، ومع بدء تأقلم القطاع الخاص مع الدولرة عدنا إلى السكة للبقاء على قيد الحياة”.
وبشأن أعداد العاملات المنزليات، قال صليبا في حديث صحافي: “الموافقات المسبقة خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام ٢٠٢٣ بلغت أكثر ٨ آلاف عمليّة، علماً أنّه في السنوات السابقة كانت تبلغ بين ١٨ و٢٠ ألفاً، وبالتالي هناك تراجع يصل إلى ما بين ٤٠ و٥٠ في المئة”.
واعتبر الباحث في “الدولية للمعلومات” محمد شمس الدين في حديث لموقع “لبنان الكبير” أن “العمالة الأجنبية تراجعت بنسبة كبيرة جداً، فبعدما كانت ٢٧٠ ألفاً أصبحت اليوم في حدود ١١٠ آلاف فقط، وفي حال اشتدت الأزمة أكثر فمن الطبيعي أن نشهد انخفاضاً أكثر بكثير من هذه الأرقام”، موضحاً أن “هناك عدداً كبيراً من الأُسر استغنى عن العاملات في منازله بمختلف جنسياتهن، إما بسبب محدودية القدرة المادية بعد الأزمة، أو بداعي السفر إلى الخارج، وهناك مَن استبدل العاملة الأجنبية إما بعاملة سورية، أو إحتمال اللجوء الى بعض اللبنانيات في هذا العمل، في النهاية هذه الخيارات الأربعة التي أدّت بشكل أو بآخر إلى تقليص نسب العمالة الأجنبية في المنازل”.
وفي مقارنة سريعة للأرقام في العامين الماضيين، وبحسب الاحصاءات الأخيرة لـ “الدولية للمعلومات” حول هذا الموضوع، بلغت نسبة تراجع العمال الأجانب بإستثناء السوريين والفلسطينين عام ٢٠٢٠ نحو ٩٢ ألفاً، وهناك نحو ١٠٠ ألف إلى ١٥٠ ألف عامل يعملون بطريقة غير شرعية، غادر لبنان نحو نصفهم خلال العام ٢٠٢٠ نتيجة الأزمة. وبالتالي، انخفض عدد العمالة الأجنبية من نحو ٤٠٠ ألف عامل إلى نحو ٢٣٠ ألفاً. أما التراجع الكبير، فقد حصل في اليد العاملة المنزلية بحيث تراجع عدد العاملات والعمال الأجانب الموجودين في لبنان بنسبة لا تقل عن ٧٥ في المئة خلال العامين ٢٠٢٠ والفصل الأول من ٢٠٢١، وغالبيتها من العمالة المنزلية.
“بدأت العمل في الخدمة المنزلية سراً لدى جيراني من دون علم زوجي العسكري وأهلي. لدي ٣ أطفال صغار، ومسؤولة عن أمي المريضة التي تحتاج شهرياً إلى دواء لا يقل ثمنه عن ٦ ملايين ليرة، وراتب زوجي لا يكفينا حتى قوتنا لمدة ١٥ يوماً مع التوفير. أحاول مساعدة جاراتي بمقابل مادي، بيوتهن قريبة مني، ومعتادة على زيارتهن، لذلك لا أحد يشعر أنني أعمل عندهن، وأمي وزوجي يعتقدان أنني أزورهن يومياً للتسلية وشرب القهوة”، بهذه الكلمات وصفت سيدة لبنانية صعوبة الحالة التي تعيشها واضطرارها الى الخدمة في المنازل.
أما منال.أ فتخلت عن العاملة الأجنبية “تيغست” بعد سنوات من وجودها لديها. وقالت: “عزّ عليّ فراقها جداً، فقد أصبحت منّا وفينا، عدا عن ذلك أعتمد عليها في غالبية أمور المنزل. القرار صعب جداً، ولكن قدرة زوجي المادية لم تعد تسمح له بإبقائها عندنا بحيث تخطى راتبها الـ ٢٥٠ دولاراً، وراتب زوجي بين الموسم الزراعي والسوبر ماركت لا يصل الى أكثر من ٣٠٠ دولار”.
أضافت: “لأنني اعتدت على أن يساعدني أحد، استبدلت العاملة الأجنبية بأخرى سورية، بعدما اتفقت معها على أن تأتي لمساعدتي يومين في الأسبوع مقابل ٦٠٠ ألف ليرة في اليوم، أي ما يقارب الـ ٥ ملايين شهرياً، وبهذه الطريقة أبقيت على شخص يساعدني وبأقل كلفة ممكنة”.
قطاع العاملات في خدمة المنازل تلقى عدة صدمات، الأولى تخلي عدد كبير من الأسر عن الأجنبيات، والثانية لجوء اللبنانيات إلى العمل في هذا القطاع سراً، إضافة إلى الاستعانة بالعاملات السوريات بأرخص الأسعار من دون مكتب وغيره ما أدى إلى تضرر مكاتب استقدام العاملات، وزيادة نسبة إحباط اللبناني المنهك من الأزمات.
راما الجراح- لبنان الكبير