“الحكمة” الفرنسيّة: اطلبوا فرنجيّة ولو من… الصّين: هذا ما تعهّد به فرنجيّة في باريس!

في “توقيت صادم”، لبّى أمس رئيس “تيّار المردة” سليمان ‏فرنجيّة دعوة الخليّة الدبلوماسيّة في قصر الإليزيه، حيث ‏تركّز البحث على برنامجه “إذا ما وصل إلى رئاسة ‏الجمهوريّة”.‏

ويتمّ توصيف التوقيت بـ”الصادم”، لأنّ زيارة فرنجيّة ‏لباريس أتت لتعيد تعويم ترشيحه، بعدما نجح خصومه في ‏توجيه ضربات موجعة إليه، بالاستناد إلى أجواء يشيعونها عن ‏موقف سعودي “صارم” ضدّه، وعن تراجع محتمل لـ”حزب ‏الله” عن “التمسّك الحصري به” في ضوء “درس التوقيت ‏الصيفي”، وعن نسب برودة فرنسيّة حياله، بعد اللقاءات التي ‏عقدها في باريس رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد ‏جنبلاط وابنه، رئيس “اللقاء الديموقراطي” النائب تيمور ‏جنبلاط.‏

وقد اعتبر كثيرون أنّ الدعوة وتلبيتها أحدثتا انقلاباً لمصلحة ‏فرنجية وأعادته، مجدّداً، إلى الواجهة الرئاسيّة.‏

هل تقصّدت باريس ذلك؟

لا يستطيع أحد أن يسبر غور النيات الفرنسيّة الحقيقيّة، ولكن ‏من الواضح أنّ الخليّة الدبلوماسيّة في الرئاسة الفرنسيّة ‏‏”تورّطت” أكثر ممّا يجب في تبنّي فرنجيّة، حتى بات التخلّي ‏عنه بمثابة هزيمة لها، إذ إنّها حملته في جولاتها اللبنانيّة ‏واتصالاتها الإقليمية والدوليّة، وتعرّضت لهجومات قاربت ‏اتهامها بالـ”انتفاع”، من خلال ربط تبنّي فرنجيّة ببعض ‏المتموّلين اللبنانيّين الداعمين له.‏

ولكنّ المدافعين عن “التوقيت” لا يربطونه بالأجواء اللبنانيّة، ‏بل بالتطوّرات التي انتهى إليها الحراك الدبلوماسي الفرنسي ‏في الموضوع اللبناني، إذ إنّ اللقاءات الفرنسية – السعودية لم ‏تسفر عن دخول الرياض في الأسماء، بل اكتفت ‏بـ”المواصفات”، أكان ذلك على مستوى تواصل الرئيس ‏إيمانويل ماكرون مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن ‏سلمان، أم على مستوى لقاءات وزيري داخليّة البلدين كاترين ‏كولونا وفيصل بن فرحان، أو على مستوى مشاورات مسؤول ‏ملف لبنان في الخلية الدبلوماسية في الإليزيه باتريك دوريل ‏مع بن فرحان ونزار العلولا ووليد البخاري.‏

ولم تُخف مصادر الرئاسة الفرنسيّة، في وقت سابق، “تفاؤلها” ‏بمحتوى ما تضمّنه الاتصال الهاتفي بين “زعيمي” فرنسا ‏والسعودية، إذ أشارت إلى أنّ هناك الكثير من الإيجابيّات التي ‏يُمكن البناء عليها، لإخراج لبنان من أزمته.‏

كما أنّ الحاجة إلى “وضع النقاط على الحروف” مع فرنجيّة، ‏أملت توقيتها التحضيرات الجارية للزيارة التي يزمع ماكرون ‏القيام بها للصين، منتصف الأسبوع المقبل، والتي تمتد من ‏الخامس إلى السابع من نيسان/أبريل الجاري.‏

وتريد فرنسا إدخال الصين على خط لبنان، إذ إنّ “اتفاق بكين” ‏أثبت قدرتها على التأثير إيجاباً على لاعبين كبيرين في لبنان: ‏الجمهوريّة الإسلامية في إيران والمملكة العربيّة السعوديّة.‏

ويبدو أنّ الصين دخلت من خلال روسيا على الخط الرئاسي ‏في لبنان، بحيث طلبت موسكو من بكين أن تضمن سليمان ‏فرنجيّة لدى المسؤولين السعوديّين.‏

وتُظهر موسكو حماسة كبيرة لخيار فرنجيّة، لأنّه، بالنسبة لها، ‏الخيار المضمون، نظراً لعلاقته معها ولصلته بالنظام ‏السوري، من جهة، ولأنّه يقفل الطريق أمام وصول قائد الجيش ‏اللبناني العماد جوزف عون الذي تأخذ موسكو عليه “صلاته ‏الممتازة” بالولايات المتحدة الأميركية، من جهة أخرى.‏

وفي ضوء اجتماعات فرنجيّة في باريس التي شملت جميع ‏المهتمين بالملف اللبناني، بدءاً بالخليّة الدبلوماسيّة في الإليزيه، ‏وصولاً إلى رئيس جهاز المخابرات الفرنسيّة الخارجية برنار ‏إيمييه، ماذا أصبح في جعبة باريس لتنقله إلى السعوديّين ‏ولتضعه بتصرّف الصينيّين؟

تفيد المعلومات المتوافرة بأنّ فرنجيّة تعهّد بالآتي:‏

أوّلاً، إذا جرى انتخابه، سوف يعمل، من جهته، على أن يكون ‏على مسافة واحدة من جميع الفرقاء اللبنانيّين، لقناعة لديه بأنّ ‏لا قدرة لفريق واحد، مهما كان قوياً، أن يُخرج لبنان من ‏الأزمة التي يمر بها، وهو لن ينتظر أن يأتي إليه أصحاب ‏الشأن، بل هو سوف يذهب إليهم.‏

ثانياً، سوف يتصدّى لكل من يهاجم المملكة العربيّة السعودية ‏والجمهوريّة الإسلاميّة في إيران وسوريا، بطريقة تظهر أنّ ‏أي طرف يتعرّض إلى أيّ من هذه الدول لا يمثّل الدولة ‏اللبنانيّة بل نفسه.‏

ثالثاً، تشكيل حكومة ترضى عنها المعارضة قبل الموالاة، ‏وتوفير ما يلزم لها من مناخات حتى تستطيع إنجاز المهمات ‏المناطة بها، سواء على مستوى التعيينات أو على مستوى ‏التواصل المثمر مع الدول والمؤسسات التي سوف تكون ‏معنيّة بإنقاذ لبنان.‏

رابعاً، هو لن يكون رئيس “إدارة التفليسة” بل سيكون إما ‏رئيس “إدارة الإنقاذ” أو يقدّم استقالته.‏

ولكن، هل فرنسا واثقة بتعهّدات فرنجية كما بإزالة العقبات ‏التي تحول دون وصوله إلى القصر الجمهوري؟

الجواب هو “لا”، فتجربة فرنسا في لبنان علّمتها أنّه يمكن ‏النوم على نتيجة والاستيقاظ على نتيجة معاكسة، كما أنّ ‏التعاطي مع السياسيّين اللبنانيّين أثبت أنّ “لسانهم يلهب ‏بالمثاليات ولكنّ أفعالهم تغرق بالأنانيّات”.‏

وعليه، فإنّ باريس، وإنْ كانت لا تزال تعتبر أنّ فرنجيّة هو ‏‏”المرشّح الممكن”، إلّا أنّها تصر على أن يكون “المرشّح ‏المضمون”، أي أنّها تحتاج إلى مرجعيّات تجعل لسانه اليوم ‏مطابقاً لأفعاله غداً، وهي من أجل ذلك، تجد نفسها ميّالة إلى ‏طلب المساعدة الصينيّة حتى تأخذ من إيران ضمانات بأنّ ‏‏”حزب الله” لن يستعمل “مونته” على فرنجيّة لجعله نسخة ‏جديدة من ميشال عون، وتقدّم هذه الضمانات للمملكة العربيّة ‏السعوديّة التي بذلت فرنسا الكثير من الجهود لجعلها تعيد ملف ‏لبنان إلى قائمة اهتماماتها، بعدما كانت قد يئست من بلد ‏تعهّدات سلطاته جميلة وسلوكياتها قبيحة!‏

فارس خشان- النهار العربي

مقالات ذات صلة