بعد معركة “الساعة”: محاولات جديدة لــ “إسقاط الطائف“!
أظهرت معركة “الساعة” التي فتحها النائب جبران باسيل وإستدرج إليها سائر التيارات المسيحية وما نتج عنها من تحريض طائفي ولعب على الغرائز، أنها ليست مجرد “رمانة“ بل هي “قلوب ملآنة“ من واقع سياسي يفرض نفسه على لبنان بفعل إتفاق الطائف الذي تحول الى “شماعة” يعلق المسيحيون عليها أخطاءهم وإخفاقاتهم بحجة مصادرة صلاحيات رئيس الجمهورية لمصلحة رئيس الحكومة.
ما يزيد الطين بلة اليوم بالنسبة لهؤلاء، هو أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يقود السلطة في البلاد نتيجة الشغور الرئاسي وفشل الكتل النيابية في التوافق على رئيس للجمهورية، ويصرّف الأعمال بالحد ويتخذ القرارات الملحة لتلبية حاجات المواطنين ويوقع على المراسيم مرتين الأمر الذي يكاد يُطيّر عقل جبران باسيل الذي يسعى جاهدا الى تعطيل إجتماعات الحكومة وإستهدافها سياسيا والاساءة الى رئيسها وإتهامه بالطائفية قبل أن يأتي الرد على باسيل من أعلى مرجع كاثوليكي في العالم المتمثل بقداسة البابا فرنسيس ومن أعلى مرجع ماروني في لبنان المتمثل بالبطريرك بشارة الراعي اللذين إستقبلاالرئيس ميقاتي وأشادا بالجهود التي يبذلها للحفاظ على الشراكة الاسلامية المسيحية وعلى الوجود المسيحي في لبنان.
لم تكن الحرب الطائفية التي أوقد لها باسيل ناتجة فقط عن قرار تأجيل العمل بالتوقيت الصيفي لثلاثة أسابيع، بل لأن هذا القرار إتخذه رئيس الحكومة السني الذي يمنحه الطائف صلاحيات واسعة في ظل وجود رئيس للجمهورية، ويحيل إليه صلاحيات الرئاسة في فترة الشغور، فكان التمرد على القرار، هو تمرد على الطائف وخروج على الدولة التي أصدرت هذا القرار، وطبعا بما أن المنافسة على أشدها بين التيارات المسيحية لاستمالة الشارع، فقد وجدت في هذا القرار ضالتها لممارسة شعبوية كادت أن تشعل حربا أهلية جديدة.
وأدَ الرئيس ميقاتي الفتنة في مهدها وسحب كل فتائل التفجير الطائفي وحمى البلاد من توترات لا تُحمد عقباها، لكن يبدو أن الأمر لم ينته عند هذا الحد، بل شكل مناسبة لعودة الحديث عن تغيير النظام، حيث لم يخف رئيس الجمهورية السابق ميشال عون أمام زواره أن هذا النظام لم يعد صالحا، متوقعا فوضى يعقبها تدخلا جزائريا كما حصل عام 1988، لتغيير النظام وإيجاد عقد إجتماعي جديد، وطبعا ما قاله عون تصريحا يجسده باسيل فعلا وسلوكا أمام جمهور التيار الوطني الحر، في حين ذهب الكتائب الى أبعد من ذلك في طرح الفيدرالية والتقسيم عبر نائبه نديم الجميل الذي كتب على خلفية معركة الساعة “لنا توقيتنا ولكم توقيتكم، ولنا لبناننا ولكم لبنانكم ولنا دولتنا ولكم دولتكم”، قبل أن يحاول رئيس الحزب سامي الجميل إفتعال مشكلة في مجلس النواب مع النائب علي حسن خليل أدخل فيها سلاح “المقدسات” ليشدد بعد ذلك في مؤتمر صحافي على ضرورة تغيير النظام، كونه غير قادر على تأمين الشراكة الحقيقية بين اللبنانيين.
ما تحدث عنه الجميل، سبقه إليه سمير جعجع عندما تحدث في مقابلة تلفزيونية عن “إمكانية لجوء القوات الى الخيارات الأخرى التي تتعلق بإعادة النظر في أسس النظام وفي تركيبة الدولة”.
كل ذلك، يشير الى محاولات حثيثة تجددت اليوم تحت عنوان “إسقاط الطائف“الذي ترفض سائر التيارات والأحزاب السياسية المسّ به في ظل هذه الأجواء المشحونة، وهي تدعو الى تطبيقه أولا ومن ثم معالجة الثغرات فيه، علما أن طرح تغيير النظام يناقض كل الاتجاهات العربية والاقليمية والدولية المتمسكة بالطائف والداعية الى تطبيقه كاملا وتنفيذ الاصلاحات التي ينص عليها، وهذا ما قد يعبّد طريق بعبدا أمام رئيس تيار المردة سليمان فرنجية بعد إعادة تحريك الملف الرئاسي، كونه إبن الطائف ولا يمكن أن يفرط به.
غسان ريفي- سفير الشمال