التطبيع بين الرياض ودمشق… والمقابل لوقف الكبتاغون!؟
التطبيع بين الرياض ودمشق: خفض التوقّعات
بات من شبه المؤكّد أنّ لا دعوة للرئيس السوري بشار الأسد إلى حضور القمّة العربية في السعودية في 19 أيار المقبل، تفادياً للخلافات بين الدول المتحمّسة لعودة دمشق إلى الجامعة العربية، وبين أربع أو خمس دول تعترض على ذلك قبل أن ينفّذ النظام السوري ولو جزءاً من الشروط المطلوبة منه.
باستثناء الكسب المعنوي للأسد من الجلوس حول الطاولة مع سائر الملوك والرؤساء العرب في القمّة، بعدما استبعده معظمهم وقطعوا علاقاتهم معه زهاء 12 عاماً، لا يرى الرئيس السوري ضرورةً للعودة إلى الجامعة التي يعتقد أن لا تأثير لها. فهو يردّد منذ أكثر من شهرين أمام من يلتقيهم من مسؤولين عرب وروس، وفي تصريحات لوسائل الإعلام، أنّه يفضّل استعادة العلاقات الثنائية مع الدول العربية بدل مقعد بلاده في الجامعة.
الأسد سهّل على الرياض عدم دعوته للقمّة
قد يكون موقفه هذا سهّل على وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود أن يبلغه خلال زيارته في 18 نيسان بحرص الرياض على عودة العلاقات الثنائية في المرحلة الأولى، لأنّ دعوته إلى حضور القمّة العربية دونها مواقف عربية تعتبر أن لا داعي لذلك قبل أن ينفّذ على الأقلّ أحد شروط التطبيع معه، وهو اتّخاذ الإجراءات المطلوبة لوقف تهريب المخدّرات والكبتاغون إلى دول الخليج.
من المعروف أنّ دولة قطر والكويت ومصر، وحتى الأردن، عارضت كلٌّ على طريقتها عودة سوريا إلى الجامعة، داعيةً إلى التركيز على تنفيذ الأسد لبعض المطالب العربية قبلها، وذلك خلال اجتماع جدّة في 14 الجاري الذي ضمّ وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي الستّ وكلّ من العراق ومصر والأردن.
يضاف إلى هذه الدول الأربع المغرب، وحتى الحكومة اليمنيّة الشرعية، فيما تحرص السعودية، التي تستند سياستها الجديدة إلى مبدأ تصفير المشاكل، ومن ضمنها العودة عن عزل سوريا، على ألّا تشوب استضافتها للقمّة الشهر المقبل أيّ خلافات مع الدول المعترضة على دعوة الأسد قد تبدّد طموحها إلى تصدّر دور الزعامة على الصعيدين العربي والإقليمي.
ثمّة جانب آخر من الاعتراضات العربية، مع أنّه أقلّ أهميّة لأنّه شكليّ، هو موقف الجزائر التي هي رئيسة الدورة الحالية للجامعة العربية على مستوى القمّة، إذ أفادت بعض الأوساط العربية أنّه على الرغم من أنّ الجزائر من أشدّ الدول المتحمّسة لعودة سوريا إلى الجامعة ساءها أن تجري الاتّصالات في هذا الصدد من دون التشاور معها وهي لم تسلّم بعد الرئاسة للدولة المضيفة للقمّة المقبلة.
العامل الأميركيّ… والتعاطي مع “الحلّ السياسيّ”
أخذت الرياض في الاعتبار المعارضة الأميركية الشديدة للتطبيع مع الأسد. فواشنطن تمسّكت بموقفها خلال الزيارة غير المعلنة لمدير وكالة الاستخبارات المركزية ويليام بيرنز للرياض مطلع الشهر الجاري، ثمّ أثناء محادثات مسؤول الشرق الأوسط في البيت الأبيض بريت مكغورك، يرافقه المسؤول عن ملفّ أمن الطاقة آموس هوكستين، مع الوزير بن فرحان، بعد اتصال جيك سوليفان مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض بوليّ العهد الأمير محمد بن سلمان، التي أعقبتها زيارة عضو مجلس الشيوخ الأميركي السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام ولقاؤه بن سلمان.
على الرغم من الخلافات التي شابت علاقة الرياض بواشنطن في الأشهر الأخيرة، تحرص الأولى على إبقاء هذه العلاقة تحت سقف التعاون الاستراتيجي، وتتوخّى التوازن في سلوكها بعد انفتاحها على الصين واحتفاظها بعلاقة وثيقة مع روسيا، فالعامل الأميركي شديد التأثير على الانفتاح العربي، ولا سيما الخليجي، على الأسد، لارتباطه بالعقوبات التي تفرضها واشنطن على التعامل مع النظام السوري وتضع قيوداً على دعمه ماليّاً.
نصّ بيان جدّة الصادر عن الاجتماع الخليجي العربي على ضرورة الحلّ السياسي في سوريا، وعلى “أهميّة أن يكون هناك دور قيادي عربي في الجهود الرامية إلى إنهاء الأزمة، ووضع الآليّات اللازمة لهذا الدور”، لكنّ المعطيات القليلة التي تسرّبت عن لقاء الوزير بن فرحان مع الأسد أشارت إلى أنّ البحث في عودة سوريا إلى الجامعة انتهى إلى اعتماد مبدأ الـ”خطوة خطوة”، ولذلك انحصر التعاون الثنائي في مرحلة أولى بإجراءات النظام لوقف تهريب الكبتاغون، وفي المقابل تقدّم السعودية مساعدات إنسانية للنازحين والمهجّرين بسبب الحرب وزلزال 6 شباط. ومن أسباب ذلك أنّ تجاوز المساعدات للجانب الإنساني إلى إعادة الإعمار في مناطق سيطرة النظام يخضع لعقوبات قانون “قيصر” الأميركي، وللعقوبات الأوروبية المفروضة على دمشق. كلّ هذه المعطيات تخفّض من الطموحات في شأن استعادة العلاقات الثنائية بين البلدين التي ستقتصر في مرحلة أولى على استعادة العلاقات الدبلوماسية وتبادل الخدمات القنصلية.
من جهته، عبّر التعامل الإعلامي السوري الرسمي مع التطوّرات عن اختلاف التوقّعات بين الرياض ودمشق من الزيارة. فالإعلام السوري تجاهل ما بثّته وكالة الأنباء السعودية (واس) من أنّ البحث تناول “الخطوات اللازمة لتحقيق تسوية سياسية شاملة للأزمة السورية تنهي كلّ تداعياتها، وتحقّق المصالحة الوطنية”، مشدّداً على أنّ “الزيارة هي نتيجة انتصار سوريا على الإرهاب الدولي”. وهذا يدلّ على أنّ النظام السوري في مزاج الانتصار على المعارضة، ويتعاطى مع الانفتاح تجاهه على أساس أنّ الدول العربية التي موّلت في مراحل معيّنة معارضيه هي التي تعود عن الخطأ من خلال إعادة العلاقات معه، ولا ينوي ولوج الحلّ السياسي وفق مندرجات القرار الدولي 2254 على الرغم من أنّ ذلك يسبّب انزعاجاً حتى لحليفته روسيا التي تلحّ على تنفيذه.
المقابل لوقف الكبتاغون
أمّا في ما يخصّ مسألة الكبتاغون فتعتبر دمشق ضمناً أنّ تشجيعها تصنيع الكبتاغون على أراضيها وغضّ نظر السلطة فيها عن انتشاره وعن تهريبه عبر الحدود، هما نتيجة الحصار المالي الذي ضربته الدول الخليجية على النظام الذي احتاج إلى واردات مالية من أجل التعويض عن العلاقات الاقتصادية الخارجية وخسائر الحرب في ظلّ الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعانيها سوريا وشحّ المساعدات، بل ثمّة من ينسب إلى الجانب السوري قوله ذلك بصراحة للجانب السعودي الذي تعهّد بالتكفّل بالمقابل المالي للتخلّي عن تجارة الكبتاغون. وفي معلومات بعض المصادر العربية في هذا الشأن أنّ أزمة الكبتاغون في طريقها إلى الحلّ، بينما يتحدّث بعض المطّلعين على موقف النظام السوري عن مبالغ مالية تناهز خمسة مليارات دولار أميركي يطالب بها في مقابل وقف تجارة وتهريب الكبتاغون. لكنّ تمرير هذا التعويض يتطلّب آليّة تتجنّب العقوبات الغربية.
تشير مصادر في دمشق إلى أنّ سوريا أبلغت بن فرحان بالتدابير التي بدأت تتّخذها للحدّ من تهريب الكبتاغون إلى دول الخليج، وأنّ الأسد عرض مع بن فرحان لأمثلة على ذلك، معترفاً بالفلتان الذي سبّبته الحرب، وبضعف أجهزة الدولة في بعض المناطق. وسبق الزيارة، في الأسابيع الماضية، إبلاغ الأجهزة الأمنيّة السورية أجهزة أمنيّة خليجية وعربية عن شحنات مخدّرات تُهرَّب إلى دولها، وجرى كشفها عند وصولها إليها أو قبل انطلاقها من مصادر تهريبها، في إطار إبداء حسن النيّة وتبادل الخدمات الأمنيّة. وتبلّغ الجانب السعودي بأنّ الأجهزة الأمنيّة السورية أوقفت مجموعة من تجار الكبتاغون، وأنّها تشنّ حملة تطهير وتوقيفات في جهاز “الأمانة الجمركية” بحجّة اكتشاف فاسدين فيه يسهّلون أعمال المهرّبين.
السعي لتخفيف إجراءات عقوبة الكبتاغون؟
لطالما تصرّف النظام السوري حيال مسألة الكبتاغون على قاعدة أنّ هناك ثمناً ماليّاً وآخر سياسياً مقابل مكافحة التهريب. وإذا كان الانفتاح على النظام جزءاً من الثمن السياسي، فإنّ العوامل المتداخلة بين المساعدات المالية والعقوبات الغربية على دمشق وبين التقديمات الإنسانية، قد تدفع دول الخليج إلى إغراء النظام بالسعي لدى الولايات المتحدة من أجل خفض إجراءات تنفيذ العقوبات، ولا سيما أنّ القوانين التنفيذية لِما يعرف بـ”قانون الكبتاغون” الذي أصدره الكونغرس الأميركي في 22 كانون الأول 2022 الماضي، ستصدر في استراتيجية تنفيذية مشتركة بين الوكالات الأميركية المعنيّة في حزيران المقبل. وخطورة هذا القانون أنّه يربط اسم الرئيس السوري والحكومة السورية بهذه التجارة، فقرار إدراج اثنين من أبناء عمّ الأسد، إضافة إلى سوريين ولبنانيين، على لائحة العقوبات الصادرة عن وزارة الخزانة الأميركية في 28 آذار الماضي بتهمة تهريب الكبتاغون والتعاون مع “حزب الله” في هذا المجال، يَسِم العائلة الحاكمة بهذه العملية وينذر بتحويل سوريا إلى دولة مخدّرات والأسد إلى “نورييغا سوريا” (رئيس نيكاراغوا الأسبق الذي اعتقلته الأجهزة الأميركية).
المساعدات “الإنسانيّة” المصادَرة
أبقى اجتماع وزير الخارجية السعودي مع الأسد مسألة المساعدات المالية الإنسانية غامضة. فما أعلنه الجانب السعودي هو أنّ البحث تناول “أهمية توفير البيئة المناسبة لوصول المساعدات إلى جميع المناطق في سوريا، وتهيئة الظروف اللازمة لعودة اللاجئين والنازحين السوريين إلى مناطقهم، وإنهاء معاناتهم، وتمكينهم من العودة بأمان إلى وطنهم”. تعود خلفيّة هذا النصّ ببساطة إلى أنّ جزءاً لا بأس به من المساعدات، التي وصلت إلى مناطق سيطرة النظام (مطارَي دمشق وحلب) بعد الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا، قد نُهبت من قبل التشكيلات العسكرية التابعة للنظام، فضلاً عن منع عبورها إلى المناطق التي لا سيطرة للسلطات السورية عليها في الشمال الغربي. وتتندّر بعض الأوساط في هذا المجال على ما حدث لمساعدات أرسلتها الجزائر (كانت من أولى الدول التي أرسلت طائرات) بعد يومين على الزلزال إلى مطار حلب، حيث أنزلت أجهزة السلطة السورية هذه المساعدات من الطائرة فور نقل الدبلوماسيين الذين رافقوها إلى صالون المطار، وحين طلبوا الإشراف على تفريغ المساعدات قيل لهم إنّ الأمر قد تمّ وإنّ الأجهزة الرسمية ستشرف على توزيعها، فثار غضب الجانب الجزائري وكاد الأمر يتسبّب بأزمة دبلوماسية دفعت بالأسد إلى زيارة حلب لشكر الجزائر على بادرتها. والأمر عينه حصل مع مساعدات أرسلتها دول عربية أخرى، ومنها دولة الإمارات.
أمّا “عودة المهجّرين والنازحين السوريين إلى مناطقهم”، التي أفادت المعلومات أنّ الأسد وافق بن فرحان عليها، فتحتاج إلى تدابير فائقة التعقيد سياسياً وأمنياً وقانونيا، فضلاً عن احتساب الكلفة المالية واللوجستية ودرس الخطوات السياسية التي يجب أن تسبقها وكيفية تخطّي العقبة الإيرانية في شأنها. وممّا قيل في هذا المجال أنّ الجانب السعودي يعطي الأولوية لبند “المساعدات الإنسانية” في مرحلة أولى نظراً إلى أنّها تتفادى عقوبات “قيصر” التي تشمل إعادة الإعمار.
وليد شقير- اساس