تسوية فرنجية ـ سلام مُنجزة: ما كُتب في الغرف المغلقة قد كُتب!

يؤكّد المتتبعون لمجريات الاستحقاق الرئاسي ومتطلباته، انّ ما كُتب في شأنه في الغرف المغلقة قد كُتب، وانّ كل المحاولات الجارية لتغيير المكتوب لن تجدي نفعاً، فالمكتوب قُرئ من عنوانه، ولم يبقَ تنقصه إلّا الترجمة العملية التي يبدو انّها لا تزال تواجه عثرات وربما مطبّات، هي داخلية في غالبيتها، وعندما ستُذلّل، ستبيّض وجوه وتسودّ اخرى، وسيعلم الذين اخطأوا القراءة والتفسير أي منقلب سنيقلبون، وستكون العاقبة لمن أحسنوا التقدير والتدبير.

فاللعبة الديموقراطية المتعلقة بالاستحقاق الرئاسي، يقول هؤلاء المتتبعون، أن تعطي الحق لأي فريق في ان يعتمد أي موقف او اسلوب في خوض المعركة السياسية والانتخابية لإيصال مرشحه إلى سدّة رئاسة الجمهورية، ولكنها لا تعطيه الحق في العمل على إلغاء المرشح الآخر الذي ينافسه ومعه الفريق الذي يدعم ترشيحه، لأنّ لهذا الآخر الحق ايضاً في ان يقوم بأي عمل لإيصال مرشحه ايضاً وبالطريقة الديموقراطية التي يريد. لكن ما يحصل في التنافس القائم الآن حول الاستحقاق الرئاسي، يتجاوز الاسلوب الديموقراطي إلى إثارة أجواء فتنوية في البلاد، بما يهدّد الأمن والسلم الأهلي، خصوصاً عندما يتحدث البعض ويتهم هذا الفريق او ذاك بفرض مرشحه على الآخرين، كالاتهام الذي يُوجّه إلى «الثنائي الشيعي» بأنّه «يفرض» رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية رئيساً على الآخرين، مصوّراً الأمر وكأنّ الرجل لا يحق له الترشح للرئاسة او جيء به من كوكب آخر، وانّه غريب عن الحياة السياسية اللبنانية التي لعائلته جذور عميقة وتاريخية فيها.

 

وبغض النظر الضيّقة لدى البعض حيال الاستحقاق الرئاسي، فإنّه من اليوم وحتى ذلك «الاربعاء الكبير» يوم انعقاد الجلسة الانتخابية الرئاسية الثانية عشرة، ربما تحصل تطورات كثيرة في المواقف، سواء سبقتها زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان او أعقبتها، وهذه التطورات ستكون في خدمة التسوية التي أُرسيت دعائمها منذ أشهر، والقائمة على معادلة: سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية ونواف سلام رئيساً للحكومة» (وإن كان البعض يقول انّ اسم سلام متحرّك لمصلحة اسماء اخرى متداولة في الوسط السياسي عموماً وفي البيئة الاسلامية السنّية خصوصاً).

ففي الآونة الاخيرة، يقول سياسي لصيق بالاستحقاق، اُعيد تأكيد هذه التسوية في اتصالات أجرتها باريس في اتجاهات عدة، وخصوصاً مع الرياض وبيروت، وجاءت نتائجها توافقاً جديداً عليها، ولكن ما يعوزها إلى الآن هو الإخراج المطلوب الذي يعمل المعنيون بها على تظهيره كل لدى حلفائه، ولاسيما منهم المعارضين لها، ومن هنا يمكن فهم اعتراض هؤلاء وذهابهم إلى ترشيحات مضادة لفرنجية لأنّهم، إما علموا بها واعترضوا عليها، ويعتقدون انّ تصعيد اعتراضهم عليها قد ينسفها لمصلحة خياراتهم الخاصة او خيارات اخرى يمكن ان يقبلوا بها.

لكن خلف مطاوي ترشيحات هؤلاء ما يكشف انّهم علموا فعلاً بطبيعة هذه الاتصالات، فلجأوا إلى مواجهتها بخيارات أخرى كان منها ترشيح الوزير السابق جهاد ازعور، ولكنهم مع هذا الترشيح تركوا لأنفسهم باباً للتراجع او الاستدارة والقبول بالتسوية او على الأقل عدم تعطيلها، فـ»اللقاء الديموقراطي» وخلفه رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط رشّح ازعور، ولكنه نادى بالتوافق مع الآخرين على رئيس من خلال الحوار او التشاور. وكذلك «التيار الوطني الحر» الذي تقاطع مع المعارضة على اسم ازعور، وقال بلسان رئيسه جبران باسيل، انّ ازعور هو واحد من مجموعة اسماء، وانّه لا بدّ من الاتفاق مع الفريق الآخر على اي مرشح، وهو يقصد بالدرجة الاولى «الثنائي الشيعي» وحلفاءه، علماً انّ كثيرين يؤكّدون انّ المرشح الجدّي لدى باسيل هو الوزير السابق زياد بارود.

اما بالنسبة إلى «القوات اللبنانية» فلديها هي الأخرى خيار آخر غير ازعور، او على الاقل لديها اقتناع بأنّ فرص ازعور للفوز ليست متوافرة، ولكن ترشيحه ربما يساعد، في رأيها، في دفع الاستحقاق نحو خيار ثالث يستبعد معه فرنجية، الذي تعارض وصوله بشدّة لاعتبارات وأسباب شخصية وسياسية، كباسيل، قبل أي اعتبارات اخرى.

لكن هذا الواقع، يقول قطب سياسي، يعكس انّ المعارضين لترشيح فرنجية يعيشون حالة من الإرباك لعدم وضوح مواقف بعض العواصم المهتمة بالشأن اللبناني، خصوصاً انّ اتصالاتها معها لم تبلور لديها حقيقة هذه المواقف الى الآن، لأنّ هذه العواصم تستأخّر الجهر بها، ربما لأنّ توقيت البدء بالترجمة العملية للحل الرئاسي اللبناني لم يحن بعد في ضوء المتغيّرات الاقليمية الجارية والمتلاحقة، ما يجعلها تتريث في كشف التفاصيل.

وكذلك، يؤكّد القطب نفسه، انّه إذا لم تُحسم كل المتطلبات اللازمة لإنجاز الاستحقاق وفق التسوية المرسومة قبل جلسة الاربعاء المقبل، فإنّ هذه الجلسة ستنتهي كسابقاتها الإحدى عشرة، ليتحدّد في نهايتها او بعدها موعد لجلسة جديدة، ربما تكون ناجزة خلال الشهر الجاري، في ظلّ توجّه لإنجاز هذه العملية الدستورية من دون حاجة إلى تأجيل اضافي. فعندما يأتي الموفد الفرنسي لودريان إلى لبنان، سيحمل معه على الأرجح حصيلة الاتصالات الفرنسية في شأن الاستحقاق الرئاسي، والتي كانت منها زيارة وزيرة الخارجية الفرنسية للرياض، والتي انتقلت منها إلى الدوحة. علماً انّ الاتصالات السعودية ـ السورية متواصلة منذ قمّة جدة. فالوضع اللبناني حاضر في هذه الاتصالات، ولاسيما منها الجارية بين الرياض ودمشق انطلاقاً من رغبة البلدين بالتعاون في هذا الاتجاه، كونهما كانا شريكين ولا يزالان، في إدارة الشأن اللبناني منذ إقرار «اتفاق الطائف» عام 1989، حيث كانتا ولا تزالان تمتلكان الأحقية عربياً ودولياً في رعاية تنفيذ هذا الاتفاق.

طارق ترشيشي – الجمهورية

مقالات ذات صلة