الثنائيات الفنية تختلف بين هوليوود و”عرب وود”: شراكات فنية تتحول إلى علاقات عاطفية!

لماذا لا نعترف بأن الثنائيات الفنية التي عادت بقوة في دراما هذا العام، شكل من أشكال الشللية التي يتذمر منها بعض الفنانين، ويعتبرونها إقصاء لهم واستهدافا لمواهبهم.

قد يكون الفارق بين الشللية والثنائية في العمل الفني هو أن الأولى تأخذ معنى التحصن ضمن مجموعة واحدة تصل إلى حد التعصب، وغلق طرق العمل وفرص النجاح على من هم خارج الدائرة، أما الثانية فحالة من الارتياح والتناغم بين فنانين اثنين يمثلان نوعا من الانسجام والتكامل الفني والعاطفي.

بما أن الفن حقل إبداعي يُبنى على الأمزجة والتلاقي الذوقي والانتماء الجمالي، فإن الثنائيات الفنية وجدت بوجود الفنون الجماعية على وجه الخصوص، وعرفت في معظمها نجاحات متميزة، فيما توقف بعضها بسبب إخفاقات زوجية على وجه الخصوص، ذلك أن قسما لا بأس به من تلك الثنائيات الفنية قد جمعته ارتباطات زوجية في العالم العربي.

القائمة طويلة وتمتد على امتداد تاريخ الفنون الدرامية والموسيقية في كل من هوليوود وبوليوود، وكذلك العالم العربي، وعاصمته القاهرة في عصرها الذهبي، وحتى الحالي لأن الانجذاب والتعاون الفني لا يرتبطان بمكان أو زمان معينين. غالبية الثنائيات الفنية كانت ناجحة حتى تلك التي كانت تبدو عادية، ولم يقدر الجمهور العريض أهميتها إلا بعد الانفصال.

ثنائية الأزواج

تناغم متميز بين التمثيل والرقص والغناء

نذكر من بين تلك الثنائيات التي اشتهرت بها السينما المصرية منذ بدايتها: فريد الأطرش وسامية جمال، وذلك في تنوع وتناغم متميز بين التمثيل والرقص والغناء، شادية وصلاح ذو الفقار، لما امتازت به من رومانسية وخفة ظل، عماد حمدي وفاتن حمامة في ما يقارب 18 فيلما، حسن يوسف وسعاد حسني، في مرحلة الستينات، حسين فهمي وميرفت أمين، الثنائي الرومانسي الأشهر في تاريخ السينما المصرية خلال فترة السبعينات، وقد تزوجا في منتصف هذه الحقبة بعد انفصال ميرفت عن زوجها الثاني عازف الجيتار عمر خورشيد، وانفصال حسين عن زوجته.

ومن الثنائيات الجميلة التي عرفها الوسط الفني أيضا بوسي ونور الشريف، وكان يضرب بهما المثل في الحب والتفاهم، ولكن هذا الزواج انتهى بعد 30 عاما بالطلاق. أما الأشهر في الثنائيات الفنية فكانت قصة فاتن حمامة وعمر الشريف، والتي أطلق عليها “الحبّ من أوّل قبلة”، مما يذكر بهما اليوم، نجما بوليوود، ملكة جمال العالم السابقة أيشواريا راي، التي تزوجت من النجم أبهيشيك باتشان بعد قصة حب رائعة.

وتستمر اليوم هذه الثنائيات الفنية من الأزواج لتبرز في مسلسلات رمضان هذا العام، كدينا الشربيني وشريف سلامة، في مسلسل “كامل العدد”، محمود شاهين وأمينة خليل، في مسلسل “الهرشة السابعة”، وكذلك ياسمين عبدالعزيز وأحمد العوضي في مسلسل “لآخر نفس”.. وغير هؤلاء في بلدان عربية أخرى كسوريا ولبنان وتونس، مما يقيم الدليل على أن الزواج الفني قد يكتمل ويتوج بالزواج الحقيقي دون معوقات أو عثرات.

كان ما تقدم عرضا مقتضبا لثنائيات فنية وعاطفية يكون فيها الطرفان امرأة ورجلا، غالبا ما يؤدي بهما التعاون والانجذاب الفني إلى الارتباط الأسري، وهو أمر شبه طبيعي وكثير الحصول في العالم العربي، لعدة أسباب موضوعية ومتوقعة اجتماعيا، كما أنه يحيلنا إلى ظاهرة الدويتو الفني في الدراما التركية المدبلجة، وكثرة زواج الممثلين والممثلات من بعضهم بعضا.

أما الثنائيات الفنية الخالصة، والتي تفرز إنتاجا ذا قيمة أعلى وأكثر استمرارا وتأثيرا وحفرا في الذاكرة والذائقة العامة، فلا تُعنى في غالبيتها الساحقة بقصة حب محورها العلاقة بين الرجل الفنان والمرأة الفنانة بقدر ما هي بين مبدع ومبدع، وبصرف النظر عن التذكير والتأنيث.

وغالبا ما تكون هذه الثنائيات بين أبناء الجنس الواحد على سبيل التكامل الفني البحت كتلك التي قامت بين بيرم التونسي الشاعر مع زكريا أحمد الملحن أو الشيخ إمام عيسى المغني بأحمد فؤاد نجم الشاعر أو غناء مارسيل خليفة لشعر محمود درويش أو حتى بين صوت أم كلثوم وشعر أحمد رامي وكذلك فيما بعد بين وردة وبليغ، وبصرف النظر عما يقال عن قصص ـ أو شبه قصص حب ـ المهم أن الدافع هنا عبارة عن اختيار فني أولا وقبل كل شيء.

الفن مبني على مصطلح سحري اسمه “التناغم” أي أن يجتمع كل شيء مع بعضه البعض وأن يصل إلى درجة من الاتفاق والتفاهم والتناسق بين جميع عناصر العمل الفني كما يؤكد العارفون.

◙ شراكة حقيقية مبنية على التلاقي عبر التفاعل والانسجام

الشراكة الفنية
للثنائيات الفنية في العالم الغربي طعم آخر ينطلق من سحر فني خالص، ويصب فيه وإليه.. ومن ثم تأتي المشاعر الإنسانية. لنتذكر كم من أفلام فقدت أهميتها بسبب عدم تناغم عناصرها، أو عدم التفاهم بين مخرج العمل والممثلين، لذلك يؤكد النقاد والمتخصصون أن المخرجين والممثلين في هوليوود أصبحوا يبحثون عن رفقاء ثابتين يشاركونهم أغلب أعمالهم، فكلما اتفق الشركاء زاد التناغم، وبالتالي زادت القيمة الفنية لأعمالهم.

الثنائية المتمثلة في الشراكة في مارتن سكورسيزي – روبرت دينيرو، مثلا، بدأت في السبعينات وشهدت بداية العصر الذهبي للسينما الأميركية، وربما تعد هذه الثنائية هي الأشهر في تاريخ هوليوود، إذ لما أراد مارتن سكورسيزي، المخرج الشاب، تقديم سينما جديدة مختلفة عن أفلام هوليوود المعتادة، وتقديم الجانب السلبي العنيف للمجتمع الأميركي الذي تحاول هوليوود إخفاءه بأفلام الحلم الأميركي، شاركه في هذه الرحلة جاره وصديقه الشاب الموهوب روبرت دينيرو، الذي يريد تقديم موهبته في أدوار مختلفة.

أما عن المخرج السويدي المتميز إنغمار بيرجمان، فبعد مسيرة دامت لأكثر من عقد برز فيها كأحد أهم مخرجي أوروبا، وجد رفيقته الدائمة الممثلة ليف أولمان، التي بدأت مسيرتها واستمرت شراكتهما لتصبح ليف إحدى العلامات المميزة لسينما بيرجمان. هذه هي الشراكة الفنية الحقيقية المبنية على التلاقي عبر التفاعل والانسجام، وليس على التقارب العاطفي وحده، والذي سرعان ما تخمد جذوته فيتحول إلى سباب وخصومات كما يحصل غالبا في الوسط الفني العربي للأسف الشديد.

حكيم مرزوقي- العرب

مقالات ذات صلة