جلسة الانتخاب اليوم هي امتحان وفيصل: السُّنّة على الحياد.. أم على الهامش؟

يطلق الأميركيون اسم “الثلاثاء الكبير” على أحد أيّام الثلاثاء من شهرَي شباط وآذار في العام الذي يسبق الانتخابات الرئاسية. وهو يوم يشهد الانتخابات المفصلية داخل الحزبين الديمقراطي والجمهوري لاختيار مرشّح الحزب لرئاسة الولايات المتحدة الأميركية.

في الاقتباس اللبناني للتجربة الأميركية اليومُ هو “الأربعاء الكبير” الذي سيحدّد مصير المرشّحَين من المحورَين وسيجيب على سؤال يبحث عن أجوبة: هل يستمرّ سليمان فرنجية وجهاد أزعور بالترشّح للمعركة الرئاسية أم يفتح هذا اليوم باب البحث عن خيار آخر؟

بدأت الحرب الأهلية غير المعلنة على لبنان واللبنانيين بإزاحة الجبل السنّيّ في لبنان.

المشروع الإيراني “الهاجم” على المنطقة في عام 2005 لم يحتمل وجود هذا النوع من “العوائق” السياسية العملاقة، فكان لا بدّ من “شطبه” من المعادلة، بما يمثّل في الداخل، وبما يتّصل به في الخارج، من أدوارٍ وعلاقاتٍ واحتمالاتٍ و”مستقبل”.

تزامن ذلك مع هجوم أميركي على نظامين سنّيَّين في الإقليم، أفغانستان والعراق مع إراحة نظام الملالي من صراع حدوده الشرقية، وتسليم العراق إلى إيران بشكل فاضح. ثمّ تعاظم الدور الإيراني في سوريا واليمن وفلسطين، وصولاً إلى اغتيال الحريري وبدء “قضم” السلطة في لبنان.

منذ ذلك الحين تدحرج الدور السنّيّ في لبنان نزولاً. في 7 أيّار 2008 أخذ الحزب “الثلث المعطّل” في الحكومات على الرغم من امتلاكه الأقليّة النيابية. في 2011 بدأ تهجير سُنّة سوريا إلى لبنان والأردن وجهات الأرض الأربع.

هكذا يعيش السُّنّة أسوأ أزماتهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية والوجودية في المنطقة. تعرّضوا لحروب التهميش والاغتيال والتهجير في سبيل تغيير موازين المنطقة وتوازناتها السياسية والديمغرافية.

بعد كلّ هذا، قرّر جزء وازن من النواب السُّنّة في لبنان الوقوف “على الحياد”. بين مرشّح الثنائي الشيعي، والمشروع الذي بدأ من العراق وسوريا واليمن وفلسطين، إلى لبنان وقراه ومدنه، وبين مرشّح التوافق المسيحي، الذي يمثّل “العالم”، من صندوق النقد الدولي إلى الأكثرية المسيحية وبعض السُّنّة وكلّ الدروز وقسم من تغييريي تشرين.

الحياد.. أو الهامش؟
تقول الترجيحات إنّ 5 نواب سُنّة فقط سينتخبون أزعور، و8 إلى 9 سينتخبون فرنجية، وبين 13 و14 سيصوّتون بورقة بيضاء، أي أنّ نصف النواب السُّنّة سيقفون “على الحياد”، بين مرشّح محور إلغائهم، وبين مرشّح العرب والغرب.

فهل هذا وقوف “على الحياد” أم “على الهامش”؟
يقدّم بعض “المحايدين” تبريراتهم بأنّ “الجلسة لن تنتج رئيساً”. وهنا المشكلة الكبرى، إذ ستظهر النتائج أنّ المسيحيين والدروز وبعض المستقلّين والتغييريين وربع السُّنّة تقريباً، قد حسموا موقفهم واتّخذوا قرارهم. وكذلك بالنسبة إلى الشيعة والمسيحيين المتحالفين معهم وبعض السُّنّة الذين يقفون إلى جانبهم.

فإذا احتسبنا انقسام نصفهم بين المرشّحَين، ووقوف نصفهم على طرف “ورقة بيضاء”، نكون قد وصلنا إلى حيث أراد “المخطّط الأصلي”… وهو “تحييد” السُّنّة مرحليّاً، في سياق تصفيتهم سياسياً، وتحويلهم من قوّة وازنة في لبنان والمنطقة، إلى جماعة “هامشية”، لا دور لها ولا قرار، ولا وزن لها ولا خيار.
السُّنّة الذين سيقفون في الوسط يوافقون على أن يبقوا بلا أيّ تأثير أو دور. لكنّ هذا سيحمّلهم مسؤولية تاريخية. أمّا من ينادون بالذهاب إلى الخيار الثالث، فليذهبوا إلى التصويت لمرشحهم بدلاً من الاختباء وراء الورقة البيضاء.
ليتذكّر هؤلاء السادة أنّ “قليلهم” هم “نواب الصدفة”، بسبب غياب السياسيين السُّنّة الكبار. حانت فرصتهم للوصول والبروز، وهذا يُلقي على عاتقهم مسؤولية أكبر في التأسيس لدور مختلف، وصناعة موقف جدّيّ، وليس البقاء في منطقة رمادية.
بعض النواب السُّنّة الذين اتّخذوا موقفهم، خصوصاً مَن سيؤيّد جهاد أزعور، حجزوا لأنفسهم مواقع في الرمزية السياسية، وهم سيتقدّمون لاحقاً على حساب المتردّدين. فالتردّد يولّد فراغاً، بالتأكيد سيأتي من يملأه.

سقوط “وهم” الحياد
أمّا تحجُّج بعض هؤلاء النواب بالرغبة بالامتناع عن “رفع منسوب التوتّر الطائفي والمذهبي”، أو بإظهار المعركة بين الشيعة والموارنة، فهذه أعذار تسهم أكثر في تغييب السُّنّة عن المعادلة الوطنية وتظهر خنوعهم.
أمّا من يدّعي أنّه ينتظر نصيحة سعودية أو موقفاً إقليمياً، فذلك لا يصنع منه سياسياً ولا زعيماً، لأنّ الخارج لا يصنع “المواقف” لمن هم في الداخل. بل “الموقف الشجاع” هو الذي يؤثّر على قرارات الخارج، ويضع الجميع أمام مسؤوليّاتهم. والموقف يمكنه أن يصنع حالة لا يمكن لأحد في الخارج أو الداخل أن يتجاوزها.

جلسة الانتخاب اليوم هي امتحان وفيصل، ولا يمكن للسُّنّة أن يتغيّبوا عنها أو يتخلّفوا عن الالتحاق بهذه المعركة، بعيداً من التبريرات، أو طمعاً بحسابات أو مكاسب أو مناصب مرّة أخرى. من يؤمن فعلاً بالخيار الثالث، فعليه أن يصوّت لأحد المرشّحَيْن، وبعدها سيفرض نفسه مفاوضاً جدّيّاً يمكن أن يفرض شروطه.

يقول مارتن لوثر كينغ: “أكثر أماكن الجحيم اشتعالاً هو ذلك المحفوظ للذين وقفوا على الحياد في أزمنة القضايا الأخلاقية”.

خالد البواب- اساس

مقالات ذات صلة