تصريف الأعمال خارج سيطرة الفريق المُعارض: بنزين وتعويضات و”تجنيس” في جلسة الحكومة الخامسة
بالتزامن مع توجّه حكومة الرئيس نجيب ميقاتي إلى الانعقاد هذا الأسبوع في جلسة هي الخامسة لها في ظلّ غياب رئيس الجمهورية، أفرَجَت رئاسة الحكومة عن دراسة قانونية أعدّها الأمين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكيّة خلاصتها ما وَرَدَ في أحد عناوين الدراسة استناداً إلى الفقه الفرنسي: “إذا طال أمد الأزمة يمكن لحكومة تصريف الأعمال ممارسة نشاطها بشكل شبه عادي”.
ترتكز هذه الدراسة على أنّ “الفكرة التي لا تحتمل النقاش هي أنّ وجود السلطة التنفيذية أمر وجوبي لتسيير المرافق العامة، وبالتالي لا يجوز لهذه السلطة أن تستقيل من مهامّها تحت أيّ حجّة أو بذريعة المعنى الضيّق لتصريف الأعمال، وأنّ غيابها عن أداء دورها في بعض الحالات، لا سيما متى طالت فترة تصريف الأعمال، يعني إلحاق الشلل بالمرافق العامة وتعريض مصالح المواطنين للخطر”. هذا هو المنحى في التفسير الذي اعتمده مجلس شورى الدولة بموجب الرأي الاستشاري في تموز 2022.
اعتبر مكيّة أنّ “إخلال السلطة التنفيذية بالواجبات المترتّبة عليها يعرّضها رئيساً وأعضاءً للمساءلة الدستورية”.
يوضح مصدر مطّلع لـ “أساس” أنّ “التدعيم القانوني لمسار انعقاد حكومة تصريف الأعمال دورياً والتركيز على فكرة ضرورة انعقادها بشكل شبه عادي في حال طالت الأزمة القائمة يمهّدان لاجتماعات مقبلة لمجلس الوزراء قد تخرج عن إطار القرارات المرتبطة بالوضعين المالي والمعيشي نحو قرارات مفصلية قد تنتج عنها تعيينات مهمّة على رأسها تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان إذا جرى التوافق على الاسم”.
الجدير ذِكره أنّ هذه الدراسة هي الثانية للقاضي مكيّة بعد دراسة له نُشرت في أيلول 2022 قبل نحو شهر من نهاية ولاية ميشال عون الرئاسية تطرّق فيها إلى “حقّ حكومة تصريف الأعمال الحالية في تولّي مهمّات رئيس الجمهورية”، مشدّداً على أنّ “الفقه والاجتهادين اللبناني والفرنسي استقرّوا على اعتبار أنّ صلاحيات رئيس الجمهورية تُمارَس من قِبل مجلس الوزراء كهيئة جماعية، وباستطاعة المجلس المنوطة به صلاحيات الرئيس مؤقّتاً أن يُمارس دون أي قيد كلّ الصلاحيات التي يُمارسها دستورياً رئيس الجمهورية”.
وفق المعطيات صار التحكّم بانعقاد حكومة تصريف الأعمال تماماً خارج سيطرة الفريق المُعارض، خصوصاً الفريق المسيحي، وعلى رأسه التيار الوطني الحّر. بات التركيز أكبر على الحِراكين الخارجي والداخلي اللذين قد يُنتجان تسوية أو “ميني تسوية” تسمح بانتخاب رئيس للجمهورية إمّا لإدارة الأزمة أو لوضعِ أسس حلّها من ضمن سلّة متكاملة تمتدّ إلى رئاسة الحكومة التي باتت عودة ميقاتي إليها غير واردة.
لكنّ الجلسة المقبلة التي لم يتحدّد موعدها بعد يعترض انعقادها عدم إنجاز وزارة المال حتى الآن الدراسة التي كان يفترض أن تعدّها خليّة الأزمة في شأن البنود المؤجّلة من جلسة 27 شباط حول التعويضات لموظفي القطاع العام بما يراعي وضع المالية العامة، وما يجب أن يُصرَف من مساعدات وتعويضات إنتاجية و”ليترات بنزين” وبدل نقل.
وفق تأكيد مصادر “السراي” “هو البند الأهمّ على طاولة اجتماع مجلس الوزراء المقبل”، فيما يشير مطّلعون إلى عجز وزارة المال عن تأمين التمويل اللازم لسلسلة مطالب القطاع العام الذي إن وُجِدَ فسيتبخّر تلقائياً بسبب التدهور المخيف في قيمة العملة الوطنية.
إضافة إلى الملف التربوي الذي يضغط حزب الله باتّجاه حلّه مع دعوة كتلة الوفاء للمقاومة قبل أيام “الحكومة المستقيلة إلى الوفاء بالتزاماتها مع المعلّمين والأساتذة في التعليم الرسمي”، يُتوقّع أن تُصدر الحكومة قراراً في شأن منح الجنسية اللبنانية للّاعب الأميركي عمري سبيلمان ليتمكّن من المشاركة مع منتخب لبنان في مباريات بطولة العالم لكرة السلّة.
كان لافتاً في هذا السياق ذكر القاضي مكيّة في دراسته تحت عنوان “الظروف تتحكّم بتحديد نطاق تصريف الأعمال في حالة الفراغ الرئاسي” أنّ “إصدار مرسوم منح جنسية للاعب أجنبي لا يُعتبر من الأمور الملحّة والطارئة لكنّها تُصبِح حاجة ضرورية وملحّة عندما يرتبط إعطاء الجنسية بتعزيز صفوف المنتخب اللبناني والإجازة له بالمشاركة في حدث رياضي عالمي بعد بلوغه نهائيات كأس العالم”.
يشير هذا التدليل إلى حلّ إشكالية السماح للّاعب الأميركي سبيلمان باللعب ضمن المنتخب اللبناني في مباريات كأس العالم.
المُفارقة هنا أنّ رئيس لجنة الشباب والرياضة النائب العوني سيمون أبي رميا الذي يُقاطع فريقه السياسي اجتماعات الحكومة تحدّث عن “نقاش حصل بين وزير الداخلية والرئيس ميقاتي من أجل بلورة أفكار لا تعتمد مسار صدور مرسوم منح الجنسية ولا تتخطّى صلاحيات رئاسة الجمهورية”. هذا الأمر لا يتمّ عملياً إلّا من خلال انعقاد مجلس الوزراء.
إلى ذلك عَلِم “أساس” أنّ “فتوى” وزارة الداخلية تقضي بصدور قرار عن مجلس الوزراء “باعتبار اللاعب عمري سبيلمان “مقبولاً” في الجنسية اللبنانية بما يجيز مشاركته في بطولة كأس العالم لكرة السلّة”، وبالتالي تجنّب صدور مرسوم يمنحه الجنسية شبيه بالمراسيم التي تصدرها حكومة ميقاتي نيابة عن رئيس الجمهورية.
في هذا السياق كانت دراسة القاضي مكيّة الأولى حول ممارسة حكومة تصريف الأعمال صلاحيات رئيس الجمهورية قد عالجت هذه النقطة الحسّاسة لناحية الصلاحيات اللصيقة برئيس الجمهورية كإصدار مراسيم منح الجنسية، مؤكّدةً استناداً إلى مشرّعين فرنسيّين ولبنانيين أن “لا تمييز حيث لم يميّز المشرّع”، وبالتالي لا شيء اسمه صلاحيات لصيقة برئيس الجمهورية حين تقتضي الضرورة بتّ أيّ موضوع ملحّ وطارئ وله فائدة وطنية.
ينطبق عدم إصدار حكومة ميقاتي مرسوم منح جنسية لسبيلمان على الملفّ العالق في شأن توقيع رئيس الحكومة مراسيم استعادة الجنسية، حيث لا تجاوب مع مطلب النائب جبران باسيل الذي أظهر “ممانعة ميقاتي توقيع مراسيم 565 من طالبي استعادة الجنسية اللبنانية كون أكثريتهم من المسيحيين”، قائلاً: “ليوقّع المراسيم دفعة واحدة مش واحد واحد لابتزازنا سياسياً. المراسيم إعلانية فقط وهذا حقّهم وليوقّع بلا طائفية”.
ملاك عقيل -اساس