محمد قنوع “بطل” الرجعيّة السياسية والاجتماعية: “بشار الأسد والجيش العربي السوري والعلم خط أحمر”!
لم تمض ساعات على وفاة الممثل السوري محمد قنوع، حتى تحول في مواقع التواصل الاجتماعي إلى أسطورة ينبغي تقديسها، رغم أن الرجل كان ممثلاً من الدرجة الثالثة على أفضل تقدير، لم يقدم أثراً يذكر في مجال الفن طوال عقود من العمل في الدراما المحلية. وإن كان من الطبيعي أن يحزن الجمهور عند وفاة المشاهير والشخصيات العامة، إلا أن المبالغة في استجرار العواطف تبقى أمراً مستفزاً، خصوصاً إن امتدت نحو تحوير للتاريخ وتجميل للواقع، مثلما هو الحال في سوريا.
وتوفي قنوع (49 عاماً) إثر احتشاء في عضلة القلب، ويرتبط في ذاكرة السوريين بسلسلة “مرايا” حيث كان دائم الحضور بشخصيات ثانوية منذ العام 1995، ولم يختلف الأمر طوال السنوات التالية حيث بقي حاضراً في الدراما الاجتماعية بشخصيات هامشية، قبل أن تدفعه الثورة السورية وانقسام فناني سوريا بين موالين ومعارضين وهجرة آخرين منهم، إلى الواجهة، حيث شارك في مسلسلات وأفلام من إنتاج رسمي كانت شديدة الرداءة فنياً مثل “حارة المشرقة” كان الغرض منها تقديم دعاية سياسية مباشرة دعماً للنظام السوري.
ولم يكن قنوع طوال مسيرته الفنية ممثلاً جيداً بقدر ما كان شخصاً يعجب الجمهور المحافظ بسبب تصريحاته المروعة عن قضايا اجتماعية، مثل القول أن الفن حرام وأنه لا يقبل أن تدخل بناته وزوجته مجال التمثيل فضلاً عن آراء مخيفة عن الزواج المدني وحقوق المثليين جنسياً وحقوق المرأة وغيرها من القضايا الاجتماعية التي ناقشها لعقود من منطلق ديني ضيق للغاية، مثلما كان الحال العام الماضي عندما استضافته الإعلامية اللبنانية رابعة الزيات في برنامج “شو القصة”، كما كانت صوره مع زوجته وبناته المحجبات، مدخلاً لشعبيته كفنان “ملتزم” و”محافظ” و”مهذب” بعكس زملائه “الفاسقين”.
بالطبع سوف يحزن عليه الآلاف اليوم عندما يستذكرون حديثه عن حجاب ابنته التي يمنعها من التمثيل وعدم عمل زوجته لأن المرأة الجيدة تبقى في البيت وعن معارضته لزواج المسلمة من المسيحي ولاشمئزازه من المثليين جنسياً وغيرها من التصريحات المستندة إلى موروث ديني واجتماعي بالٍ ولا يناسب معايير الحياة الطبيعية في القرن الحادي والعشرين، حتى على الصعيد السياسي لم يكن ما قدمه قنوع مختلفاً، بدعمه لنظام الأسد وصوره مع الجنود في السنوات التي كانت فيها جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان تحصل بوتيرة كبيرة.
وقنوع اشتهر بالعمل في سلسلة “مرايا” مع ياسر العظمة منذ تسعينيات القرن الماضي، وهو ممثل لا يرتبط فقط بالمخابرات السورية بل يلعب أيضاً على ثيمات تستميل الجمهور المحافظ في سوريا والمنطقة العربية، من أجل ضخ أفكار ذكورية تحط من قدر النساء وتعزز فكرة الأب القائد للدولة والمجتمع، كوصف للدكتاتورية الحاكمة في سوريا، أيضاً. ويعتبر الممثل ياسر العظمة (81 عاماً) هو معلمه وأبوه الروحي في الفن حيث عمل على إقحامه في الشاشة عبر سلسلة “مرايا” الشهيرة، وبالمقابل كان قنوع يستشهد بالعظمة بمناسبة وبلا مناسبة كمرجعية له، وذلك طبيعي نظراً للقيم الذكورية والمحافظة التي يصدرها العظمة بنفسه خصوصاً هذه الأيام عبر قناته الشخصية في “يوتيوب”.
وقنوع أيضاً ليس خريجاً من المعهد العالي للفنون المسرحية، بل يمثل أيضاً واحداً من الأمثلة الشائعة في سوريا عن العائلات الفنية التي تدفع بأبنائها نحو الشهرة من دون استحقاق، وهو ما يحصل اليوم مع تعويم أبناء الفنانين “المخضرمين” ومن بينهم ابنة الممثلة سوزان نجم الدين التي شاركت في مسلسل بيئة شامية رغم أنها تعيش في أميركا ولا تتحدث العربية جيداً. وقنوع هو ابن عائلة “قنوع” الشهيرة في دمشق التي عملت لسنوات على المسرح الكوميدي “دبابيس” تحت اسم “الأخوين قنوع”، وهو ابن الفنّان والمخرج الإذاعي الراحل مروان قنوع.
وعلى الصعيد السياسي، دعم قنوع الرئيس بشار الأسد مراراً وتكراراً وقال في أحد لقاءاته الإذاعية أن “بشار الأسد والجيش العربي السوري والعلم خط أحمر”، وظهر في صور مع جنود النظام على الجبهات مطالباً بتقديسهم وإجلالهم، كما شارك في مسلسلات دعائية أبرزها مسلسل “لأنها بلادي” الذي أنتجته وزارة الإعلام العام 2021 بهدف تصوير” بطولات وتضحيات الجيش العربي السوري في مواجهة العدوان الإرهابي على سوريا” تحت إدارة المخرج نجدة أنزور.
واللافت في المسلسل حينها، تصويره في مناطق تم قصفها من قبل قوات النظام السوري، وتهجير أصحابها، بعد معارك جنوب إدلب العام 2019 في كل من خان شيخون وكفرنبل وغيرها. وشارك في المسلسل أيضاً عناصر يتبعون لـ الفرقة الـ25 بقيادة اللواء سهيل الحسن الملقب بـ”النمر”، حيث تضمنت بعض المشاهد قصفاً حقيقياً على بيوت السوريين المهجرين في ريف حماة الشمالي وريف إدلب الجنوبي، وتصويرها على أنها منازل تقصفها المعارضة الإرهابية.
لا يحضر كل ذلك في كثير من النعوات الإلكترونية، كما تتم مهاجمة الأشخاص الذين يحاولون تقديم سردية مختلفة من باب “قدسية الموت” و”حرمة الأموات” وغير ذلك من العبارات التي لا تعني شيئاً، لأن الموت نفسه هو الثابت الوحيد الذي يصيب كل البشر من دون استثناء، إلى أن يستطيع العلماء في المستقبل إيجاد حل له كمشكلة قابلة للتجاوز. ولا يعتبر الحديث عن موقف سلبي من المشاهير لدى وفاتهم قلة احترام لهم أو شماتة بهم، بل هي مناسبة فقط لاستذكار تاريخ من المشاعر السلبية تجاه منظومة كاملة لا تعبر فقط عن فساد فني بل عن فساد سياسي واجتماعي.
فلو كان قنوع ينشط في دولة غربية ما على سبيل المثال وقدم المواقف الرجعية التي لطالما أطلقها، لتمت مقاطعته وربما واجه دعاوى قضائية بسبب تصدير خطاب الكراهية والمعلومات الكاذبة وتقديم التمييز والحض على العنف. ورغم أن هوليوود نفسها تشهد وجود تفضيل لأبناء العائلات الفنية إلا أن الحصول على أدوار وأعمال بانتظام طوال عقود لا يحصل من دون موهبة مع حضور لـ”الكاستنغ” والمعايير الفنية المختلفة، لكن في سوريا، وبقية دول المنطقة، يحدث العكس مع رعاية المنظومة السياسية لأنصاف الموهوبين في علاقة نفعية متبادلة يحصلون فيها على العمل مقابل تدوير خطاب السلطة بشكل ناعم في الشاشات ووسائل الإعلام.
وليد بركسية- المدن