نواب التغيير” تجربة فاشلة بإمتياز: خيبة …مراهقة وسلوك صبياني”!
خلال الاستحقاق الانتخابي العام الماضي (15 أيار 2022) كان خيار المقترعين اللبنانيين، التوجّه نحو الاقتراع لوجوه جديدة، من خارج المنظومة السياسية، سعياً الى إحداث تغيير جذري في المشهد السياسي، ينسجم مع التغيير الكبير الذي طرأ على مزاجهم، بفعل ما اصطلح على تسميته بـ”ثورة 17 تشرين”.
ووجد النّاس في ذلك الاستحقاق، مناسبة لقلب الطاولة على رؤوس المنظومة الحاكمة، بعدما اقتنعوا بأنّها تتحمّل منذ العام 2019 بالتكافل والتضامن مسؤولية تدمير مؤسسات الدولة وتشويه تطبيق القانون والدستور، وربما التآمر على لبنان واللبنانيين.
لذلك، كان قرارهم وخيارهم الاقتراع لمن هو خارج هذا الاصطفاف، أي أنّ أصواتهم صبّت لصالح اللوائح التي تشكّلت من القيادات الشابّة التي أفرزتها “ثورة تشرين”، أو الذين “ركبوا” موجتها ونصّبوا أنفسهم قادة لها، وأطلقوا على أنفسهم صفة “التغيير” (!) على الرغم من حالة الارباك والتناقضات التي تحكّمت بمسار تشكيل لوائحهم.
فمجموعات “كلن يعني كلن” وطيلة فترة السنتين الفاصلة بين “ثورة 17 تشرين” والانتخابات النيابية لم تتمكّن من النضوج سياسياً، بل بقيت أسيرة مراهقاتها وسلوكياتها “الصبيانية”، فضلاً عن المنافسة في ما بينها، والتي بلغت حدود صراع “الديكة” على تزعم نبض الشارع المنتفض، فعمّت الخلافات بينها، ما سمح بسهولة لبعض “النافذين” و”المحظيين” فيها وخارجها، بأن يحركوا إتجاهاتها يميناً ويساراً، وهذا ما جعلها تتلهى وتهدر الوقت على خلافاتها وجنوحها وتهوّرها، الأمر الذي جعلها عاجزة، لا بل قاصرة عن الاتفاق على برنامج واحد، أو حتى الحد الأدنى من المشترك بينها.
تلك المجموعات لم تقم بصورة كافية قبل الانتخابات، وخلال العامين الماضيين بالاعداد للانتخابات النيابية في مواجهة أحزاب السلطة، فداهمها الاستحقاق من دون أي تحضير سياسي وقانوني ودستوري، يسبق وصولها اليه، ومن ثمّ إلى المجلس النيابي، فبدت وكأنها فوجئت بالانتخابات في موعدها ومن ثمّ بفوزها.
إذ إنّ تشكيل اللوائح، وأمام الخلافات والصراعات بين مكوناتها وتلاوينها وحساباتها، تمّ العمل عليه “بطلوع الروح” في اللحظات الأخيرة، وبطرق فرضتها المعركة الانتخابية في بعض الأحيان.
على الرغم من أنّ الانتخابات النيابية أفرزت واقعاً جديداً، عبر إنتزاع الأكثرية البرلمانية من “حزب الله” وحلفائه، ودخول كتلة نيابية من خارج القوى والأحزاب التقليدية، أطلقت على نفسها اسم “التغيير”، الا أن الواقع لم يعكس أيّ جديد، بحيث إنّ النواب الوافدين لم يتمكّنوا من فرض أنفسهم كقوة تغييرية بسبب تشتّتهم، وغياب مشروعهم السياسي والبرلماني.
وهذا ما تجلى في فشلهم في خوض الاستحقاقات المفصلية داخل البرلمان، الأمر الذي سهّل مهمة “حزب الله” وحلفائه في إستعادة السيطرة على المجلس النيابي من خلال فوز مرشحيه برئاسة المجلس ونيابة رئاسته، وهيئة مكتب المجلس ومعظم اللجان، إضافة إلى عدم قدرتهم على التوصّل إلى تسمية موحدة لرئيس جديد للجمهورية، ما أدى الى تفكّك عقدهم، إذ كانوا يقدّمون مع كلّ جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية مشهداً تمثيلياً جديداً!
منذ الانتخابات النيابية، لم يقوموا بخطوات سياسية بالمعنى الحقيقي، إلا من باب إفتعال ضجة إعلامية من دون أيّ أسس ومعايير واضحة يمكن البناء عليها مستقبلاً. وقد يكون القاسم المشترك لهذه المجموعة، من خلال طريقة مقاربتها، أنها تصرّفت كضيفة على المجلس النيابي.
وكأن ما قام به الناخبون من ردّ فعل تجاه الأحزاب التقليدية، وصب أصواتهم للوائح “التغييريين”، رهاناً منهم على تظهير وإنتاج “قوة” سياسية قادرة على تغيير قواعد اللعبة، قد انتهى مفعوله في أقلّ من أشهر، بعدما أصيبوا بخيبة أمل كبيرة، حطّمت كلّ رهاناتهم، بتنفيذ التحوّل الكامل على مستوى منظومة السلطة، والحكم، وتحقيق التغيير المنشود.
كان أداء نواب “التغيير” أشبه بما يقوم به نواب الكتل السياسية والأحزاب التقليديون، وهذا في مقدم أسباب الخلافات بينهم، إذ لم يتمكّنوا من تحقيق أيّ إنجاز تشريعي طوال فترة السنة التي قضوها تحت قبة البرلمان، إذا ما استثنينا إستعراضاتهم و”كرنفالاتهم” الشعبوية الشكلية، فقد قدموا الاثارة الشكلية على التغيير الجوهري. وهذا ما ظهر منذ اليوم الأول لدخول معظمهم الى قاعة البرلمان بزيّ موحد “سبور” منتعلين أحذية رياضية وسراويل “جينز”، بدل اللباس الطبيعي كباقي النواب، ما أوجد مسافة بينهم وبين النواب الآخرين لم يشعر بها النّاس أو تؤثّر على جوهر حضورهم.
والاثارة الاعلامية والشخصية (غير الضرورية) من نواب “التغيير” بلغت ذروتها، عندما كشفت النائبة الجديدة سنتيا زرازير عن محتويات مكتبها الجديد الذي تسلمته في المبنى المخصّص للنواب، من مجلات إباحية وأدوات للاستخدام الجنسي، مع ما رافق ذلك من إتهامات بـ “التلطيش” والتنمر تعرّضت له من زملاء لها، وهي التي عمدت إلى رمي نفسها على عناصر الجيش في إحدى التظاهرات لكي توحي بأنّها تتعرّض للضرب!
اختيار هذا النموذج من نواب “الصدفة” ليس للتشهير الشخصي، بل للدلالة على ما ينمّ عنه أداء “التغييريين” من خفة في العمل السياسي، وما يحمله من إهانة للبنانيين الذين اقترعوا لهم.
سنة كاملة مضت على خيبة وإحباط من راهن على “التغييريين”، جرّاء تخبّط نوابهم وانقسامهم و”خفة” أدائهم وسلوكهم، (الأمر الذي نزع عنهم صفة “التغيير”)، بعدما انتظروا قوة سياسية جديدة، من خارج الأحزاب التقليدية، إذا بهم يترحّمون على بعض من خرجوا من المجلس النيابي، ويعودون إلى قواعدهم وإلى بيئاتهم التقليدية، بعد تجربة فاشلة بإمتياز الفاشلين، مكّنت قوى السلطة من إكتساح المشهد العام من جديد بثقة أكبر.
زياد سامي عيتاني- لبنان الكبير