انهيار اقتصادي وانتظار مميت لتحول إقليمي: لا استعداد للتنازل؟
يختبر لبنان واللبنانيون مجدداً سياسة النفس الطويل. نفس يكاد أن ينقطع بالمعنى المعيشي، لكنه يأبى في السياسة. بلغ حجم الانهيار مستويات خطرة جداً، فيما التساؤلات التي لا تجد أجوبة لها، تتعلق بما يعوّل عليه الساسة؟ وبكيفية التعايش مع هذا التدهور الكبير. لا أحد يبدو مستعداً للإقدام على خطوة سياسية جديدة أو مبادرة.
الأمس واليوم وغداً
الثنائي الشيعي على موقفه حتى الآن بتبني خيار سليمان فرنجية. والرهان على تحولات الإقليم لتنعكس على الواقع الداخلي. فيما خصوم فرنجية يجتمعون على رفضه، لكنهم يختلفون فيما بينهم على الخيارات البديلة. يتعزز موقف الثنائي الشيعي بتبني ترشيح فرنجية إنطلاقاً من وجهة نظر واضحة يعملان على تسويقها، مفادها أن تطورات المنطقة تصب في صالحهم. فبالأمس، كان الخلاف الإيراني السعودي مستفحلاً واليوم تبدلت الأحوال. وبالأمس، كان بشار الأسد منبوذاً واليوم تستمر المساعي لإعادة تعويمه والتطبيع معه. وبالتالي، فرفض سليمان فرنجية اليوم قد ينقلب قبولاً يوم غد. وهنا يراهن الحزب على تكرار تجربة ميشال عون.
ما يرتكز عليه الثنائي الشيعي أيضاً هو الموقف الفرنسي، والذي على ما يبدو أن التنسيق بين الجانبين على أشده، منذ لحظة الإعلان عن تبني ترشيح فرنجية ودعمه، إلى التسريب مجدداً أن الثنائي غير مستعد للتنازل عن خيار رئيس تيار المردة. فجاء توقيت التسريب بالتزامن مع انعقاد اجتماع باريس. وهو ما فهم بأنه إشارة دعم فرنسية لخيار الثنائي ورهان على تبدّل في الموقف السعودي. ينسى هؤلاء الديناميكية الداخلية القادرة على التعطيل، خصوصاً في ظل الموقف المسيحي المعارض لفرنجية.
لا استعداد للتنازل؟
في المقابل، يختلف الخصوم على تحديد البدائل. بعضهم يعتبر أنه لا بد من الذهاب إلى تسوية وسطية، مع اقتناعهم بأنه عندما يحين وقت الجدّ فإن حزب الله سيكون مستعداً للذهاب إلى تسوية وتوافق، لا سيما بعد اختبار ملف ترسيم الحدود والتفاوض غير المباشر الذي حصل بين الأميركيين وحزب الله. ما يعني أن هذا النوع من المفاوضات قابل لأن ينتج حلولاً. وهذا ما يمكن أن يتحقق في السياسة وفي الملف الرئاسي، خصوصاً في حال حصلت مفاوضات غير مباشرة بين المملكة العربية السعودية والحزب، قد تتولاها جهات داخلية أو خارجية.
على واقع هذا التأزم السياسي المستمر، أصبح من الواضح أن القوى المستحكمة غير مستعدة لتقديم تنازلات لمعالجة الأزمة. لا، بل ما يظهر هو التعمّد في تعميقها كل لمصلحة، فيما الغاية الوصول إلى إفلاس كامل وشراء ما تبقى من أصول وفق صيغة الأسهم. وهذا يفرض مزيداً من التدهور من دون أي ضوابط. وهذا يشير إلى الإقبال على جولة جديدة من الاهتراء والتحلل. ولكن هذا لا يمكن أن يمرّ من دون حصول انفجار أكبر، خصوصاً أن وتيرة الانهيار سريعة جداً، وهي قد تنتج انفجاراً أسرع مما هو متوقع.
لا يمتلك لبنان أي خيار غير الانتظار، في ظل انعدام القدرة على المبادرة الداخلية. تستمر مراقبة تداعيات التحولات الإقليمية والدولية، والتي حتى الآن يبقى لبنان فيها ذات دور هامشي وثانوي في مراحلها الأولية، وسيكون فقط متلقياً أو انعكاساً لنتائج سياسية على ساحات أخرى. من هنا تتجدد الرهانات بين أطراف يرى كل واحد منها أن تحولات الإقليم ستصب في صالحه وصالح رؤيته.
منير الربيع- المدن