الاتفاق السعودي – الإيراني: ملفات تتعين مراقبتها عن قرب

من السابق لأوانه استكشاف جميع جوانب الاتفاق السعودي – الإيراني الذي وقّع في العاصمة الصينية بكين. فالبيان الثلاثي المشترك يتحدث باقتضاب عن ثلاثة عناوين رئيسية للاتفاق الذي يبدو في ظاهره ثنائياً، في حين أنه أوسع من ذلك بكثير، ويتجاوز الإطار الثنائي لأنه يتناول ملفات عدة يصطدم فيها المشروع الإيراني الإقليمي بالموقف العربي الذي تمثله بشكل عام المملكة العربية السعودية وشريكاتها في مجلس التعاون الخليجي. ولذلك لا يمكن استباق الأمور والجزم بالتفاصيل منذ الآن. من هنا لا بد أولاً من مراقبة دقيقة للملف اليمني لأنه سيكون أولى الساحات التي يمكن فيها تلمّس أي تطور في العلاقات بين الرياض وطهران. وإذا كانت ثمة رغبة إيرانية بالتقرب من الرياض فالبوابة ستكون اليمن، من خلال الإسراع بتجديد الهدنة لمدة عام، وربطها بمسار سياسي لحل الأزمة بمشاركة جميع القوى المعنية في اليمن وخارجه، والتحضير لانتخابات تشريعية ورئاسية ضمن فترة معقولة. هكذا تطور يمكن أن يشكل أساس اتفاق سلام طويل الأمد بين اليمنيين وبمشاركة من المرجعيتين الإقليميتين للأفرقاء.

وإذا كان نص البيان الثلاثي الموقع في بكين يتحدث عن “عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول” و “احترام سيادة الدول” فإن المعني بالأمر ليس السعودية نفسها بل دول المنطقة بأسرها، وإيران بالتحديد هي الطرف المشكو منه على الصعيد المشار اليه. فالسعودية لا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول وتحترم سيادتها. أما تدخلها على رأس التحالف العربي فمرده الانقلاب الإيراني الذي حصل عام 2014 في اليمن عبر جماعة الحوثيين، وكان الهدف منه محاصرة السعودية والافتئات على أمنها القومي من الخاصرة الرخوة في اليمن.

الملف الثاني الذي يمكّن من تلمّس التطور في الموقف الإيراني بما يعكس رغبة في التقرب من السعودية هو ملف الأمن القومي لدول مجلس التعاون الخليجي، لا سيما مملكة البحرين التي تتعرض باستمرار لاستهداف منهجي إيراني عبر أدواته في الداخل. والبحرين خاصرة استراتيجية للسعودية لا يمكن التهاون بأمنها القومي مهما حصل. إنها البوابة الشرقية للمملكة.

الملف الثالث الذي تجب مراقبته على الرغم من كونه غير مرئي لمعظم المراقبين، فهو الضمانات الإيرانية على مستوى البرنامج الصاروخي وبرنامج الطائرات المسيّرة اللذين يمثلان تهديداً وجودياً لجميع دول الخليج. وقد يتم الاتفاق على آليات إنذار ومراقبة بين البلدين كي لا يحصل “خطأ” من خلال استهداف منشآت حيوية من هنا وهناك فلا يتكرر اعتداء شبيه بالاعتداء بالطائرات المسيّرة المفخخة على منشآت “أرامكو” عام 2019، فضلاً عن مئات الاعتداءات على المدن والمنشآت المدنية والاقتصادية السعودية التي أدارتها طهران على مدى أعوام، قبل أن تسهدف أيضاً عاصمة دولة الإمارات أبوظبي بالأسلوب عينه.

اما الملف الرابع الذي يمكن أن يعكس تطوراً إيجابياً في الموقف الإيراني تجاه العالم العربي، فهو الساحة اللبنانية حيث أن قيام طهران بـ”تشجيع” ذراعها المحلية أي “حزب الله” على إطلاق سراح العملية السياسية في لبنان من خلال القبول بوصول رئيس جديد للجمهورية من خارج اصطفاف ما يسمى بـ”محور المقاومة”. هذا يعني سحب المرشح الحالي للحزب المذكور، وفتح الطريق أمام وصول شخصية مستقلة تماماً عنه. فالسعودية لن تكون جزءاً من مشروع مساعدة لبنان على النهوض ما دام لبنان ودولته تحت هيمنة “حزب الله”. هنا أمام طهران فرصة لكي تظهر أنها مستعدة لإفساح المجال أمام لبنان لكي يلتقط أنفاسه من جديد ضمن الحاضنة العربية.

في مطلق الأحوال، ما يهم المراقب اليوم هو انتظار الإشارت التي ستصدر عن الطرفين، لا سيما عن الطرف الإيراني الذي مثل ويمثل أساس انعدام الاستقرار في المنطقة، فهل تكون المنطقة على موعد مع تغيير حقيقي في المقاربة الإيرانية لمشروعها الإقليمي؟ أم أن جناحاً ضمن النظام العميق سيجهض الاتفاق على الرغم من كون الصين طرفاً ضامناً ولها وزنها في المعادلة الإيرانية بشكل محدد.

علي حماده- النهار العربي

مقالات ذات صلة