هل يفوز أردوغان مجددا في الانتخابات التركية؟
تستعد تركيا لتنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية في 15 أيار المقبل، في ظل ظروف استثنائية تشهدها البلاد بفعل تداعيات الزلزال المدمر والتضخم المرتفع، فضلاً عن أنها تأتي في لحظة تحوّلات عالمية كبيرة ليست أنقرة بعيدة منها. وتكاد تُعتبر أكثر استحقاقاتها الانتخابية أهمية منذ تأسيس الجمهورية قبل قرن، كونها تُشكل اختبارا صعبا للرئيس رجب طيب أردوغان لتتويج عقدين من حكمه بولاية رئاسية جديدة، حيث يواجه للمرة الأولى تحالفا يضم 6 أحزاب معارضة بينها حزبان كبيران، كما أنها ليست منافسة تقليدية بين ائتلافين -حاكم ومعارض- بقدر ما هي صراع على تحديد هوية تركيا في قرنها الثاني، إذ ان المعارضة التي تسعى لهزيمة أردوغان، لا تُريد الوصول إلى السلطة فحسب، بل تسعى لتغيير النظام السياسي وإدارة اقتصادية مختلفة جذريا عن إدارة أردوغان وتعد بتبني نهج مختلف كليا عنه في السياسة الخارجية. ومن أبرز المنافسين، مرشح الطاولة السداسية زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو. فما هي حظوظ أردوغان بالفوز؟.
المحلل السياسي الدكتور خالد العزي يؤكد لـ”المركزية” ان “اردوغان هو المرشح الأبرز لإعادة تولي الرئاسة، في حين ان المرشح الذي تبنّته المعارضة لن يكون له الحظ الأوفر، لأن الأغلبية داخل الطبقة السياسية التركية ما تزال ترى ان إردوغان، رغم أنه رئيس حزب “التنمية والعدالة” ذي التوجّه الإسلامي، شخصية وطنية قومية تحمل هموم تركيا، هو الذي وضع خطوطاً حمراء وجعل تركيا فوق أي اعتبار”.
ويضيف: “لكن في المقابل، هناك إشكاليات كبيرة تواجه إردوغان، أولها خارجية على مستوى العلاقة مع الناتو والولايات المتحدة الاميركية التي لا تزال بين مدّ وجزر نتيجة مواقف عدة، تطلبها تركيا من الاتحاد الاوروبي وفي طليعتها الكفّ عن دعم حزب العمال الكردستاني، الذي أصبح أداة ومصنفا سابقا على لائحة الارهاب، ومن باب ترتيب العلاقات مع الاوروبيين كي لا يكون هذا الحزب المطلوب تركيا والمنغمس في الدم التركي محميا اوروبيا من أجل حمل لواء القضية الكردية.
بالاضافة الى العلاقات المطلوب تطبيعها منذ الـ2016 يوم الانقلاب الفعلي ضد إردوغان، الذي استطاع ان يقبض على السلطة داخليا وطلب من الاميركيين ان يسلموه جماعة عبدالله غول المتهمين بالتآمر عليه والمتواجدين في السويد والولايات المتحدة، وبالتالي ساءت العلاقات كثيرا بينه وبين الولايات المتحدة وفُرِضت عليه عقوبات ومُنع من صفقات التسليح ومن الوصول الى طائرات الـF35 التي كانت تطمح إليها تركيا. ويعتبر إردوغان ان الاوروبيين تركوه في مواجهة الروس في البداية، إلى أن تمكّن من فتح العلاقات مع موسكو وأصبح يقيم توازنا على قاعدة ان تركيا هي الباب الذي تُرك للروس للتنفس من خلاله في ظل العقوبات والعلاقة السيئة مع الغرب”.
ويتابع: “كما ان إردوغان عانى من مشاكل عديدة على المستوى الاقليمي بالتدخل وفقا لوجهة رأي سابقة بأنه امتداد لنشر الثورة التي حصلت في الدول العربية وبناء علاقة مميزة مع الإخوان المسلمين، لكن هذا التوجّه وضع إردوغان في مواجهة جديدة مع العالم العربي والدول العربية مما ساهم لاحقا بتصفير مشاكل تركيا أكان للتضييق على مشاكل الإخوان أو على الجماعة المتطرفة التي تستخدم الأراضي التركية وتدخل الى سوريا والعراق وتصحيح العلاقات مع السعودية والامارات والتي توجِّت لاحقا بالزيارة المميزة لوزير الخارجية التركي الى مصر، وبالتالي سحب فتيل الأزمة من البلاد العربية والتي كانت طليعتها ليبيا والتدخلات ودعم جماعة الإخوان المسلمين”، مشيرا الى “ان سياسة تصفير المشاكل التي اعتمدها اردوغان أدّت في النهاية الى التفاف ودعم عربي مباشر، وقد رأينا في الانهيار الاقتصادي الأول ان الامارات العربية وضعت له وديعة اقتصادية كبرى وفي الزلزال كيف تعامل العرب وتم احتضان تركيا وارسال المساعدات وهناك وديعة سعودية كبيرة في تركيا”.
ويعتبر العزي ان “على الصعيد الداخلي، يعاني اردوغان من مشكلة مع الاكراد وتحديدا مع حزب العمال الكردستاني الذي يشكل تهديدا خطرا للأمن القومي التركي، ولهذا السبب حاول ان يبعد هذا الخطر نتيجة التفجيرات التي حصلت على الحدود السورية التركية واتهم فيها حزب العمال. والمشكلة الثانية تتعلق بالعلاقة مع النظام السوري، حيث المعارضة تحمل هذه الورقة وتحاول ان تواجه بها اردوغان، فقام اردوغان باستباق هذه القضية وأعرب عن استعداده للتطبيع وحصلت بينه وبين النظام السوري اجتماعات أمنية ولقاءات على امل ان يعقد جلسة بين اردوغان والرئيس السوري بشار الاسد، في محاولة لسحب ورقة الضغط عليه من قبل المعارضة”.
ويتابع: “النقطة الثالثة، العلاقة التي تمّ تصفيرها مع جماعة الاخوان وسحب إردوغان الملف من خلال الضغوطات وإبعاد الكثير من الشخصيات وإيقاف ثلاث محطات فضائية للإخوان في تركيا تبث برامج ناقدة ضد الخليج ومصر. والنقطة الرابعة، إصلاح العلاقات مباشرة مع مصر بما يخص ليبيا، وليس العلاقات الخارجية مع مصر وإنما بالتدخّل التركي الداخلي في دعم حكومة تستولي عليها مجموعة الإخوان ولا تزال تشكل تهديدا للأمن القومي العربي، ومن هنا التوافق على هذه النقاط قبل الذهاب الى الانتخابات.
إذا إردوغان يريد ان يصفر المشاكل مع الجوار والعالم، والذهاب الى الانتخابات بصفر مشاكل مع الجيران والدول الاخرى، وقد رأينا زيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الى تركيا حيث حصل اتفاق على العديد من النقاط ومن بينها التوغل التركي في جبال سنجار حيث يتواجد حزب العمال ويقوم بتنفيذ عمليات عسكرية ضد النظام التركي، وبالتالي المطلوب حسم هذه المسألة نهائيا من خلال قرار وتوافق داخلي عراقي كي يلتزم الاتراك في عدم التدخل في الشؤون السيادية الداخلية العراقية وهذا يعني رفع الغطاء عن حزب العمال الكردستاني الذي يشكل تهديدا للأمن القومي العراقي”.
ويعتبر العزي ان كل هذه الخطوات تتيح لإردوغان نسج علاقة جيدة مع الخارج. وربما زيارة وزير الخارجية التركي الى البيت الابيض والاتفاق على تزويد تركيا بطائرات F16 جديدة رغم ان تركيا لم توافق باعتبار ان هذه الطائرات أصبحت من عالم الماضي وهي تريد ان تبني صفقات جديدة باتفاقيات جديدة، تدلّ على ان اردوغان اصبح لاعبا مميزا. إضافة الى الدور المميز الذي لعبه اردوغان في عملية اتفاق الحبوب بين الامم المتحدة وروسيا واوكرانيا، والتي سمحت له بأن يكون لاعبا اقليميا وعلى المستوى الدولي في طرح مبادرات لحلّ أزمات، وهذا ما يسعى إليه من خلال الحياد الايجابي ومحاولة عدم الدخول في مواجهة لا مع روسيا ولا مع اوكرانيا وحافظ على العلاقة مع الطرفين”.
ويختم العزي: “يضاف الى كل ذلك، تعامل تركيا مع زلزال 6 شباط وكيف ساعدت الحكومة المصابين ووزعت المساعدات ووعد اردوغان الناخبين بإعادة ترميم كل ما تهدم خلال سنة وبتسليم كل عائلة محتاجة شقة، ما أعطى نظرة للشعب بأن هناك رئيسا ودولة ومؤسسات تعمل لمصلحة المواطن. كل هذه النقاط تساعد اردوغان للوصول الى خوض الانتخابات نتيجة انه صاحب خبرة طويلة وهو مرشح حزب اسلامي ولكنه لم يأخذها الى دولة اسلامية متطرفة بل لا تزال دولة قومية تحافظ على افكار كمال اتاتورك”.