“عقارب” الساعة “لدغت” حظوظ فرنجيّة … و”البلد ذاهب نحو نظام جديد”!
سألتُ قبل أيّام مرجعيةً رئاسيةً سابقةً عمّا إذا كان البلد يتّجه إلى انتخاب رئيس جمهورية، فأجاب بثقة العارف: “بل هو ذاهب نحو نظام جديد”.
مخاوف المسيحيّين
امتصّ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي عاصفة “عقارب الساعة”، في خضمّ مخاض رئاسي عسير واصطفافات طائفية غير مسبوقة. انتشرت أخبار عن “اعتكافه”، قبل أن يعقد جلسة حكومية أمس كتخريجة لتراجعه عن قرار اللعب بالتوقيت الصيفي من خارج الآليات الدستورية والمنطقية.
وسط هذه العاصفة الطائفية الحادّة، كيف لرئيس مجلس النواب نبيه برّي أن يحدّد جلسة لانتخاب الرئيس؟
خلال استقباله السفيرة الفرنسية آن غريو أعرب برّي عن نيّته الدعوة إلى جلسة انتخاب رئيس بعد انتهاء شهر رمضان المبارك. لكنّ هذا الموعد مشكوك فيه نظراً للانقسام الإسلامي – المسيحي الحادّ، وضعف حظوظ مرشّح “الثنائي الشيعي” سليمان فرنجيّة.
امتصّ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي عاصفة “عقارب الساعة”، في خضمّ مخاض رئاسي عسير واصطفافات طائفية غير مسبوقة
بالطبع سيتردّد رئيس مجلس النواب وشريكه الشيعي في تحديد موعد الجلسة قبل وضوح حال مرشّحه خشية تعرّض اسمه للاحتراق.
“عقارب” الزمن
يعيش البلد اليوم احتقاناً مذهبياً وطائفياً مردّه إلى الاختلاف على اتّباع التوقيت الصيفي أو الشتوي، وهو ما تسبّب بأزمة سياسية خطيرة وحادّة بين المسلمين والمسيحيين.
المسألة في الميزان المسيحي لم تعُد مسألة توقيت، بل هي مخاوف متراكمة تمّ التعبير عنها بالاعتراض على عقارب الساعة. أصل الخوف هو مشهديّة الفيديو بين الرئيسين برّي وميقاتي وهما يحسمان الأمر من دون العودة إلى مجلس الوزراء، صاحب المرجعية في إصدار قرارات حكومية. صارت الحساسية بالغة من أيّ تقارب أو اتفاق بين رئيسَي مجلس النواب والحكومة لأنّه يؤدّي إلى قرارات تُفرض على المسيحيين في غياب الرئيس المسيحي عن ترويكا الحكم.
بدأت الهواجس المسيحية تظهر بعد الاتفاق الإيراني – السعودي، أي الشيعي – السنّي، وانعكاساته على المنطقة وموقع المسيحيين فيها. قبله لم يهضم فريق من المسيحيين أن يفرض الثنائي الشيعي مرشّحاً رئاسياً ويدعو إلى فتح حوار بشأنه. وجاءت عقارب الساعة بمنزلة القشّة التي قصمت ظهر البعير. اعترض جبران باسيل، فتبعه جميع المسيحيين بمن فيهم رجال الدين والمدارس والمؤسّسات. واستدرك باسيل معلناً تكراراً رفضه التقسيم الذي تعمل لأجله جهات مسيحية أخرى في المحافل الدولية.
شكّل ما حصل ضرراً مباشراً على معركة سليمان فرنجيّة الرئاسية، لأنّ الاصطفاف المسيحي يقطع الطريق عليه رئاسياً. لم يعُد الموضوع الرئاسي مقتصراً على تحديد موعد جلسة الانتخاب، بقدر ما باتت الظروف غير ملائمة لانتخاب رئيس في الوقت الحاضر.
الثنائيّ وفرنجيّة
يسعى الثنائي الشيعي إلى تحسين وضع مرشّحه. وبواسطة الرئيس برّي تجري اتصالات ومشاورات بين التكتّلات النيابية. ينفتح كما الحزب على كلّ من يطرق الباب عارضاً برنامجه الانتخابي، من دون تخلّيه عن مرشّحه الأساسي الحليف. عدد من الشخصيات التي أُدرجت على لوائح المرشّحين زار الحزب مستفسراً عن إمكانية أن يكون أحدها على لوائح “الخطة باء” رئاسياً. لكنّ الحزب ينفتح على الاستماع ويرفض التحدّث عن “الخطة باء”.
يرى “الثنائيّ” في فرنجيّة مرشّحاً “قويّاً ومنفتحاً”، بغضّ النظر عن كلّ الملاحظات. فهو “يحظى بأكبر عدد من الأصوات النيابية”، و”أبواب بكركي لم تقفل في وجهه”. وخارجيّاً “لا فيتو أميركياً أو فرنسياً عليه”. أمّا السعودية التي ترفضه “فقد يعدّل وجهة نظرها توافق فرنسي – أميركي وضمانات معيّنة أو خطوات ملموسة من إيران. وهي تدرك أنّ عرقلة الاتفاق يجعل الوضع أكثر تعقيداً”.
المسألة في نظر الثنائي تحتاج إلى شهرين أو ثلاثة لتتّضح الرؤية. وهو ما يعني أنّ برّي لن يدعو إلى جلسة قبل وضوح معالم الاتفاق الإقليمي في شأن لبنان. وإلى حينه يبقى الملفّ الرئاسي عالقاً بين فكّي فريقين:
– الحزب وحلفائه المراهنين على انعكاسات الاتفاق السعودي – الإيراني، والذين يتمنّون أن تشمل التسوية الكبيرة في المنطقة انتخاب فرنجية.
– فريق ثانٍ يتشكّل من القوات والكتائب، يراهن على فشل الاتفاق الإيراني – السعودي الذي قد تتصدّى له أميركا. وانتعش رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع بزيارة السفير السعودي وليد البخاري له، الذي حضر مطمئناً إلى أن لا مستجدّات عدّلت في موقف بلاده من المرشّح الرئاسي. وكان لافتاً أنّ مساعدة وزير الخارجية الأميركي لم تشمل جعجع في جدول زياراتها. وتبرير ذلك عبّرت عنه مصادر مطّلعة على الموقف الأميركي، بالقول إنّ جعجع “متّهم أميركياً بتعكير صفو الاتفاق مع صندوق النقد الدولي”. ولم تشمل زيارات الدبلوماسية الأميركية البطريرك الماروني بشارة الراعي، بل اكتفت بلقاء نواب سُنّة، في إشارة إلى أنّ الملفّ لن يقتصر القرار فيه على السُّنّة.
غياب التغييريّين
بين الفريقين لا أمل يُرتجى من النواب التغييريين. فتوصيف التغييريين لم ينطبق على أصحابه نظراً إلى التباعد الذي يحكم العلاقات فيما بينهم. لا يلتقي نائبان منهم على رأي واحد في الموضوع الرئاسي. وقبل مدّة طرح أحدهم فكرة توحيد الموقف والتوافق على مرشّح واحد في جلسة الانتخاب المقبلة. لكنّ المحاولة باءت بفشل نواب تأثيرهم صفر على المسار الرئاسي ما دام لكلٍّ منهم طرحه وتطلّعاته السياسية المختلفة.
عدد من هؤلاء يتواصل خلف الكواليس مع الحزب وأحزاب سياسية أخرى للتنسيق بشأن الرئاسة، وشرطه أن يبقى تحرّكه خلف الجدران.
هي حالة انتظار يحاول خلالها كلّ فريق توظيف المعطيات لصالحه سياسياً. والعيون شاخصة باتّجاه الجلسة المقبلة لانتخاب رئيس جمهورية.
في هذا الوقت “العقارب” لدغت فرنجيّة، وقد تعرقل حركته ومساره.
غوى حلال- اساس