النّظام السّوري لن يقطف ثمار “اتّفاق بكين”… لهذه الأسباب!
لن يستطيع النظام السوري أن يقطف ثمار أيّ تغييرات إقليمية، بما فيها إمكان تطوّر “اتفاق بكين” إلى مصالحة شاملة بين المملكة العربيّة السعودية والجمهوريّة الإسلاميّة في إيران، في غضون الشهرين المقبلين.
والنظام السوري، خلافًا لوضعية الأنظمة الأخرى في المنطقة، لا يترأس دولة حقيقيّة، فسوريا، في الواقع، أصبحت مجموعة أقاليم موزّعة الولاءات، فهنا الروسي والإيراني وميليشياتهما، وهناك التركي وهنالك الأميركي، فيما الشعب السوري أصبح شعوبًا، فهذه فئة مقيمة وتلك فئة نازحة وتيك مهاجرة.
وأظهر النظام السوري عجزه عن حلّ المشكلات التي أنشأها بلجوئه إلى “الخيار القاتل”، فالمجتمع الدولي لن يقبل به إذا لم يلتزم بمندرجات القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، وهو لن يستطيع الاستمرار، إذا نفّذ هذا القرار الذي من شأنه تغيير طبيعته، بنقله من وضعية “الطغيان الفردي” إلى وضعية “المشاركة المتوازنة”.
بطبيعة الحال، وفّرت إيران فروسيا مقوّمات استمراريّة النظام السوري، وتواصلت دول عربيّة مع هذا النظام، لكنّ شيئاً لن يتغيّر إذا بقيت مواقف الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي منه على ما هي عليه.
وهنا تكمن أهميّة البيان الأميركي-الأوروبي الذي صدر، مساء الخميس الأخير، في الذكرى السنويّة الثانية عشرة لاندلاع الثورة السوريّة، إذ كان التركيز على رفض التطبيع مع النظام السوري، في مقابل الإصرار على وجوب محاكمته على جرائم الحرب والمعادية للإنسانيّة التي ارتكبها.
ووفق مصادر دبلوماسيّة أوروبيّة، فإنّ هذا البيان الذي أصبح محطة مراجعة سنويّة للموقف الغربي من النظام السوري، ليس موجّهًا إلى بشّار الأسد بل إلى الدول التي تحاول تغيير الرؤية الغربيّة إلى نظام لم يُمعن في قتل شعبه بأساليب يندى لها جبين الإنسانيّة فحسب، بل أصبح، بسبب “انعدامه المعنوي”، مجرّد رجع صدى لروسيا التي “تريد الهيمنة على أوروبا من خلال محاولة إزالة أوكرانيا من خريطة التأثير الاستراتيجي”، أيضًا.
وهذا يعني أنّ الموقف الغربي من النظام السوري أصبح أكثر تشدّدًا بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، لأنّه مجرّد امتداد لروسيا، فهو على هذا المستوى لا يتمتع بمرتبة الحليف، كما هو عليه موقع الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران، بل هو، بكل ما تعني الكلمة، مجرد رجع صدى للكرملين.
وإذا كانت الدول العربيّة تتطلّع، من خلال توجّه الانفتاح على سوريا، إلى وقف تمدّد النفوذ الإيراني فيها، فإنّ الدول الغربيّة تعتبر أنّ انفتاحًا مماثلًا سوف يُعزّز النفوذ الروسي.
وتأسيسًا على ذلك، فإنّ “اتفاق بكين” يمكن أن يكون مفيدًا لدول كثيرة باستثناء النظام السوري، ففي اليمن ولبنان والعراق وغيرها من الدول ليس هناك تناقض عربي _ غربي، فيما في الموضوع السوري فهذا التناقض، إذا تقرّر الذهاب بالانفتاح على النظام السوري إلى مستويات تنفيذية، كبير للغاية.
وثمّة قناعة غربيّة، مبنيّة على معطيات وأدلة، بأنّ النظام السوري لا يريد في الواقع حلّ أيّ مشكلة تسبّب بها للإقليم، فهو، مثلًا، على مستوى النازحين السوريّين الذين يثيرون قلق الأوروبيّين باعتبارهم أحد مكوّنات ملف الهجرة، يرفض عودتهم، لأسباب كثيرة، إذ يفضل أن يكونوا عبئًا على الآخرين بدل أن يصبحوا عبئًا عليه.
ويقول دبلوماسيّون أوروبيّون معنيّون بملف النازحين السوريّين إنّ النظام السوري يستعمل هذا الملف، في سياق حملة منسقة مع روسيا، من أجل تحويل الدول الواقعة تحت عبء هذا النزوح، إلى جهاز دعائي ضد العقوبات الأميركية والأوروبيّة المفروضة على النظام، وهو، حتى لو حصل على “مبتغاه المستحيل”، لن يعيد هؤلاء إلى مناطقهم، بل سيكتفي بإعادة بعض الذين لا تنطبق عليهم أساسًا صفة لاجئين.
وعليه، فإنّ النظام السوري يمكن أن يستمر بفعل ما توفّرة روسيا وإيران له، ولكن لا يمكنه أن يحيا!
فارس خشان-النهار العربي