لبنان في مهب التبعيّة والعجز: لماذا يقبع “خارج التاريخ”؟

إذا ما جرت مقارنة المشهد اللبناني، في ضوء المشاهد الإقليميّة، يظهر أنّ لبنان يقبع “خارج التاريخ”!

في المشاهد الإقليميّة تطوّرات كبيرة: وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، في جدة، في إطار زيارة رسمية، تهدف الى الاتفاق على تطبيع العلاقات بين المملكة العربيّة السعودية وسوريا-الأسد. السفارة الإيرانية في الرياض تعيد فتح أبوابها لتكون جاهزة لموسم الحج، في وقت تستكمل وزارة الخارجية السعوديّة إجرءات فتح السفارة السعودية في طهران. محادثات سلام يمنيّة-يمنيّة ويمنيّة-سعوديّة. محادثات إيرانية-بحرينيّة لإصلاح الحال.

أمّا في المشهد اللبناني، ففي وقت كان فيه “حزب الله” ينظم، أمس في الضاحية الجنوبيّة لبيروت مؤتمرًا في خدمة “إلتحام الساحات” في مواجهة إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية، تزخيمًا لرسائل “الصواريخ اللقيطة”، كانت القوى الممسكة بمجلس النوّاب بالتواطؤ مع حكومة تصريف الأعمال، تعلن عجزها عن تنظيم الانتخابات البلدية والإختياريّة بالتزامن مع استمرار منع انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة، وتعطيل كل الخطط التي يمكن أن تشكّل حبل تسلّق من الجحيم المالي والاقتصادي والاجتماعي.

لبنان في مهب التبعيّة والعجز

أمام هذه المفارقة السوداء، ثمّة سؤال لا بد من توفير إجابة دقيقة عنه: لماذا لا يلحق لبنان بركب الانفراج في المنطقة؟

قد تتعدّد الأسباب، لكنّ ما تجمع عليه النقاشات الداخلية والخارجية، أنّ لبنان يفتقد إلى مرجعيّة يمكن التوافق معها، ف”حزب الله” الذي يبدو الأقدر على الإيفاء بما يلتزم به، ليس لبنانيًّا، بالمعطى النهائي، إذ إنّه إيراني النسب والعقيدة والعدّة والخطط والهدف، وبالتالي، فإنّ من يريد الحصول منه على مكسب إقليمي حقيقي، عليه أن يمر بالباب الإيراني، وهذا حصل، إذ إنّه منذ بدأ التقارب الإيراني- السعودي، تراجع “حزب الله” عن القيام بكل ما كان يزعج السعودية، فصمت إعلاميًّا، وسمح للجيش اللبناني وسائر المؤسسات العسكرية والأمنية باستهداف “بنك أهداف” متفق عليه، في موضوع صناعة المخدرات وتهريبها.

في المقابل، ووفق ما تتقاطع عليه النقاشات الداخليّة والخارجية، فإنّ القوى الماهضة ل”حزب الله” في لبنان تبدو عاجزة على كل المستويات، فهي بالمعطى الإقليمي لا يمكنها أن تقدّم لا حلالًا أو حرامًا، ولا عسلًا أو لسعًا، وهي بالمعطى المحلّي، لا تستطيع أن تتوحّد حول تصوّر إيجابي من شأنه أن يخلق توازنًا مع التصوّر الذي يطرحه “حزب الله” ويصرّ عليه، كما هي الحال في ملف الانتخابات الرئاسيّة.

وهذا يعني أنّ المرجعية التي حوّلت لبنان الى ” عمق استراتيجي لها”، أي إيران، ليست على عجلة من أمرها لتتنازل عن كامل مصالحها في لبنان، في وقت تبدو فيه المرجعيّة الثانية، أي المملكة العربيّة السعوديّة، أكثر قدرة من ذي قبل، بعدما حصدت من إيران ما تبتغيه لبنانيًّا، على التعامل البارد جدًّا مع الملف الداخلي وتركه لتنافس خفي بين فرنسا والولايات المتحدة الأميركية، وكذلك الحال مع الملف الإقليمي وتركه لنتائج المواجهة المفتوحة بين إسرائيل وإيران!

ومن شأن هذه القراءة للواقع اللبناني أن تُخرجه من دائرة المستفيدين من “اتفاق بكين”، لأنّ لبنان لم يعد ذا صلة، فاليمن مصلحة استراتيجية للمملكة العربية السعودية، والنظام السوري أمسك بملف تهريب المخدرات الذي تخشى القيادة السعوديّة من تداعياته الاجتماعية، في حين أنّ مرجعيّة لبنان، بالجزء الذي كان يزعج السعودية، موجودة في إيران!

من هنا، لا بدّ من أن يعيد اللبنانيّون ترتيب أولوياتهم، مستفيدين من “الهدنة” السعوديّة-الإيرانيّة، لأنّ الخارج لا يقيم وزنًا لا للمستتبعين ولا للعاجزين، وهذا ما يفهمه أكثر من غيره الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي لم يدخل ملفًا دوليًّا خلافيًّا إلّا وأثار عاصفة من الاهتمام، سلبًا أو أيجابًا، كما فعل، عند انتهاء زيارته الرسمية للصين، حيث أعلن أنّ أوروبا لا يجب أن تكون لا في مهب التصعيد الصيني في تايوان ولا ملحقة بالإيقاع الأميركي، في محاولة منه لاستعادة “الموقع الثالث” في العالم الذي كان قد عمل عليه بلا هوادة الرئيس الفرنسي الراحل شارل ديغول!

“حزب الله” لا يمكنه أن يخلق “المعادلة الماكرونيّة” في تعاطيه مع إيران، لأنّه ليس حليفًا لها بل هو تابع، بكل ما لهذه الكلمة من معنى وأبعاد، فيما القوى المناوئة له لا تستطيع أن تستثمر في استقلاليّتها عن “حليفتها” السعوديّة، لأنّها مصابة بعجز تعجز عن معالجته كل الأدوية المتوافرة، حتى تاريخه!

فارس خشان- النهار العربي

مقالات ذات صلة