التوافق الاقليمي لن ينتج رئيساً… في المدى القريب!
على الرغم من أن الاتفاق السعودي – الايراني الذي تم برعاية صينية يعتبر تطوراً بارزاً بجميع المقاييس لأنه إذا صحت النيات الايرانية على الأقل، سوف ينتج استقراراً مطلوباً في المنطقة ويوفر مناخاً هادئاً لمعالجة الأزمات المتشعبة فيها، غير أن ما هو واضح وفقاً لمصادر نيابية لن ينعكس إيجاباً على انتخابات الرئاسة اللبنانية التي لن تتضح معالمها النهائية قبل الولوج في حوار داخلي جدي.
وتعتبر المصادر أنه على الرغم من أن الاتفاق السعودي – الايراني كان ولا يزال حاجة ملحة لتأمين الاستقرار في المنطقة، إلا أن مهلة الشهرين التي حددت قبل إتمام عودة السفراء بين البلدين هو للتأكد مما إذا كانت إيران جادة في التراجع عن تحقيق أحلامها التوسعية عبر أذرعتها العسكرية بدءاً من اليمن مروراً بالعراق وسوريا فلبنان، أو أنها ستعمد إلى استغلال هذه الفترة لتقطيع الوقت وتحقيق أهدافها المعلنة وغير المعلنة.
أما بالنسبة الى لبنان، فعلى الرغم من كل التحليلات والتوقعات المرتبطة بهذا الاتفاق، أكدت المصادر لموقع “لبنان الكبير” أن الانتخابات الرئاسية ليست مرتبطة بهذا التوافق إطلاقاً وهو ما عبّر عنه وزير الخارجية السعودي الذي قال إن لبنان بحاجة إلى توافق داخلي قبل التوافق الاقليمي.
وقاعدة التوافق الداخلي كما بات معلوماً هي الحوار الذي كان قد دعا إليه أولاً الرئيس نبيه بري ورفضته أكبر كتلتين مسيحيتين، ما دفع رئيس المجلس النيابي إلى التراجع عن دعوته لأن الحوار يكون بين مختلفين وليس بين الفريق نفسه، فإذا كانت “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر” معارضين للحوار فما الجدوى منه؟
ولأن الحوار المطلوب يتعلق بموقع الرئاسة الأولى المعقودة اللواء لأبناء الطائفة المارونية، وجد البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي نفسه تحت ضغط سياسي وشعبي يطالبه بجمع الفرقاء الموارنة المعنيين بالرئاسة فجوبهت دعوته بالرفض، لكن بطريرك أنطاكية وسائر المشرق لم ييأس فجدد مبادرته عبر تكليف راعي أبرشية أنطلياس المارونية المطران أنطوان بو نجم الذي يقوم بزيارات مكوكية الى أقطاب الطائفة في محاولة لاقناعهم بالقبول بالحوار تحت سقف بكركي.
كما لم يوفر رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط جهداً في محاولة لتقريب وجهات النظر بين الفريقين المتواجهين في مسألة الانتخابات الرئاسية فكانت دعوته الى الحوار الداخلي أيضاً، طارحاً ما يمكن تسميته مبادرة الخروج من الاصطفافات العمودية من خلال تسمية ثلاثة مرشحين للرئاسة وإعلانه انفتاحه على البحث في أية أسماء أخرى.
وتصف المصادر التوافق السعودي – الايراني بأنه تطور مهم ستكون له تردداته الايجابية حتماً أو أنه سيحمل في طياته انقلاباً في المواقف قد يزيد من الأمور تعقيداً، على الرغم من أن الدول الكبرى سارعت إلى الترحيب به من البيت الأبيض إلى الاتحاد الأوروبي لكنها تشدد على ضرورة مراقبة دولة العدو الاسرائيلي المتضررة من مثل هذا التوافق.
وتشير المصادر إلى أن الوضع الاسرائيلي الداخلي المضطرب والذي لم يسبق أن مر به الكيان الصهيوني منذ قيامه قد يدفع رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو إلى المغامرة العسكرية سواء في قطاع غزة أو باتجاه لبنان أو حتى المغامرة بقصف إيران لتخفيف الضغط عنه وعن حكومته وهذا ما لن يكون لصالح الاستقرار الاقليمي المنشود.
وتختصر المصادر الوضع اللبناني الداخلي بأنه أصبح واضحاً أن الانتخابات النيابية الأخيرة التي لم تفرز أكثرية واضحة، تجعل من إمكان أن يفرض فريق مرشحه الرئاسي ويتمكن من العبور به إلى قصر بعبدا ضرباً من المستحيلات، وأن الحوار وحده الكفيل بالتوافق على اسم لا يشكل استفزازاً أو تحدياً لأي من الفريقين، وهذا هو الحل الوحيد لانتخاب رئيس عتيد يضع اللبنة الأولى لاستعادة انتظام عمل المؤسسات الدستورية على أن يشكل مع الحكومة الأولى في عهده فريق عمل يعمل على انتشال لبنان من قعر الهاوية التي يقبع فيها.
وتعتقد المصادر أن الأسماء المتداولة حالياً لم تعد تملك الحظوظ الوافية للوصول إلى بعبدا، فاسم النائب ميشال معوض لم يكن مقبولاً لدى الثنائي الشيعي الذي يعتبره مرشح تحدٍ، بينما لا يعتبر الفريق السيادي اسم رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية مقبولاً لا بل مرفوض على اعتبار أنه يشكل استمراراً لهيمنة “حزب الله” ونفوذه على الساحة السياسية، ثم أن رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل يرفض البحث في أي من الأسماء المطروحة وخصوصاً اسم قائد الجيش العماد جوزيف عون.
وبينما يحاول الثنائي الشيعي الترويج لاسم فرنجية على اعتبار أنه كان مطروحاً للرئاسة في العام 2004 قبل التجديد للرئيس اميل لحود، ثم تم التداول به مرشحاً في العام 2014 قبل تعطيل البلد سنتين ونيف لانتخاب العماد ميشال عون، فإن بري يصر على أن فرنجية قادر على حلّ معضلتين رئيستين على الأقل هما مسألة النازحين السوريين ومسألة ترسيم الحدود البرية والبحرية مع سوريا، وهما مطلبان محليان ودوليان أفضل من يستطيع أن يحلهما هو فرنجية لصلاته المعروفة مع الرئيس السوري.
وتختم المصادر مطالعتها بأن الحوار الداخلي وحده الكفيل بتسريع عجلة عقد جلسة انتخابات رئاسية، وأن التوافق الاقليمي عامل مهم لكن تطبيقه على الساحة الداخلية ليس بالقدر الذي يراهن عليه البعض في الداخل وهو بالتأكيد لن ينتج رئيساً في المدى القريب على الأقل.
صلاح تقي الدين