ضربة “تحت الحزام” لفرنجيّة بالتوقيت “القاتل”: كيف ستتصرّف فرنسا؟
واشنطن تُحبط مساعي باريس الرئاسيّة بضربة “تحت الحزام” لفرنجيّة!
في التاسع من أيلول (سبتمبر) 2020، وفيما كان لبنان مأخوذًا بـ”المبادرة الإنقاذيّة” التي أطلقها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أطلّت وزارة الخزانة الأميركية وأنزلت عقوبات بحق كلّ من الوزيرين السابقين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس، وهما، وفق التوصيف السياسي، رجلا “حزب الله” في “حركة أمل” و”تيّار المردة”، بتهمة ضلوعهما في الفساد.
حاول كثيرون أن يفصلوا بين هذه العقوبات الأميركية واستياء واشنطن من إشراك فرنسا لـ”حزب الله”، بطريقة رسميّة، في “العمليّة الإنقاذيّة”، ولكن، مع مرور الوقت، أقرّ الجميع بأنّ الخطوة الأميركيّة كانت تستهدف “النهج الفرنسي” هذا.
حاليًا، كأنّ التاريخ يعيد نفسه، فما إن دخلت فرنسا، بقوة، على خط تبنّي ترشيح رئيس “تيّار المردة” سليمان فرنجيّة بعد حصولها منه على ما وصفته بـ”الضمانات الممكنة”، وفي وقت كان الرئيس ماكرون يستقل طائرته إلى الصين حيث سيضع فريقه ملف لبنان عمومًا وفرنجيّة خصوصًا بعهدة بكين ليكون على طاولة وزيري خارجية السعودية وإيران اللذين يلتقيان فيها اليوم، حتى أدرجت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات بحق ريمون وتيدي رحمة اللذين تربطهما علاقات وثيقة بـ”مرشح الثنائي الشيعي” المعروف وقوفه إلى جانبهما في ملف مناقصة الفيول المغشوش وحمايته لمن اعتبره القضاء اللبناني مسهّل الصفقة، أي المدير العام للمنشآت النفطية سركيس حليس.
بطبيعة الحال، يحاول البعض التخفيف من الأبعاد السياسيّة لهذه الخطوة الأميركيّة، من خلال الإشارة إلى علاقات الأخوين رحمة بأكثرية القوى السياسيّة في لبنان، بما فيها تلك التي تقف في وجه وصول فرنجيّة إلى القصر الجمهوري، ولكنّ هؤلاء يتجاهلون أنّ زعيم “تيّار المردة” وقف دون غيره في وجه الملاحقات القضائية في ملف الفيول المغشوش الذي تسبّب بكارثة لمحركات توليد الكهرباء، وأنّ مجرد شبهة الربط بين العقوبات على الأخوين رحمة وفرنجيّة، من شأنها أن تُرعب رجال الأعمال الذين يموّلون حملته، خوفًا من أن يلاقوا المصير نفسه، وهم الأدرى بانعكاسات ذلك على أعمالهم وعلى عائلاتهم وعلى علاقاتهم.
المسؤولون الأميركيون لم يغوصوا، كعادتهم، في شرح أبعاد خطوتهم، وهم في هذه المسائل يتوسّلون “اللغة الخشبيّة”، لكن من يملكون الخبرة في فك “الشيفرة” الأميركية يدعون إلى فهم قرار وزارة الخارجية الأميركية من خلال تكامل أربعة عوامل:
أوّلًا، المتورطون سياسيًّا في الملف الذي جرّ العقوبات، أي صفقة الفيول المغشوش الناجمة عن “مناقصة فاسدة”، وهنا يلمع اسم فرنجيّة.
ثانيًا، التوقيت وما يحيط به من معطيات، إذ يأتي القرار الأميركي، مع انتهاء زيارة فرنجية لباريس حيث قدّم الضمانات المطلوبة التي على أساسها ستتحدث باريس مع الرياض، مباشرة وعبر بكين، وفي ظل حملة دعائية يقوم بها رئيس مجلس النواب نبيه بري، ليوحي بأنّه حصل من واشنطن، عبر السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا، على ضمانة بقبول فرنجيّة.
ثالثًا، الأسباب الموجبة للقرار، حيث يظهر، من الأسطر الأولى، ربط الصفقة، موضوع العقوبات، بالطبقة السياسيّة اللبنانيّة، حيث ورد الآتي: “لقد استخدم الأخوان رحمة إمبراطوريتهما التجارية وعلاقاتهما السياسية لإثراء نفسيهما على حساب مواطنيهم اللبنانيين”.
رابعًا، الصلة بين طبيعة القرار الأميركي، حيث يبرز “الفساد السياسي”، وأدبيات “عرّاب” المعركة الرئاسيّة اللبنانيّة، حيث التشديد على الإصلاح. وبما أنّ فرنجيّة هو أحد أبرز المرتبطين بالأخوين رحمة، فهذا يفيد أنّ مواصفات قيادة الإصلاح في لبنان لا تنطبق عليه.
وعليه، هل هذا “فيتو” أميركي، سقط على مرشّح “محور الممانعة”، بالتوقيت “القاتل”، ويمكن اعتباره “رد رجل” للفيتو المبكر الذي وضعه هذا المحور على قائد الجيش العماد جوزف عون، بناءً على طلب روسيا التي لا تأخذ عليه سوى علاقته مع الولايات المتحدة الأميركية؟
الأكيد، ومن دون حاجة إلى أجوبة رسميّة، فإنّ قرار العقوبات الذي استهدف الأخوين رحمة، يريد النيل من حظوظ فرنجيّة، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه يتمحور حول ردّة فعل “الثنائي الشيعي”، فهل يرفع مستوى التحدّي؟ هل يتراجع فيقبل بمرشح وسطي، وفق ما تطالب به غالبيّة اللبنانيّين؟ والأهم، كيف ستتصرّف فرنسا؟
فارس خشان- النهار العربي