قصة نبيه بري مع تقديم الساعة… وموقف جنبلاط الذي لم يردّ على الاتصالات”صادم””!

محاولة رئيس مجلس النواب نبيه بري الإبقاء على التوقيت الشتوي خلال شهر رمضان ليست جديدة. بل بدأت قبل ثلاث سنوات، حين طلب من رئيس الحكومة السابق حسان دياب اتخاذ قرار بتأخير التوقيت الصيفي ريثما تنتهي فترة الصيام لدى الطوائف الإسلامية. يومها أتى الاعتراض الأساسي من رئيس مجلس إدارة شركة طيران الشرق الأوسط محمد الحوت لمضاعفات هذا التغيير على حركة الطيران. فطلب دياب من الحوت إبلاغ الموقف بنفسه إلى بري وهكذا كان.

كرر رئيس مجلس النواب الطلب نفسه من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي العام الماضي، ومجدداً أتى الاعتراض من الحوت للأسباب نفسها. في تشرين الثاني 2022، استبق بري أي اعتراض على ضيق الوقت، فطلب من ميقاتي، قبل خمسة أشهر من حلول شهر رمضان، اتخاذ الإجراءات اللازمة لتأجيل التوقيت الصيفي. ارتأى ميقاتي في البداية تشكيل لجنة وزارية لإلغاء التوقيت، لكنه تخوف من رد فعل شعبي ضده لتشكيله لجنة لمناقشة موضوع كهذا في وقت يعاني البلد انهياراً من كل الجوانب. قبل أن يلقي بهذه المهمة على عاتق وزير الأشغال العامة والنقل علي حمية لحلّ المشكلة، إما بإقناع بري بتعذر اتخاذ إجراء مماثل أو بإقناع الحوت بالموافقة على التعديل المطلوب من عين التينة. وعليه أرسل الأمين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكية كتاباً إلى حمية لاستطلاع رأي شركات الطيران والمؤسسات العامة والوزارات.

في 22 شباط الماضي، ردّ حمية على كتاب مكية بإبلاغه «عدم تأييد شركة طيران الشرق الأوسط لأي تغيير في الممارسة الحالية والمطالبة بالإبقاء على الوضع الحالي لجهة اعتماد توقيتين صيفي وشتوي لأن أي تعديل في قرار مجلس الوزراء له تأثيرات سلبية على رحلات الشركة المنتظمة خصوصاً في موضوع الخانات الزمنية (Slots) في النقاط المستثمرة من قبلها». وأشار حمية إلى أنه كان «من المتوقع أن يلغي الاتحاد الأوروبي مبدأ وجود توقيتين ويترك الخيار لدول الاتحاد باعتماد أحد التوقيتين على مدار العام. لكن نتيجة اعتراض شركات الطيران الأوروبية بقي مبدأ التوقيتين ساري المفعول». وطلب «عدم اعتماد التوقيت الموحد» مشيراً إلى «اعتماد عدد من الدول توقيتاً موحداً كمصر والسودان وسوريا والعراق وإيران وتركيا والأردن وبعض دول الخليج»، وأرفق بالكتاب رسالة إلكترونية واردة من شركة طيران الشرق الأوسط.

أما في ما يتعلق بالوزارات، فلم تردّ أي وزارة على طلب وزارة الأشغال استطلاع رأيها حول تغيير التوقيت لا سلباً ولا إيجاباً باستثناء وزير الخارجية عبدالله بو حبيب الذي أبدى إيجابية في مسألة تعديل التوقيت الصيفي والشتوي مؤكداً لوزير الأشغال (ضمن كتاب بتاريخ 3/3/2023) أنها «لا تؤثر على سير عمل هذه الوزارة والبعثات الدبلوماسية في الخارج». ولما تمّ تسريب كتاب حمية، شنّ البعض هجوماً عليه فقرر سحب الكتاب. وكانت «التخريجة» بدعوة ميقاتي بعض الوزراء إلى اجتماع قبل نحو 3 أسابيع للبحث في شؤون المطار شارك فيه حمية إلى جانب وزراء الصناعة والداخلية والسياحة والبيئة ورئيس مجلس إدارة شركة طيران الشرق الأوسط ورئيس جهاز أمن المطار العميد فادي كفوري.

ولدى إثارة موضوع إلغاء التوقيت الصيفي، جُن جنون الحوت الذي بدأ يصرخ منتقداً محاولة التلاعب بالتوقيت في كل عام، وأكد أن الموضوع غير قابل للنقاش، وهدّد بالسفر لمدة شهر وإقفال هاتفه طيلة شهر رمضان في حال اتخاذ قرار مماثل حتى لو «خربت الدني». فتقرر نتيجة الاجتماع الإبقاء على التوقيتين الصيفي والشتوي وتقديم الساعة في منتصف ليل 25-26 آذار. بقي القرار سارياً إلى أن زار رئيس الحكومة عين التينة نهار الخميس الماضي، ولدى إثارة بري لموضوع التوقيت أبلغه ميقاتي بالقرار الحكومي المتخذ، فطلب بري الاتصال بأمين عام مجلس الوزراء وسأله: «هل تصوم؟»، قبل أن يعاتبه على «عرقلة» تأخير التوقيت كل عام. فردّ مكية بأن المشكلة الأساسية عند الحوت، عندها قال بري: «هلق أنا بيخوفني الحوت؟». وسأل ميقاتي ما إذا كان يقبل بتغيير القرار في حال استطاع إقناع الحوت، فوافق رئيس الحكومة على مضض. عندها اتصل بري بالحوت، في حضور ميقاتي، ووضعه عبر مكبر الصوت، وسأله عن الأمر، فردّ: «اللي بتشوفو مناسب دولة الرئيس قم به». عندها، طلب ميقاتي من الأمين العام إصدار مذكرة لتأخير العمل بالتوقيت الصيفي، علماً أن ميقاتي لم يكن يعلم بأن المحادثة مع بري مسجلة بالصوت والصورة. إذ جرت العادة أن يعمد المصورون إلى نقل الصورة من دون صوت، وهو ما أثار امتعاض ميقاتي الذي بدا «خاضعاً لما يقوله رئيس مجلس النواب».

رغم ذلك، نفذ ميقاتي طلب بري من دون اعتراض. وحتى عندما استعر الخلاف الطائفي نتيجة تسريب الفيديو وما رافقه من رد فعل للبطريرك بشارة الراعي والمطران إلياس عودة واصطفاف كل الأحزاب المسيحية ضده، لم يكن بري وميقاتي في وارد التراجع، بل أخرجا أرنباً جديداً ليل أول من أمس قضى بقوننة المذكرة عبر دعوة مجلس وزراء إلى الانعقاد الثلاثاء (اليوم) للتأكيد على تأجيل التوقيت الصيفي حتى نهاية نيسان على أن يعلن وزير التربية عباس الحلبي الاثنين عطلة رسمية في كل المدارس بمناسبة عيد البشارة لمنع الالتباس حول التوقيت.

لكن ما لم يكن يتوقعه رئيسا المجلس والحكومة هو موقف رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط الذي رفض السير بالقرار. وتعمد عدم الرد على الهاتف، ولم يأخذ اتصالين ورداه من الرئيس بري مساء الأحد لإقناعه بالسير في الأمر. وترجم موقف جنبلاط بقرار وزير التربية المحسوب عليه، والذي جاء مخالفاً لقرار ميقاتي، مقرراً اعتماد التوقيت الصيفي في المدارس. بعدها بدأت الاتصالات لإقناع جنبلاط بثني الوزير عباس الحلبي عن قراره. لكن الزعيم الدرزي الذي توجه إلى باريس في زيارة عمل، رفض أن يعود الحلبي عن قراره إلا بعد إعلان ميقاتي تحديد موعد جلسة مجلس وزراء الاثنين (أمس)، وأن يكون على جدول أعمالها بند وحيد يتعلق بمسألة التوقيت. وتبين أن جنبلاط تحسّب لحصول مناورات من جانب رئيس الحكومة، فطلب من الحلبي عدم إعلان التزام مذكرة رئاسة الحكومة، بل ترك الأمر غامضاً. وهو ما انعكس في بيان وزير التربية الذي ترك حرية الاختيار للمدارس من دون إجبارها على العمل بالتوقيت الشتوي المطلوب من بري ولو ليوم واحد.

رلى ابراهيم- الاخبار

مقالات ذات صلة