ملفّات ثقيلة بانتظار فرنجية «إن أتى»: هل يتحـوّل “الصيّاد” إلى “طريدة”؟
ماذا لو أصبح سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية؟ سؤال مشروع. الحياة السياسية مفتوحة على احتمالات كثيرة وخياراتها تخضع لتبدّل موزاين القوى المحلية والاقيلمية، وتموضع أطرافها أو بعضها في اللحظات الأخيرة. من كان يظنّ أن العماد ميشال عون سيكون الرئيس الـ13 بعد الإستقلال عن عمرٍ ناهز الواحد والثمانين؟ القصور تسحر الكثيرين، والموارنة «مأخوذون» ببعبدا. لكن الدخول إلى القصور من نصيب القليلين. أما الذين خرجوا من دهاليزها مُعافين فهم من المحظوظين النادرين. السلطة قوّة جذب وتهشيم في آن. علامات العهد تُلاحق «أصحاب الفخامات» حتى لو صاروا من السابقين، فمساحة تخزين التاريخ ونقلها إلى الأجيال باتت على مقياس MEGA.
يرتكز العلم السياسي في أحد جوانبه المتعلّق بالسلطة، على شخصية صانع القرار، أي كلّ ما يرتبط بأفكاره وتصوّراته، إضافة إلى مزاياه وقدرته على اتخاذ القرارات وكيفيّة ممارسة السلطة.
بعيداً عن حظوظ فرنجية الرئاسية ومواقفه السياسية وخياراته الإستراتيجية، يبقى تحديد نقاط القوّة والضعف لأي مسؤول سياسيّ، مطلوب. وفي المقارنة بين العهود تتضح العيوب والمآثر. وفي حال وصول فرنجية إلى بعبدا، يكون كرسيها قد شهد للمرّة الثانية على التوالي تربّع أحد أقطاب المورانة الأربعة على عرشها. إذ منذ الطائف كان الوافدون إلى المركز الأول في الدولة، من الصفوف الثانية أو الوسطية. مع الإشارة إلى أنّ تصنيف القطبية يخضع لإشكالية التعريف، استناداً إلى تفاوت القواعد الشعبية وما أظهرته الإنتخابات النيابية الأخيرة على الساحة المسيحية.
فما المعيار المعتمد لـ»تزعيم» هذا السياسي أو ذاك؟ أهي القوّة الجماهيرية أم التحالفات والمواقف السياسيّة أم التوريث العائلي؟ فكتلة «تيار المرده» مكوّنة من أربعة نواب، الأوّل أصيل (طوني فرنجية) والثاني «بين بين» (وليم طوق)، والثالث «على الضفّة» (فريد الخازن)… والرابع «مستعار» (ميشال المر). بينما لو تمّ تدعيم كتلة «الأحرار» المؤلّفة من النائب كميل دوري شمعون بنائبين أو ثلاثة على غرار «المرده»، هل كان سينطبق معيار «القطبية» على شمعون وهو حفيد أبرز القادة اللبنانيين في تاريخهم المعاصر كميل شمعون؟
وفي سياق المقارنة بين «عَينيّ» أمين عام «حزب الله» السيّد حسن نصر الله، لَعب عُمر عون دوراً سلبيّاً في قدرته على التحكّم وإدارة شؤون القصر والبشر. أمّا فرنجية (مواليد 1965)، فليس بحاجة إلى سندة صهر يَتّكئ عليها ذهنيّاً ومعنويّاً وعمليّاً. وعندما سئل الأخير في إحدى مقابلاته التلفزيونية قبل ثلاثة أيام من انتخاب عون، عمّا «إذا كان جبران باسيل سيكون رئيس الظلّ»، أجاب ممازحاً «هو أم الجنرال سيكون رئيس الظلّ؟». ربّما سيكون رئيس «تيّار المرده» مُحرّراً «إن أتى» من الأصهر وصراعاتهم. لكن ماذا عن الإبن؟ سؤال يطرح.
حاشية الفخامة
لكلّ رئيس حاشيته. تاريخ لبنان غنيٌّ بتسلّم أقارب الرؤساء مفاتيح القصر. فعلى سبيل المثال، كان سليم، شقيق بشارة الخوري، الرجل الأقوى في عهد «رجل الإستقلال» حتّى لُقّب بـ»السلطان سليم» وكانت له اليد الطولى في أدقّ تفاصيل الجمهورية الناشئة وما نتج عنها من فساد «الأخ». وفي عهد «سليمان الجدّ»، لم يكتف نجله طوني بمقعد نيابي، بل عُيّن وزيراً لثلاث مرّات في عهد أبيه. فهل ينال إبن «سليمان الحفيد» نصيب جدّه في الوزارة؟ أم يكسر رئيس «المرده» أعراف العائلات السياسية؟ سؤال بمحلّه.
وفي زمن الياس الهراوي، أسندت وزارة الخارجية إلى صهره الوزير فارس بويز. من بعده، أتى إميل لحّود من دون أن ينسى وريثه «الجونيور» إميل لحود، وتسخير أجهزة الدولة ودوائر القصر لدخوله الندوة البرلمانية. وفي العهد الأخير، برز «سلطان جديد» في كنف الرئاسة. لكن بدل سليم، كان باسيل الذي ضرب بسيفه الأقربين قبل الأبعدين. لم يسلم منه لا فريق عمل الرئيس، ولا عائلته. فحلّت الإستقالات والصراعات.
ما يؤخذ على فرنجية أنّ قوّته في تحالفاته وليست في شعبيته المسيحية المحصورة شمالاً على عكس عون. كما أن «سليمان الجدّ» قد حصل على دعم «الحلف الثلاثي» المسيحي الأقوى (الكتائب، الأحرار والكتلة الوطنية) في الوصول إلى بعبدا. بينما الحفيد يتّكل على قوّة «الثنائي الشيعي» ما يجعله مجرّداً من الحاضنة المسيحية.
و»البيك» هو شريك أساسي في السلطة والمحاصصة السياسية منذ الطائف حتى الآن، وما فرّقته المحطّات السياسية ومصالحها مع خصومه من «بكوات» العائلات والأحزاب، جمعته مغانم السلطة. هل يترفّع عن شهواتها؟ أم أن «القابلية» سترافقه من القصر (بنشعي) إلى القصر (بعبدا)؟
ومن نقاط ضعفه، أن الوزير الأسبق للداخلية والبلديات، طبع في أذهان الناس «طاولات البينغو» و»لوحات السيّارت»… فغرق المشروع السياسي بين أرقام البينغو ونمر السيارات! فما هي أفكاره الإصلاحية لو أصبح رئيساً؟ لا جواب إلى الآن. وربّما السؤال الأهمّ الذي سيرافق فرنجية، هو موقفه من قضية المرفأ؟
أمّا ما يميّز رئيس «المرده»، فهو وضوحه وتمسّكه بخياراته ومواقفه والإلتزام بكلمته وتعهداته. كما أن علاقاته مع البيئة والقوى السنيّة جيّدة، خصوصاً مع أهل الشمال في طرابلس وعكّار. حتّى أنّ رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري قد رشّحه إلى الرئاسة قبل وقوع خياره على العماد ميشال عون. في المقابل، يُشكّل تموضع فرنجية الإستراتيجي في «محور الممانعة» سيفاً ذا حدّين. من جهة يؤمّن له دعماً قويّاً من حليفيه «الشيعيين»، ومن جهّة أخرى قد يضعه في مواجهة نصف اللبنانيين والقوى السيادية والمعارضة، ما يسقط عنه صفات التوافق والإنفتاح والحوار…
طريق «الصيّاد» نحو بعبدا الذي يُمارس لعبة السياسة، بين رحلة صيد وأخرى، محفوف بالتحديات. وأيّ إخفاق في اصطياد الأهداف قد تحوّله إلى طريدة. فهل يتّعظ الخلف «إن أتى» من إنزلاقات السلف؟ كيف سيعالج أمور الحاشية وشجون الدولة؟ ما لم يأخذه عون من «عيني» نصرالله هل يناله فرنجية؟ أي عين «بتمون»، «التايواني أم الأصيل»؟ ماذا عن ملفّات الفساد المكدّسة؟ العلاقة مع الغرب والعرب؟ الحدود السائبة مع دولة «الصديق والأخّ» وأزمة اللاجئين والنازحين؟ بأيّ صدر سيلاقي الحريات الصحافية والاعلامية؟ العلاقة مع القوى المسيحية وأحزابها الرئيسية خصوصاً «القوات اللبنانية» و»التيار الوطني الحرّ»: ثأرية، إلغائية؟ أم مهادنة وانفتاح؟ ماذا عن بكركي وخطّها السيادي ومواقف سيّدها المناهضة لمحور «حزب الله» ومشروعه؟ ملفّات ثقيلة بانتظار فرنجية «إن أتى».
طوني عطية- نداء الوطن