هل “تضمن” الصين رئاسة فرنجية؟
سارع بعض السياسيين اللبنانيين، وبعض الدبلوماسيين العاملين على خط استعجال إنهاء الفراغ الرئاسي، إلى لقاء رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية قبل تلبيته دعوة باريس في 31 آذار للقاء الفريق الرئاسي الفرنسي. زيارة هدفها التباحث معه في الضمانات التي تقترح خليّة الأزمة في الإليزيه أن يقدّمها وفق المعادلة التي رسمتها وقضت بأن يُنتخب رئيساً مقابل الاتفاق على رئيس للحكومة ترضى عنه المملكة العربية السعودية والفريق السيادي.
التقى بعض هؤلاء فرنجية خلال الأيام الماضية، وسألوه عن استعداداته لتقديم تلك الضمانات، واستكشفوا معه ما يمكن أن يقدّمه على خلفية اتصالات أجروها مع باريس ومع دول أخرى مهتمّة بالاستحقاق الرئاسي اللبناني، ومنها موسكو وبعض العواصم العربية.
إلا أنّ خصومه يردّدون في الوقت نفسه أنّ بعض ما يقوله سبق أن سمعه بعض الفرقاء والدول من حليفه الحزب ومن الرئيس السابق العماد ميشال عون. لكنّ التجربة أثبتت عقم المعادلة التي يسعى إليها الفرنسيون، والقائمة على: “أنت تأتي بزلمك وأنا آتي بزلمتي”. فهذه صيغة تبيّن أنّها لا تنجح.
أنا ضدّ الثلث المعطِّل.. لكن كيف أضمنه؟
هنا بعض أجواء الأجوبة التي تلقّاها بعض من استفسروا من فرنجية، في شأن الضمانات. في ظلّ انطباع خرجوا به بأنّ رئيس “المردة” مرتاح إلى وضعه وإلى أنّ ترشيحه يتقدّم. وهذا ما قاله هؤلاء لـ”أساس”:
– أنا ضدّ أن يحصل أيّ طرف، وحدَه، على الثلث المعطّل، سواء من الجهة الشيعية (الثنائي الشيعي) أو من الجهة المسيحية. لكن لا يمكنني أن أضمن أن لا يؤدّي تحالف فريقين إلى حصول هذا التحالف على الثلث المعطّل.
– يطالبونني أن أضمن ألّا يحصل فريق في الحكومة أو الحزب على الثلث المعطّل، في حين أنّ الأمر ليس في يدي. فإذا انتُخبت وقرّر حزب “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر” و”الكتائب” أن يكونوا في صفّ المعارضة ولا يشاركوا في الحكومة، فسيؤدّي هذا إلى حصر التمثيل بأقليّة مسيحية، وعندها كيف يمكنني أن أضمن ألّا يحصل المسيحيون الذين سيتمثّلون في الحكومة على هذا الثلث، بينما مشاركة معظم الفرقاء المسيحيين تؤدّي إلى توزيع التمثيل بحيث لا يحصل أيّ منهم على الثلث المعطّل؟
– إذا حصل تفاهم سياسي سنّي شيعي في الحكومة يمكن لوزرائهم الحصول على الثلث المعطّل.
– بإمكان الثنائي الشيعي أن يحصل على الثلث المعطّل إذا عقد تحالفاً مع جهة مسيحية ممثّلة في الحكومة.
سأمدّ يدي لأيّ رئيس حكومة… أفضّلها مطعّمة
الحجّة الكامنة وراء هذه الأجوبة أنّه يفترض بالحكومة أن تكون حكومة اختصاصيين من فريق عمل منسجم مع رئيس الحكومة للعمل على الإصلاحات الاقتصادية من أجل النهوض بالوضع الاقتصادي والخروج من الأزمة المالية. وهذا يفترض أن تستبعد تركيبة الحكومة بحدّ ذاتها حصول أيّ فريق أو تحالف على هذا الثلث المعطّل. إلا أنّ فرنجية يقابلها بالقول إنّه لا مشكلة لديه إذا كان رئيس الحكومة يريدها حكومة اختصاصيين، لكنّه يفضّلها حكومة مطعّمة باختصاصيين وسياسيين، لأنّ التجربة أثبتت أنّ الاختصاصيين لوحدهم لا يمكنهم “القيام” بالحمل، ويحتاج الأمر إلى وجود سياسيين يعملون على ضمان تأييد كتلهم لقرارات الحكومة.
أمّا بالنسبة إلى هويّة رئيس الحكومة فيقول فرنجية: “لا مشكلة لديّ مع أيّ شخصية يتمّ اختيارها، وسأتعاون مع من تتمّ تسميته، فأنا لست انعزالياً أو انفرادياً، ويهمّني التعاون مع كلّ الفرقاء، خصوصاً أنّني كفريق سياسي ليست لديّ كتلة نيابية كبيرة في البرلمان أستند إليها، وأحتاج إلى نسج علاقة تعاون مع الجميع كي أقدّم إنجازات ونتائج عملية للخروج من الأزمة، ومن المعروف عنّي أنّ كلمتي كلمة، وإذا شعرت أنّني لا أستطيع أن أحقّق ما أعد به فسأترك وأمشي”.
أنا الوحيد القادر
يكرّر فرنجية لمحدّثيه بعض ما سبق أن أعلنه في مناسبات عدّة حول الضمانات الأخرى المتعلّقة بسلاح “حزب الله”، وعلاقة لبنان مع الدول العربية، ولا سيما السعودية، وسوريا والحدود… فيقول:
– أنا عروبي ولا أتخلّى عن انتمائي. وإذا صدر عن الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله موقف ضدّ المملكة العربية السعودية (والافتراض أنّ هذا يشمل الدول العربية الأخرى) فسأصدر فوراً بياناً أعلن فيه أنّ هذا ليس موقف الدولة اللبنانية. وفي المقابل إذا صدر موقف ضدّ إيران، كالحديث عن “الاحتلال الإيراني”، عن جهات لبنانية فسأصدر بياناً أؤكّد فيه أنّه ليس موقف الدولة اللبنانية. (والأمر ينطبق أيضاً على سوريا).
– أنا الوحيد القادر على مطالبة الأمين العام للحزب بمناقشة الاستراتيجية الدفاعية، وقناعتي أنّ سلاح الجيش هو الوحيد الشرعي، ولا بدّ أن يتسلّم الجيش الحدود لضبطها ومنع التهريب. (لكنّ فرنجية لا يتحدّث عن انسحاب “الحزب” من سوريا).
– أنا الوحيد القادر على التحدّث إلى الرئيس السوري بشار الأسد ومطالبته بضبط الحدود لمنع التهريب على أشكاله، ولا سيما المخدّرات، وبضرورة ترسيم الحدود بين البلدين، وبإعادة النازحين السوريين.
– يكرّر فرنجية التزامه اتفاق الطائف واستكمال تنفيذه، ووقوفه ضدّ أشكال الفدرالية والتقسيم.
لديّ توجّهات لا برنامج اقتصاديّ
يردّ فرنجية على الذين يطالبونه ببرنامجه الاقتصادي بالقول إنّ رئيس الجمهورية لا يستطيع لوحده أن يضع برنامجاً كهذا لأنّ الأمر منوط بالحكومة والبرلمان: “لكن لديّ توجّهات، سبق أن أعلنتها، تبدأ بوجوب إنجاز الاتفاق مع صندوق النقد الدولي. وأنا مع الخصخصة في بعض القطاعات، وضبط الهدر في مؤسسات الدولة والنهوض بقطاع الكهرباء وإشراك القطاع الخاص، وحفظ حقوق الدولة في الأملاك البحرية واستثمار أملاكها العقارية ضمن صيغة تحفظ ملكيّتها… وتشجيع الاستثمارات، ولا سيما العربية والخليجية والسعودية”.
يستند مريدو فرنجية، سواء صحّت معطياتهم أم لم تصحّ، إلى رواية للوقائع السياسية تبقي في تقديرهم على حظوظه مرتفعة. ويقولون إنّ الحديث عن رفض سعودي لتولّيه الرئاسة هو ترويج لبناني أكثر ممّا هو موقف فعليّ من الرياض، حسب قولهم، وإنّ دولاً عربية فاعلة في لبنان لم تكن متحمّسة لفرنجية باتت لا تمانع خياره. وينسبون إلى عواصم تميل إلى تولّيه المنصب الأول في الجمهورية، ومنها موسكو، أنّها لم تسمع قطّ من الجانب السعودي أنّ لديه فيتو على فرنجية، بل تطرح المملكة مواصفات باتت معروفة.
وعد روسيّ بضمان سلوك إيران في لبنان… مع بكين؟
وإذ بات معروفاً أنّ الدبلوماسية الروسية دخلت على خط طلب فرنسا الضمانات من فرنجية لإقناع معارضيه لعلّها تساهم في تعديل موقفهم من ترشيحه، فإنّ موسكو ذهبت أبعد من ذلك في اتصالاتها مع الجانب السعودي كما ينقل عنها العارفون بتوجّهاتها.
وعلى الرغم من الخلاف الواسع بين باريس وموسكو بفعل حرب أوكرانيا، يتحدّث هؤلاء عن تقاطع وتقارب بينهما في الشأن الرئاسي البناني. بل إنّ موسكو ذهبت إلى حدّ الإيحاء للرياض بأنّها مستعدّة للاشتراك مع الصين في العمل على الحصول على ضمان سلوك إيران، وبالتالي “حزب الله” في لبنان. فللدولتين الكبريَين قدرة على التأثير في موقف طهران، لأنّهما ملاذها في المواجهة التي تخوضها مع الولايات المتحدة الأميركية، وفي الالتفاف على العقوبات التي تفرضها واشنطن عليها.
هكذا يصير ترشيح فرنجية عند الأوساط المتابعة لهذه الأجواء، جزءاً من مواجهة عالمية.
في سردهم الوقائع لمصلحة فرنجية يقول المحيطون به إنّه يضاف إلى العوامل المذكورة أعلاه التي تبقي على حظوظه عالية أنّ فرنجية نفسه لا يرى عقبات أميركية أو أوروبية أمامه، وأنّ “الثنائي الشيعي” بات متمسّكاً به بعد اتفاق بكين، الذي يتيح له التمسّك بخياره. لا سيما أنّ استعادة العلاقة الإيرانية السعودية أدّت إلى الإقلاع عن خطاب التهجّم على المملكة في خطاب الحزب. وهذا يتيح دعوة الجانب السعودي إلى الإقبال على تسوية لوضع لبنان ما دام قد بدأ انفتاحاً على طهران وسيقوم بخطوات تطبيع مع دمشق.
في انتظار معرفة نتائج مسعى الضمانات الذي انغمست فيه باريس بدعوتها فرنجية إلى زيارتها لبحث هذه الضمانات، يسود اعتقاد عند الذين يرون أنّ ثمّة تطوّرات تعزّز ترشيح فرنجية، بأنّ الـ45 يوماً الباقية من مهلة الشهرين التي اتفقت الرياض وطهران في بكين على تبادل السفيرين في نهايتها، كفيلة بتوضيح مدى حصول تقدّم في الحلول في اليمن يمكن أن ينعكس على تقارب الدولتين في سائر الميادين، ومنها لبنان…
هل يستسهل من يرجّحون ارتفاع حظوظ رئيس تيار “المردة” قراءة الوقائع؟ خصوصاً أنّ الموقف العربي يصطفّ خلف الموقف السعودي بالتحفّظ على تكرار التجربة مع رئيس يخضع لنفوذ الحزب؟ أم أنّهم يراهنون على الوقت؟
الجواب بعد 45 يوماً..