فرنجية في باريس مؤجلا ترشيحه إلى ما بعد عيد الفطر: تقديم ضمانات للسعودية؟
خطوة فرنسية جديدة على طريق الدفع قدماً بترشيح سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية. الدعوة التي وجهتها باريس لرئيس تيار المردة لها أكثر من هدف. ولكنها تندرج في السياق الفرنسي المتبع منذ فترة. فبداية، تأتي الزيارة بعد تأجيل فرنجية إعلانه عن ترشحه وعن برنامجه الانتخابي، وسط معطيات سبقت زيارته إلى العاصمة الفرنسية، بأنه قد أجّل الإعلان عن ترشيحه إلى ما بعد عيد الفطر المبارك، من غير توفر المعلومات حتى الآن عما إذا كانت الزيارة قد تغيّر في هذا المعطى. كما أنها تأتي بعد الاتصال الذي أجري الأحد الفائت بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. إذ يعتبر الفرنسيون أن الاتصال كان إيجابياً، فيما أجواء أخرى تنفي ذلك من خلال استمرار السعودية على موقفها، واستكمال بحث الملف من قبل اللجان التي تعمل عليه.
تعهدات والتزامات
الإيجابية التي يرتكز عليها الموقف الفرنسي تنطلق من إعادة طرح فكرة الضمانات وتقديمها للسعودية. وبالتالي، الانتقال من مرحلة “فرنجية للرئاسة مقابل نواف سلام لرئاسة الحكومة” إلى مرحلة جديدة من شأنها إعادة تحريك عملية التسويق لرئيس تيار المردة، وإطلاق ترشيحه مجدداً بالاستناد إلى قاعدة الضمانات. وهذا يعني أن الهدف من الزيارة هو البحث في هذه الضمانات، لأن ذلك غير ممكن بحثه عبر الهاتف. وعليه، تنطوي زيارة فرنجية إلى باريس على محاولة لتقديم تعهدات والتزامات وضمانات، وهو ما يسعى الفرنسيون إلى تحصيله منه في مساعيهم مع السعودية. علماً أن جزءاً من هذه الضمانات كانت قد وردت في البرنامج الانتخابي الذي عمل فرنجية على تحضيره ويستعد لإطلاقه.
لا مؤشرات حتى الآن حول أي تراجع فرنسي عن تلك المعادلة التي تعتبرها باريس واقعية، وترفض وصفها بأنها مقايضة، ويعتبر الفرنسيون أن المطالب السعودية ستكون قد لبيت بالإلتزامات التي يقدمها فرنجية. وبالتالي، لا يمكن البقاء على الموقف نفسه. فيما جهات أخرى تعتبر أن لا أحد في لبنان قادراً على توفير الضمانات، وحتى وإن قدمها وأعلن عن التزامه بها فلا يمكن تطبيقها، لا فرنجية كشخص ولا كرئيس ولا أي طرف آخر، لأن المسألة أبعد وأوسع من هذا المجال.
تجربة عون
ولكن هذا الجو يفيد حتى الآن، بأن التصورات اللبنانية التي سارعت إلى الاستنتاج بأن باريس قد استدعت فرنجية لإبلاغه بعدم نجاح التسويق له سعودياً هي تصورات خاطئة، إذ لم تصل فرنسا إلى مثل هذا الموقع حتى الآن، خصوصاً أنها تستند على رؤيتها وعلى موقف الثنائي الشيعي الذي لا يزال متمسكاً بفرنجية، ولن يكون هناك قدرة على الذهاب باتجاه إنتخاب رئيس بدون التفاهم مع هذا الثنائي. عملياً أصبحت فرنسا أسيرة هذا الموقف مرحلياً بالحدّ الأدنى، فيما السعودية أسيرة المواصفات التي وضعتها، ولن يكون من السهل على أي من الطرفين التراجع أو التنازل، لذلك يصعب التنبؤ بما ستؤول إليه الأمور أو الأوضاع.
يبقى الأهم، هو العودة لمراقبة جملة مسارات حصلت في السابق، منذ انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية، والتسوية التي قامت على مبدأ “المقايضة” بمباركة فرنسية. في حينها لم تكن السعودية موافقة، وعملت على تأخير إيصال عون، بينما بقي الفرنسيون والبريطانيون متمسكون بذلك. فيما بعد أبعدت السعودية نفسها عن سياق اليوميات اللبنانية، وأحالت مسؤولية القرار على سعد الحريري، الذي قال إنه مستعد لتحمل المسؤولية، فانتخب عون من دون موافقة سعودية، وبعدها كانت محاولات كثيرة لتقريبه من السعودية التي زارها وقدم الكثير من الضمانات لها، ولكنه لم يلتزم بها.
رهان على التراخي؟
ما بعد تسوية 2016، والتي استمرت خلالها السعودية على موقفها المبتعد والملتزم بعدد من الاتفاقيات لم يطبق منها شيء، جاءت ثورة 17 تشرين، والتي رفعت خلالها مطالب أساسية لبنانية وخارجية، تتعلق بتشكيل حكومة غير سياسية وتنفيذ خطة إصلاح اقتصادي. وهذا لم يتحقق منه شيء، فيما تبنّت باريس خيار حكومة حسان دياب الذي رفضته السعودية واستمرت على بعدها. والأمر نفسه تكرر مع إطلاق المبادرة الفرنسية بعد تفجير مرفأ بيروت، والتي رفضت السعودية التخلي الفرنسي عن بنودها وأساسياتها، وأيضاً استمرت بعيدة عن الغرق في التفاصيل، فيما كانت فرنسا راعية لمصطفى أديب ولسعد الحريري، اللذين فشلا بعملية التشكيل فيما نجحت مع نجيب ميقاتي ولا تزال.
بالاستناد إلى هذه المحطات كلها، ربما يكون هناك رهان فرنسي على أن تغض السعودية النظر فيما بعد عن تفاصيل الملف اللبناني. وبالاستناد إلى غض النظر قد ينتج تراخ في مواقف بعض الكتل النيابية، التي تنتظر الموقف السعودي الحاسم. وبالتالي، عندما تعجز عن تلمسه قد تختار هذه الكتل الذهاب إلى التسوية التي يرسم الفرنسيون معالمها. ولكن ذلك سيؤدي إلى نتائج مشابهة لكل المسار القائم منذ العام 2016. لا سيما أن السعوديين، وفي معرض ردهم بأنهم لا يريدون الدخول في التفاصيل، يشددون على مسألة التعاطي مع لبنان وفق تعاطي لبنان مع ما هو مطلوب منه. وعليه، يكون التعامل على القطعة وعلى قاعدة المصالح المتبادلة. فإذا ما وجدت السعودية مصلحة في ملف معين يمكنها أن تتحرك على أساسه، أما بحال كانت مصلحتها منتفية فتدخلها سيبقى منتفياً. وهذا يعني أنه لن يكون بالإمكان الحديث عن مساعدات أو استثمارات.
منير الربيع- المدن