في قمّة جدّة طرأ تحوّل أساسي: بند إيران وميليشياتها”انقلب” تماماً
قمّة جدّة: لبنان “الثابت”.. وإيران “المتحوّلة”
ليس بند لبنان هو “المتغيّر” في “قمّة جدّة” العربية. يكاد يكون نسخة عن البند نفسه في المقرّرات السابقة، لولا إضافة الدعوة إلى انتخاب رئيس للجمهورية.
ما تغيّر كثيراً، على وقع اتفاق بكّين بين المملكة العربية السعودية وإيران، هو بند إيران وميليشياتها، الذي “انقلب” تماماً، وباتت لغته أقرب إلى “التوافق” منه إلى “المواجهة” التي كانت سمة البيانات السابقة.
ما يجدر التوقّف عنده حقّاً هو بند التدخّلات الإيرانية، الذي سُحِبَت منه “دهون” مصطلحاتٍ مثل “الإرهاب” و”تغذية النزاعات الطائفية والمذهبية”… وأُضيفَت مقويّات “الترحيب” بالتقارب السعودي الإيراني:
– سابقاً كان هذا البند يتضمّن التالي: “… إدانة التدخّل في الشؤون الداخلية للدول العربية باعتباره انتهاكاً لقواعد القانون الدولي ولمبدأ حسن الجوار وسيادة الدول.. ومطالبة الجمهورية الإسلامية الإيرانية بوقف تدخّلاتها في الشؤون العربية التي من شأنها تغذية النزاعات الطائفية والمذهبية… والتأكيد على ضرورة امتناعها عن دعم الجماعات التي تؤجّج هذه النزاعات، وبالذات في دول الخليج العربية… ومطالبتها بإيقاف دعم وتمويل الميليشيات والأحزاب المسلّحة في الدول العربي.. والإدانة الشديدة لاستمرار عمليات إطلاق الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية وغيرها من أنواع الصواريخ الإيرانية الصنع على المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة من الأراضي اليمنية من قبل الميليشيات الحوثية الإرهابية التابعة لإيران… والإدانة بأشدّ العبارات للهجمات الإرهابية على منشآت شركة أرامكو النفطية السعودية… واستنكار وإدانة التدخّلات الإيرانية المستمرّة في الشؤون الداخلية لمملكة البحرين، بما في ذلك مساندة الإرهاب وتدريب الإرهابيين وتهريب الأسلحة والمتفجّرات وإثارة النعرات الطائفية، ومواصلة التصريحات على مختلف المستويات لزعزعة الأمن والنظام والاستقرار، وتأسيس جماعات إرهابية بالمملكة مموّلة ومدرّبة من الحرس الثوري الإيراني وذراعَيْه كتائب عصائب أهل الحق الإرهابية وحزب الله الإرهابي، وهو ما يتنافى مع مبدأ حسن الجوار وعدم التدخّل في الشؤون الداخلية وفق مبادئ ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي….”.
في قمّة جدّة طرأ تحوّل أساسي: بحيث بات يرحّب بالتقارب السعودي الإيراني برعاية الصين، ويدين كلّ شكل من أشكال التدخّل في الدول العربية، ويؤكّد استمرار جامعة الدول العربية بمراقبة التدخّلات الخارجية في الدول العربية، من دون أن يتضمّن أيّ كلام عن “ميليشيات إرهابية تابعة لإيران” كـ”حزب الله الإرهابي”. وهو البند الذي كان الوفد اللبناني يتحفّظ عليه سابقاً .
متغيّرات على الورق.. أم في الواقع؟
أُقرّت هذه المقرّرات من دون تحفّظات كانت تسجّلها سابقاً بعض الدول العربية “من ضمنها لبنان”. غير أنّ هذه المتغيّرات، بحسب مصادر دبلوماسية رافقت العمل في القمّة، لا تنسحب بالضرورة على أرض الواقع في لبنان. بحيث ما يزال الموقف السعودي هو نفسه من الرئاسة ولم يتبدّل لمصلحة حزب الله ولن يتبدّل، كما هو واضح حتى هذه الساعة.
لذا فإنّ كلّ الكلام الذي رافق القمّة ودخل زواريب السياسة اللبنانية لا ركائز جدّية له في السياسة لأنّ مسار لبنان خاصّ جدّاً ولا يندرج في مسار العلاقة السعودية الإيرانية ولا العلاقة السعودية السورية ولا يمكن قراءته من بوّابة عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، على الأقلّ حتى هذه الساعة. وبالطبع لن يكون هناك تأثير سوري على لبنان، على الأقلّ قبل سنوات من عودة سوريا من نكبتها.
لبنان: الثابت.. حتّى تلال كفرشوبا
أما لبنان فكان “هادئاً”، وكاد “يسقط سهواً لولا رفع الوفد اللبناني صوته. وبدا أنّ هناك ازدواجية في الرسالة:
– بين “إعلان جدّة” الذي اختصر بنود القمّة وصدر عن المملكة العربية السعودية باعتبارها الدولة المضيفة. وفيه بند عن ضرورة تحاور اللبنانيين لانتخاب رئيس للجمهورية.
– وبين المقرّرات الصادرة عن جامعة الدول العربية والمنشورة على موقعها الرسمي، والتي تتألّف من 110 صفحات تتضمّن بإسهاب البنود التي أُقرّت والمتعلّقة بكلّ الدول العربية. وفيها بند يتحدّث عن مقاومة الاعتداءات الإسرائيلية بالوسائل المشروعة والتفريق بين الإرهاب والمقاومة في مواجهة إسرائيل.
في هذين البندين المتباعدَيْن المتكاملَيْن، يمكن اختزال كلّ الصراع اللبناني الداخليّ.
وفيما كانت القمّة المعقودة في جدّة بعيدة كلّ البعد عن لبنان وزواريبه الداخلية الضيّقة، حصل المسار المعنيّ بلبنان إلى جانب القمّة، وهو مسار يُفترض أن تبدأ مفاعيله بالظهور في الأيام المقبلة.
كانت لدى قمّة جدّة هذا العام أولويّات ثلاث: السودان واليمن وسوريا. لبنان ليس ضمن الأولويّات، لا بل سقط سهواً البند المتعلّق بالحثّ على تحاور اللبنانيين لانتخاب رئيس للجمهورية. وبعد صياغة الإعلان من دون البند اللبناني بادر الوفد الدبلوماسي اللبناني المشارك في القمّة إلى طلب زيادة بند يتّصل بالوضع اللبناني، فكان الجواب أن أضيفوا ما تريدون. اقترح الوفد اللبناني بنداً من ثلاثة أسطر، وأُدرج في إعلان جدّة. غير أنّ الأهمّ من البند المتعلّق بلبنان هو البند الذي يليه مباشرة ويشدّد على “وقف التدخّلات في شؤون الدول العربية الداخلية والرفض التامّ لدعم وتشكيل الجماعات والميليشيات المسلّحة الخارجة عن نطاق مؤسّسات الدولة”.
يدلّ هذا البند من “إعلان جدّة” على أنّ المملكة، المعنيّة الأولى بوضع بنود الإعلان، لم تُسقط من حساباتها التي ستُبنى عليها سياساتها في المرحلة المقبلة – على الرغم من التقارب مع إيران وسوريا – مبدأ رفض “دعم الميليشيات” في اليمن وسوريا ولبنان بطبيعة الحال.
لبنان بين يدي قطر؟
لذلك يمكن اعتبار البند هذا جواباً واضحاً على كلّ الاستنتاجات التي بنَت على التقارب السعودي – الإيراني واعتبرته تسليماً سعودياً بالأمر الواقع في الدول التي تتمتّع فيها القوى السياسية صاحبة “هذه الميليشيات” بنفوذ طاغٍ.
في المقرّرات، لا بدّ من التذكير بأنّ البند المتعلّق بلبنان هو بند مكرّر كما هو، ولا تغيير فيه منذ سنوات. التعديل الوحيد الذي طرأ على البند يتعلّق بالفراغ الرئاسي. لذلك تمّت إضافة “حثّ السلطات اللبنانية على انتخاب رئيس وتشكيل حكومة”. أمّا كلّ ما يتعلّق بمقاومة الاعتداءات الإسرائيلية وتحرير تلال كفرشوبا والغجر فهو بند مكرّر وضعته الدبلوماسية اللبنانية على مرّ سنوات انعقاد القمم العربية. ولذا لا يمكن الاستناد إليه في أيّ تحليل وخلاصات سياسية متّصلة بواقع الحال والانقسام في البلد أو في الإقليم.
أما المسار اللبناني فيتّجه نحو اختتام مرحلة الفراغ، بعيداً عن تقطيع الوقت في الداخل ومحاولات تسجيل النقاط.
يتقدّم الحلّ ببطء، وفق مقاربة نضجت على هامش القمّة العربية، وهي مقاربة عربية مشتركة تتقاطع مع المقاربة الأميركية في لبنان وستُترجم في زيارة الوفد القطري لبنان في الساعات المقبلة، وتشكّل مساراً بعيداً عن باريس التي تحوّل دورها إلى دور ثانوي في الرئاسة اللبنانية.
جوزفين ديب- اساس