“عون وضع كل رصيده في صهره… لكن جبران فقد السيطرة!
محاولات تقويض رئيس التيار الوطني الحرّ، جبران باسيل، قديمة، ومستمرة. تعود إلى ما قبل ترؤسه للتيار ولا تزال قائمة اليوم، مروراً باستحقاقين انتخابيين. لم يعد النقاش مجدياً، في مسألة من هو المحق بالخلافات والاختلافات في التوجهات السياسية القائمة بين نواب وأعضاء من التيار الوطني الحرّ، طالما أن مؤسس التيار، ميشال عون، قد عقد أمر البيعة لباسيل نفسه. حالياً، يتجدد الاختلاف داخل بين نواب التيار في التوجهات الرئاسية. يكاد يصل إلى مشارف الانشقاقات، والتي لا يريدها عون. ولذلك لجأ إلى التدخل. النواب أنفسهم الذين يختلفون مع باسيل، كانوا سابقاً من الذين عارضوا عملية توريثه ومنحه رئاسة الحزب. في تلك الفترة، كانت هناك مساع توفيقية لترشيح ابراهيم كنعان للرئاسة، بعدما كان النائب السابق زياد أسود متحمساً للترشح في وجه باسيل. لكن عون بتلك الفترة، التقى بالجميع، وأبلغهم بـ”الفرمان”. فاستجاب الجميع لطلبه.
رجال أعمال ومناضلون
تجددت محطّات الاختلاف في الآراء، لدى اقتراب لحظة التسوية والاتفاق مع سعد الحريري التي استوجبت التخلي عن “الإبراء المستحيل”، والذي يهاجم الحريرية. لكن حجم الاختلاف لم يكبر كرمى لعيون الجنرال والرئاسة. فيما توسع هامش الإشكالات في الانتخابات النيابية عام 2018، عندما اختار باسيل التخلي عن نواب مؤسسين في التيار لصالح ترشيحات أخرى، وتحالفات، وصفها النواب المستبعدون بأنها تحالفات مصلحية، أو إدخال عناصر جديدة إلى التيار الوطني الحر من غير المؤسسين ليفرض الرجل سيطرته كما يريد. فيما ذهب آخرون لوصف التحالفات بأنها إدخال رجال الأعمال والمتمولين وإخراج المناضلين.
زادت نسبة الإشكالات في انتخابات العام 2022، وقد أحدثت تشظيات متجددة في التيار، سواء باستبعاد أسود، أو ماريو عون، أو حكمت ديب. في حينها حصل تعاطف من قبل النواب المعترضين على أداء باسيل مع زملائهم المناضلين، لكنهم لم يتمكنوا من فعل شيء. بعد ثورة 17 تشرين، وقبيل الانتخابات النيابية كانت هناك محاولات كثيرة من جهات داخلية وخارجية لتحفيز النواب المعترضين على أخذ مسافة أوضح عن باسيل والتكتل والتيار. لكن هؤلاء رفضوا ذلك، على قاعدة أنه لا يمكن الخروج من صف ميشال عون، وهو الذي يترأس أصعب العهود. لتتجدد الرهانات بعد الانتخابات النيابية، خصوصاً ان النواب المعترضين اعتبروا أن باسيل حاول محاربتهم في عملية التصويت، وبالأخص ابراهيم كنعان، من خلال محاولة تجيير الأصوات لصالح إيدي معلوف. والأمر نفسه تكرر في جزين عبر إصرار من قبل عون وباسيل على دعم أمل أبو زيد لمواجهة زياد أسود.
حسابات نيابية سيئة
حالياً، يتركز الخلاف على التوجهات في الاستحقاق الرئاسي. يتجدد الاعتراض على أداء باسيل وقراراته. بعضهم من لا يمانع انتخاب سليمان فرنجية، وبعضهم الآخر يؤيد ترشيح أحد أعضاء التكتل (إبراهيم كنعان) مجدداً. فيما اعتبارات البعض الآخر ترتبط بالعملية الحسابية الانتخابية، نظراً لأن تحالفهم مع الثنائي الشيعي هو الذي أمن فرص وصولهم. لجأ الرئيس السابق ميشال عون بنفسه للردّ على هذا الكلام. فكان واضحاً في اجتماع التكتل بأن النظام الداخلي للتيار ينص على أن رئيس التيار الوطني الحرّ هو الذي يترشح لرئاسة الجمهورية، قاطعاً الطريق بذلك على كنعان.
أما في النقاش حول الانتخابات النيابية، وما يحكى عن أنه في حال ذهب باسيل إلى قطيعة مع حزب الله، يمكن لعدد نواب التكتل أن يتضاءل كثيراً، فقد كان عون واضحاً بأن النواب نجحوا بفعل أصوات التيار الوطني الحرّ، ومن يريد الخروج من التيار فليخرج. لكن بالنسبة إلى المعارضين، المسألة ليست كذلك، لأن بعض النواب تعرضوا لمحاولة من باسيل لإسقاطهم. وحيث خرج التياريون من التيار كانت النتائج سلبية، كما هو الحال بالنسبة إلى جزين. وهذه مشكلة مستمرة إلى اليوم.
قضاء العمر
تتكشف الخلافات أكثر فأكثر. وقد بدأ تكشُّفها مع موقف النائب آلان عون بمعارضته لباسيل بترشيح جهاد أزعور، واستكملها النائب سيمون أبي رميا الذي طرح علناً ترشيح ابراهيم كنعان. وما بينهما اختلاف بين باسيل والياس بو صعب، الذي صوّت للرئيس نبيه برّي، ولا يمانع التصويت لفرنجية. وقال سابقاً إنه يختلف مع مقاربة باسيل في مسألة تأجيل تأخير الساعة واللغة التي استخدمها.
عملياً، لا يمكن القول إن عون نجح في دفع النواب إلى الاجتماع على كلمة سواء مع باسيل. ولذلك أبقيت المشاورات مفتوحة، وسط معلومات تفيد بأن هؤلاء النواب لن يوافقوا على ما يطرحه باسيل، على الرغم من تدخّل عون. وحسب ما تقول مصادر متابعة، إنهم يقولون في أوساطهم: “عون وضع كل رصيده في باسيل، بينما نحن لم نقض عمرنا في سبيل تسيّد باسيل، إنما في سبيل قضية.”
منير الربيع- المدن