اجتماع باريس: “محاولاتكم “مكشوفة” برعاية رجل أعمال… لا مقايضات ولا فرنجيّة!
أوحى كثيرون بأنّ متغيّراً أساسياً سيحصل في موقف المملكة العربية السعودية بعد تقاربها مع إيران برعاية صينية، وأوحى كثيرون بأنّ هذا المتغيّر سيبدو في موقف المملكة في اجتماع باريس الأخير، إلا أنّ شيئاً من هذه التحليلات أو التمنّيات لم يحصل لأنّ السعودية ثابتة في موقفها، لا بل قفزت خطوة إلى الأمام باتجاه تشريح الموقف الفرنسي ومواجهة محاولة التسلّل المكشوفة بنظرها.
لا مرشّح معلناً لرئاسة الجمهورية لدى السعودية، لكنّ موقفها الثابت يدعو إلى عدم الالتفاف على الثوابت التي تمّ تحديدها سابقاً في اجتماع نيويورك الثلاثي بينها وبين الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا، ثمّ في الاجتماعات الثلاثية اللاحقة والخماسية مروراً بورقة الكويت وبالاتفاق السعودي الصيني يوم زار الرئيس الصيني الرياض. ليست خلاصة هذه الاجتماعات مصادفات متكرّرة، بل هي تعبّر عن رؤية المملكة العربية السعودية للوضع في المنطقة، ولبنان بطبيعة الحال.
آخر الاجتماعات حصل بين المملكة وفرنسا في باريس على بعد أيام من وصول مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف. في الاجتماع كشف الطرفان أوراقهما في حوار صريح ومفتوح، بين نزار العلولا، المستشار في الديوان الملكي السعودي، ونظيره باتريك دوريل، مستشار الرئيس إيمانويل ماكرون لشؤون الشرق الأوسط في قصر الإليزيه، بعد زيارة رسمية قام بها الأمير فيصل بن فرحان، وزير الخارجية السعودي إلى باريس يوم الإثنين الماضي، والتقى خلالها وزيرة الخارجية كاترين كولونا. وبالتالي هو جزء من التنسيق الفرنسي – السعودي حول ملفات كثيرة، أبرزها لبنان.
السعوديّون للفرنسيّين: لا يعنينا تسويقكم للمقايضة
وصفت مصادر واكبت الاجتماع بأنّه كان “صاخباً”، نتيجة قيام الجانب السعودي بكشف ملاحظاته أمام المسؤولين الفرنسيين حول الماكينة الإعلامية التي يديرها رجل أعمال لبناني مقرّب من فرنجية، وتشمل منابر مختلفة إعلامية وسياسية، قامت خلال الأسابيع الماضية بشنّ حملة مركّزة كان هدفها تسويق مرشّح “الثنائي” حزب الله وحركة أمل، رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية.
في النقاش كان كلام صريح عن سعي رجل الأعمال إلى التأثير في مواقع القرار الفرنسية في الإليزيه انطلاقاً من نفوذه وعمله مع شركات النفط الفرنسية.
كان كلام الجانب السعودي واضحاً، وقد عبّر عن ملاحظات شديدة اللهجة إزاء ما اعتبره محاولات هذه الماكينة “التأثير على نواب في البرلمان للتصويت لفرنجية”، معتبراً أنّ هذه المحاولات “مكشوفة” ولن تنطلي عليه لجرّه إلى الموافقة على أيّ مخرج للرئاسة اللبنانية لا ينطلق من خلاصة المواصفات التي حدّدها أوّلاً اللقاء الثلاثي في نيويورك في أيلول الماضي، ثمّ الاجتماعات الأخرى الخاصة بلبنان. وأهمّ ما في خلاصة هذه الاجتماعات ضرورة انتخاب رئيس من خارج المنظومة السياسية اللبنانية، على أن يقود مساراً إصلاحياً هو وحده السبيل إلى عودة الانفتاح العربي الخليجي والدولي على لبنان.
من جهة أخرى، قدّم الجانب الفرنسي نتائج اتصالات السفيرة الفرنسية في بيروت وفريق عملها الدبلوماسي، واقترح خيارات تسووية ضمن إطار المحاولات الفرنسية للدفع باتجاه إجراء تسوية ليست بالضرورة ضمن المواصفات التي تحدّث عنها الجانب السعودي في كلّ المحطات الخاصة بلبنان.
بحسب معلومات “أساس”، كان “الثنائي الشيعي” قد عرض هذه المقترحات سابقاً أمام السفيرة الفرنسية في بيروت، وطلب منها أن تقوم بتسويقها لدى الجانب السعودي. إلا أنّ الجواب السعودي كان واضحاً، إذ أوضح أنّ المسألة ليست مبارزة مالية ولا سياسية مع أحد، وأنّ الموقف السعودي الحاسم من بعض الأسماء المطروحة، وفي مقدّمها فرنجية، “ينطلق من أنّ اللبنانيين بحاجة إلى مساعدة صادقة لإخراجهم من حالة الانهيار الكارثي الذي أوصلتهم إليه المنظومة الحالية، احتراماً للبنانيين، من دون السعي إلى كسب نفوذ سياسي في لبنان أو مع جهات في المنطقة على حساب حياة اللبنانيين ومستقبلهم”.
علاقة باريس مع فرنجيّة برعاية رجل أعمال
منذ أشهر، وتحديداً في الخريف الماضي، كتبنا في موقع “أساس” عن لقاء جمع فرنجية بماكرون. يومها سارعت أوساط بنشعي إلى نفي الخبر. ثمّ نفاه فرنجية نفسه في مقابلة تلفزيونية.
بعد أشهر من ذلك المقال، وقبل حوالي أسبوعين، نشرت الزميلة صحيفة “الأخبار” خبراً عن لقاء ماكرون بفرنجية منذ أشهر، مع علامة استفهام.
ليس الخبر بعيداً عن الواقع. في معلومات “أساس” أنّ رجل الأعمال نفسه، المعروف أنّه مقرّب من فرنجية، يحاول منذ أشهر تقريب وجهات النظر بين الأخير وباريس، فعمل على ترتيب اجتماع فرنجية بماكرون. إلا أنّ الاجتماع لم يؤدِّ إلى أيّ نتيجة إيجابية عملية يومها.
استُكمل المسعى مع باريس، واقترح “الثنائي” على السفيرة الفرنسية القيام بالمسعى مع الطرف السعودي. وهكذا حصل.
هكذا انفرد الفرنسي، بعيداً عن السعودي والأميركي، بالمسعى الذي قام به من أجل فرنجية، قبل أن يصطدم برفض قاطع وثابت من السعوديين أولاً، والأميركيين ثانياً.
في المعلومات أيضاً أنّ تواصلاً مع الجانب الأميركي حصل بعد انتهاء الاجتماع بين الجانبين السعودي والفرنسي لإطلاعه على النتائج، فسجّل الجانب الأميركي موافقته على المقاربة السعودية.
لا يختلف المطّلعون على الشأن العام في أنّ الرئاسة اللبنانية دخلت مرحلة البحث عن اسم ثالث غير فرنجية ومعوّض.
متى يصبح الاسم الثالث جاهزاً؟
إنّها مسألة وقت فقط.
لكن لا خيار أمام اللبنانيين إلا الاعتراف بأنّ فشل أدائهم في السلطة أوصل البلاد إلى الإفلاس، وأيّ رئيس لا يتمتّع بمواصفات الاجتماعات الدولية الخاصة بلبنان لن يستطيع تغيير مسار الانهيار في البلاد.
جوزفين ديب- اساس