ابتسم أيها الجنرال: لا يعطي النقد نفسه الحق في إقصاء عمل فني!

أن يكوّن المرء رأياً عاماً عن مسلسل تلفزيوني بعد الحلقة العاشرة، أمر يقبل النقاش، لأنه يكون قد فهم الاتجاهات العامة لسيناريو العمل، وراقب أداء الممثلين، وتابع العمليتين الاخراجية والإنتاجية، لكن أن يُصدر تقييماً نهائياً وحكماً قاطعاً على نجاح أو فشل العمل من الحلقة الأولى، فهذه مسألة تحتاج إلى قدر كبير من الشجاعة الأخلاقية.

وفي كافة الأحوال على صاحب هذا الموقف، أن يدرك أنّه لا يعبّر عن مجرّد رأي، أو يحاول تحقيق سبق على غيره من المشاهدين، بل هو يضع نفسه في مكان صعب، غير لائق، وعليه أن يتقبّل الكثير من ردود الفعل القاسية، التي ستصل إلى حد الاستهزاء به، والسخرية من الحكم الذي أطلقه، لأنه، على الأقل، غير منطقي ويخلو من الموضوعية، ولم يحترم أبسط القواعد في النظر إلى جهد الآخرين، الذين عملوا شهوراً، وربما أعواماً، وصرفوا موازنات مالية كبيرة كي يقدّموا عملاً درامياً، ليس فوق النقد، بل ينتظر أن يتم التعاطي معه بإنصاف، ومن دون مواقف مسبقة.

هذه المقدمة في سبيل الحديث عما يتعرّض له من هجوم، على وسائل التواصل، مسلسل “ابتسم أيها الجنرال” الذي انتجته شركة “ميتافورا”، التابعة لمؤسسة “فضاءات ميديا” الإعلامية، قبل حتى أن يبدأ عرض الحلقة الأولى منه في الأول من شهر رمضان الحالي على شاشتي التلفزيون “العربي2″، و”تلفزيون سوريا”. ومن دون مبالغة هناك من أصدر حكماً بفشل المسلسل بمجرد انتهاء عرض الحلقة الأولى، وذهب بعض أصحاب هذا الحكم أكثر، نحو تقييم السيناريو والتمثيل والإخراج والإنتاج، ومن ثم توالت الأحكام لتعطي للممثلين علامات من بعد كل حلقة. وتسجّل ملاحظات على أسلوب المخرج وأداء الممثلين. الغريب أنّ هناك من يبيح لنفسه أن يحاكم مسلسلاً انطلاقاً من حلقة واحدة، ويشكّل منها أرضية لتقييم عمل يتكون من ثلاثين حلقة، ويصدر حكماً على أداء ممثل من خلال ظهوره في مشهد واحد، ويصنّف الخط العام للسيناريو بقطع لقطة واحدة عن سياقها العام. ويتجاهل أنّ هناك مقدمات ونتائج في كل عمل، وما بينهما يتشكل نسيج متشابك ومعقد في ثلاثين حلقة.

هذا الأسلوب في محاكمة أي عمل فنّي يستهين، على نحو صريح، بجهود الآخرين ويفتري على المشاهدين. وفي حالة “ابتسم أيها الجنرال” تكشف لغة الهجوم أنها غير عفوية، أو أنها تصدر عن أشخاص حريصين على الفن، وبعيداً من نظرية المؤامرة، يظهر أن هناك جهات تقف وراءها، يبدو أنها كانت جاهزة لهذه المهمّة قبل عرض المسلسل، وتنتظر أول حلقة حتى تبدأ إطلاق النار. حتى الآن يصدر الهجوم المسبق على المسلسل عن أقلية، والهدف منه هو خلق نوع من التشويش على مشاهدي العمل، وفي هذه الحالة لا فائدة من النقاش مع هؤلاء، لأن هدفهم لا صلة له بالفنّ ورسالته، وإنما تحين الفرصة للهجوم على الجهة المنتجة والشاشتين اللتان تعرضان العمل، وهناك حوادث مشابهة ومناسبات سابقة لا أهمية من استعادتها لأنها ذهبت مع الريح. وهنا لا يمكن اغفال الدور الذي تلعبه من وراء الكواليس جهات سياسية يمسّها المسلسل من بعيد أو قريب، ولذلك لا تريد له أن يلقى استقبالا جيداً عند الفئة العريضة من المشاهدين، التي تجد فيه اسقاطات سياسية على هذا الوضع السياسي العربي أو ذاك.

لا يوجد عمل فنّي فوق النقد، بل ليس هناك فن من دون نقد يواكبه، ويراه بعين مفتوحة على اتساعها لينبه إلى السلبيات والإيجابيات. ومن البديهي أن النجاح نسبي، وقد لا يحالف الحظ بعض الأعمال أحياناً، حتى لو أنتجتها جهات مشهود لها بالمهنية العالية، والأمثلة كثيرة على ذلك في عوالم الإنتاج التلفزيوني والسينمائي والمسرحي. وهناك مئات المسلسلات والأفلام التي تنتجها شركات صناعة الترفيه في العالم، وقلة منها تتصدر المشهد، وهذا لا يعني رمي البقية في سلة المهملات. قد تكون هناك عيوب في الإخراج، أو تفاوت في التمثيل، أو ضعف في بعض مناطق السيناريو، أو سوء تخطيط في الإنتاج. كل هذا وارد وأسبابه معروفة ويتم تفهمها من قبل الجهات التي تنتج، وهذا بعيد عن إصدار إحكام مطلقة على العمل ككل. وحيال كل هذا لا يعطي النقد نفسه الحق في إقصاء عمل فني. وهناك مسألة مهمة تلعب دوراً أساسياً في الترويج لكل عمل فنّي، وهي تتعلق بالتنافس بين أصحاب الصنعة الواحدة، وهذا مشروع، بل هو ضروري، لأنه يساعد على تكوين رقابة إنتاج على العمل الفنّي من داخله، إلا أنه حين يخرج عن القواعد المعروفة يحكم على نفسه بعدم النزاهة.

يسجل لشركة “ميتافورا” أنها انتجت مسلسلات عديدة منذ تأسيسها، سارت على خط مختلف عن الدارج في غالبية الأعمال الدرامية العربية، التي غرقت في التاريخين العثماني والفرنسي، ولم تخرج إلى كسر “التابوهات” من حول أوضاع ما بعد الاستقلال، التي تشكّل مادة درامية غنية، وهذا ما حاول مسلسل “ابتسم أيها الجنرال”، أن يقوله من خلال فريق على درجة كبيرة من الحرفية من كاتب السيناريو سامر رضوان، إلى المخرج عروة محمد، حتى الشريحة الأولى من الممثلين، مكسيم خليل، عبد الحكيم قطيفان، ريم علي، سوسن ارشيد، وكل هؤلاء من السوريين الذي أيدوا الثورة على النظام، وغادروا سوريا احتجاجاً على بطش النظام، وهذا في حد ذاته إحدى الرسائل التي يمكن التقاطها من المسلسل، وربما التي أراد إيصالها، وأحد أسباب الهجوم الذي تعرض له.

المدن

مقالات ذات صلة