على أيّ توقيت اندلعت حرب الساعتين: اليكم حسابات برّي وميقاتي وباسيل!
بلا مقدّمات، فلنذهب فوراً وبفجاجة، إلى التدقيق في سؤال: على أيّ توقيت اندلعت حرب الساعتين؟
وتحديداً، في ظلّ أيّ سياق لوضعيات اللاعبين الثلاثة الذين شكّلوا عقارب الساعة الثلاثة، اندلعت تلك الحرب، علّنا نفهم بعض أسبابها والأهداف؟
– أوّلاً توقيت نبيه برّي:
خارجياً، كان الرجل قد تبلّغ من باريس موت الصفقة الرئاسية التي عُرضت هناك. رفض سعودي صارم من جهة. وخجل فرنسي واضح من تكرار فضائح الرؤساء الماليّة، فاليري جيسكار ديستان مع ماسات إمبراطور وسط أفريقيا جان بوديل بوكاسا، أو جاك شيراك مع كلّ تاريخه، أو نيكولا ساركوزي مع معمّر القذّافي، من جهة أخرى، وخلافات خليّة الإليزيه مع باقي الدوائر الفرنسية المهتمّة بلبنان من جهة ثالثة في الأشهر الأخيرة… كلّها اضطرّت باريس إلى الاعتذار عن تهريبة رئيس لبناني على الطريقة الإفريقية. حتى إنّ “الملياردير الدبلوماسي المتعهّد” صار يرفع صوته في مطاعم العاصمة الفرنسية، ليُسمع يمينه المعظّمة بأن لا علاقة له بالاستحقاق الرئاسي لبلده الأوّل، وأنّه غير مهتمّ إطلاقاً، وأنّ كلّ ما يفعله في باريس هو ترتيب علاقة صديقه الآخر، رئيس نيجيريا الجديد، بباريس، إضافة إلى استضافته “زوجين روحيّين” لمناسبة يوبيل زواجهما.
داخلياً كانت قد تنامت إلى برّي، بلا شكّ، أخبار زيارة اللواء عباس إبراهيم للرئيس بشّار الأسد. ساعة ونيّف من كلام بدأ من الحاضر، وغاص في المستقبل.
بينما الأوضاع الداخلية لدولته و”حركته” لم تعد داخلية إطلاقاً.
هذا فضلاً عن وقائع ليلية لحياة الثورة الأهلية الكامنة تحت رماد فقراء الجنوب والضاحية والبقاع.
وقائع تقترع يومياً في صناديق التواصل الاجتماعي، بما عجزت عن قوله في صناديق الاقتراع.
– ثانياً، توقيت نجيب ميقاتي:
هنا يبدو إيقاع السلوك أكثر سخونة قضائية وجزائية. ملفّ ملاحقته في موناكو مستمرّ. على الرغم من كلّ التمويهات. ملفّ ملاحقته في قضاء إمارة ليشنشتاين أكثر تثقيلاً وتبكيلاً. لا يمكن التفلّت منه. في النهاية ثمّة تحويلات مالية هائلة مثبتة. لا بدّ من تبريرها. لا أمام المدّعي العام المالي علي إبراهيم، بل أمام قضاء أوروبي بات عدائيّاً حيال كلّ ما هو ريبة فساد.
أكثر من ذلك، قيل إنّ الرجل سمع كلاماً عن تحذيرات أميركية مباشرة له.
سياسياً، “الفيتو الخارجي” على مستقبله صار أوضح.
فالقدرة على الانفساخ البهلواني الكامل تخفّ مع العمر وتكلّس الحركة وتقلّصها، كما مع استنفاد جهوزية الجمهور للانبهار.
– ثالثاً توقيت جبران باسيل:
ليس بسيطاً على “وريث الجبلين” أن يشهد خسارة آخر أوراقه الرئاسية. محاولته التوسّل إلى بكركي انتهت بلا جدوى. لم يبقَ منها غير صدمة المطران حيال ردّ فعل جبران أمام اسم رفيقه إبراهيم كنعان ضمن لائحة المرشّحين الرئاسيين.
ابتزاز الحزب لم يثمر. تحوّل شيئاً من إدمان الأدوية المسكّنة للألم. تصعيد في الجرعات، يقابله تصعيد في الردود. يتّهم السيّد مباشرة. فيُنقل كلامه مباشرة على “المنار”، تعميماً للفائدة على مستوى البيئة الحاضنة وتحضير شارعها لما قد يأتي.
وهْم رفع العقوبات انتهى بمبارتَي مونديال لا غير في قطر. لا بل أكثر، قيل إنّ عقوبات أوروبية أُضيفت وتبلّغها قريبون سرّاً: حجب فيز وسحب أخرى كانت معطاة.
الداخل الباسيليّ صار خارجياً علناً: قيل له في تكتّله: “أنت تخطّط لوصول رئيس عدوّ”، كي تحفظ حظوظك بعد ستّ سنوات. لكنّ مصلحة “التيار” والمسيحيين والبلد لا تُختزل بشخصك. إذا قُيّض لنا إيصال واحد منّا، على حساب طموحاتك المستقبلية، يجب ألّا نتردّد.
هذا ما عبّر عنه علناً أكثر من نائب، وفي الاجتماعات أكثريّتهم… وصولاً إلى “ارفضاض حتّى بروتس”….
على المستوى العامّ، يتوحّد اللاعبون الثلاثة حيال حشرات تكاد تتحوّل حشرجات :
اتفاق بكين غامض حتى اللحظة. مثل زلزال في أرضيّة مشتركة، لم تُرصد تداعياته. كلام عن إسقاطات متوازنة له. من صنعاء حتى بيروت. لا منتصر ولا مهزوم. وبالتالي كلّ الخطابات الغدديّة إلى انكفاء. وكلّ الأهداف النشواتيّة إلى انحسار.
حتى الموفد القطري الآتي وجدول أعماله ومهمّته الرئاسية المنسّقة من خماسية باريس ومعها، مؤشّرات مقلقة لرهانات المنظومة.
أكثر من ذلك، يُحكى عن عودة سعودية مباشرة إلى بيروت. ومن بوابة الجيش اللبناني حصراً. بدأت بتعيين ملحق عسكري بعد غياب وشغور معبّرين. وتُستكمل بمشاركة عسكرية سعودية في مناورة للجيش بعد أسابيع. خطوة تعود إلى العاصمة اللبنانية للمرّة الأولى منذ أعوام.
وفد صندوق النقد وجّه إليهم التحذير الأخير.
معطوفاً على تحذير مساعدة وزير الخارجية الأميركية باربرا ليف لهم التي زارت لبنان قبل أيام: معكم حتى نهاية هذه السنة. بعدها الطوفان. وهي من كانت قد تنبّأت بنظرية “غراوند زيرو” للبنان، وزوال كلّ هذه الطبقة، قبل بدء البنيان الصحيح.
عودة التحرّكات إلى الشارع، خصوصاً تحرّك المتقاعدين. هؤلاء تراهم المنظومة جيشاً رديفاً احتياطياً. لواء أنصار. وهو ما يعزّز لدى باروناتها هاجس “المؤامرة” وفوبيا السيناريوهات المعدّة سلفاً.
إزاء هذا المشهد بسياقاته المرعبة كافّة، لا بدّ من ردّ. هي مسألة حياة أو موت لمقاطعجيّة المنظومة. أفضل وسيلة وأنجعها: أفيون الطوائف.
صورة المليونَيْ لبناني منذ ثلاثة أعوام ونيف، من طرابلس إلى صور، ومن جونيه إلى النبطية، يشتمون أقطاب المنظومة، تقضّ نهاراتهم ولياليهم. لا بدّ من إعادة هؤلاء شلعات مذهبية.
كيف جاء الردّ؟
كلّ شيء مباح ومشروع لذلك:
الانهيار المتعمَّد كما وصفه البنك الدولي، لفرض نظام الخوف والحاجة عليهم، لم ينجح كليّاً. ما يزالون يصرخون ألمهم.
الاتفاق مباشرة جنوباً مع “الشيطانَين الأكبر والأصغر”، على قاعدة: خذوا بحرنا ونفطنا وغازنا وكلّ ثرواتنا… وأعطونا ضمانات البقاء في السلطة… خطوة لم تعطِ النتيجة الكاملة المرجوّة.
حاولوا صفقة الرئاسة عبر باريس: لكم وصايتكم الجديدة ولنا منظومة مافياتنا المستمرّة… لم يحصلوا على جواب.
أحسّوا بالنار تقترب. فقرّروا أن يذهبوا إلى اللعبة الوحيدة والأثيرة والأخيرة لكلّ طغاة المنطقة: إمّا نحن وإمّا الدواعش.
إمّا نحكمكم بفسادنا. وإمّا نحرقكم بحربكم الطائفية التي نجيد تسعيرها مثل شربة ماء. والتي نملك إشعالها بتحريك عقرب واحد.
أسوأ ما في مشهد حرب الساعتين، أنّه أظهر أبشع ما في تشوّهاتنا المكبوتة. لم ينجُ أحد. صمت المسترئسين بدا انتهازيّاً مقزّزاً.
إعلام مقاوم، خرج بكلام عن نهاية زمن “شغّيلة المرفأ”.
أكاديميون ومثقّفون وروحيون ظهروا كلّهم في لحظة، قطّاع طرق في سبت أسود على مساحة مزرعة الـ10452.
الإيجابية الوحيدة أنّ وجدان أكثرية لبنانية مواطنة صمد. فأسقطهم كلّهم. حتى تراجعوا.
البعض يقول إنّهم لا يخسرون بالتراجع حتى. يستثمرون في مظلوميّته المزعومة، كما يستثمرون في فائض قوى مذهبيّاتهم.
ألف مرّة مسيحيّ وسنّي وشيعي مهزوم، ولا مرّة لبناني منتصر، بالنسبة إليهم.
هزيمة القبائل الطائفية مفيدة لهم. تماماً كما انتصارات بعضها على البعض الآخر وانتصاراتها على الوطن والمواطن. المهمّ ألّا ينتصر مواطن أو وطن.
هل نحن أمام “نظرية المؤامرة” في قراءة موضوع الساعة؟
بل نحن أمام متآمرين في النظرية والممارسة، كلّ ساعة وكلّ لحظة وفي كلّ المواضيع.
جان عزيز- اساس