ماذا يعني دعم حزب الله لسليمان فرنجية رئيساً للبنان… وما موقف القوى المسيحية الأخرى؟!

كان تأييد حزب الله لترشُّح سليمان فرنجية للرئاسة اللبنانية حدثاً طال انتظاره، وأصبح رسمياً خلال كلمة متلفزة للأمين العام للحزب، حسن نصر الله، مساء الإثنين 6 مارس/آذار. فقال نصر الله: “المرشح الذي ندعمه هو سليمان فرنجية”، وذلك بعد أكثر من أربعة أشهر على شغور المنصب في البلاد الغارقة في انهيار اقتصادي متسارع.

ماذا يعني دعم حزب الله لسليمان فرنجية رئيساً للبنان؟

في خطابه عبر الشاشات، قال نصر الله خلال احتفال حزبي تكريماً لجرحى حزبه وأسراه، إن “المرشح الطبيعي الذي ندعمه في الانتخابات الرئاسية ونعتبر أن المواصفات التي نأخذها بعين الاعتبار تنطبق عليه، هو الوزير سليمان فرنجية”.

وشدد نصر الله على أن فرنجية هو مرشح يدعمه حزب الله لكنه ليس مرشّح الحزب، مضيفاً: “نريد جدياً انتخاب رئيس للجمهورية ولا نريد الفراغ”، وأضاف: “يهمنا أن يكون هناك رئيس لا يطعن ظهر المقاومة”.

ولم يكن هنالك التباس في صفوف الشعب اللبناني بشأن تفضيل الحزب الموالي لإيران لفرنجية ليكون خليفةً لعون، الذي انتهت ولايته في أكتوبر/تشرين الأول 2022. لكن كان واضحاً أيضاً ما هي الأحزاب والفاعلون الذين سيعارضون بشدةٍ هذا القرار.

ويقول الصحفي اللبناني عدنان ناصر، في تقرير له بمجلة The National Interest الأمريكية، إن هناك بالفعل معارضة متنامية من جانب بعض المجموعات لتأييد حزب الله لسليمان فرنجية، الذي يعتبرونه غير مقبول. والمعارضة ليست بالضرورة مُوجَّهة لفرنجيه نفسه، بل لأسلوب عملية تقديمه، والذي يُنظَر إليه على أنَّه أسلوب سياسة “خذها أو اتركها”.

ويقول ناصر إن نجاة صليبا، وهي عضوة جديدة بالبرلمان، أعربت عن رفضها ترشيح فرنجية والطريقة التي يتم بها الأمر، قائلةً: “يمثل هذا استخداماً للقوة من أجل فرض مرشح على الجميع. أعتقد أنَّ العملية الديمقراطية تتطلَّب إعلان هذا الشخص ترشُّحه للرئاسة. لم يفعل (فرنجية) ذلك. وإذا ما كان حزب الله يريد هذا الشخص مرشحاً، فعليه تقديم ترشيحه وترك الديمقراطية تسود”. وأضافت نجاة لـ”ناشيونال إنترست”: “استخدام القوة واضح هنا، والنوايا لا تستهدف بناء دولة واحترام الديمقراطية. بل العكس، (النوايا) هي فرض مرشحهم في صورة دكتاتورية”.

القوى المسيحية الأخرى “تؤكد مخاوفها” بعد تأييد حزب الله لفرنجية

في السياق، ردَّ متحدث باسم حزب القوات اللبنانية، وهو حزب سياسي مسيحي معارض، على خطاب نصر الله وأوضح موقف حزبه بشأن مسألة الرئاسة. فقال المتحدث: “كان واضحاً منذ اليوم الأول أنَّ حزب الله يؤيد فرنجية، لذلك لم يكن الإعلان مفاجئاً. بالتالي، لا نشعر بوجود حاجة للرد على إعلان نصر الله، لكنَّنا نريد تأكيد أنَّه يؤكِّد مخاوفنا ومواقفنا”.

وانتقد المتحدث نصر الله، لأنَّه لم يُرسِل نوابه بالبرلمان إلى هناك منذ سبتمبر/أيلول الماضي، وهو موعد أول جلسة لانتخاب الرئيس. لكنَّه أضاع 11 جلسة وأكثر من 4 أشهر من البطاقات البيضاء، مُعرقلاً مسار الدستور ومانعاً انتخاب رئيس. وأشار المتحدث إلى أنَّ نصر الله كان عليه إرسال نوابه بالبرلمان للتصويت لصالح فرنجية قبل ذلك، بدلاً من الانتظار حتى الآن من أجل إعلان تأييده.

وعند سؤاله عمَّا إذا كانت هناك أي ظروف يمكن بموجبها أن يرى حزب القوات اللبنانية فرنجية باعتباره خياراً ممكناً، ردَّ المتحدث باسم الحزب بالقول: “نميل إلى عدم النقاش بشأن شخصية فرنجية، لأنَّنا نعتقد أنَّ الفرد لن يكون هو مَن يحكم فعلاً، بل البرنامج والتحالفات التي يمكنه تشكيلها. ومع أنَّ لدينا علاقات جيدة معه، فإنَّ فرنجية للأسف متفق مع برنامج حزب الله، وهو ما نعارضه تماماً”. وأضاف المتحدث أنَّ غالبية الشعب اللبناني يعارض برنامج حزب الله، مثلما اتضح بالانتخابات الأخيرة في مايو/أيار الماضي.

وإذا كان فرنجية يرغب في أن يصبح الرئيس المقبل، فإنَّه سيكون بحاجة إلى دعم كتلة مسيحية كبيرة في البرلمان، وهو ما يفتقر إليه حالياً. وربما يراهن حزب الله على أنَّ الوضع أصبح يائساً لدرجة أنَّ المعارضة ستتنازل في النهاية؛ على أمل تحقيق انتصار من نوع ما، كما يقول ناصر.

أحزاب أخرى لم تقل كلمتها بعد

حدث سيناريو مثل هذا سابقاً، ففي عام 2016، وافق زعيم القوات اللبنانية، سمير جعجع، على تأييد ميشال عون من خلال “اتفاق معراب” في مقابل عدد من التنازلات. فشل هذا المسعى في نهاية المطاف. وتعلَّم “القوات اللبنانية” الدرس منذ ذلك الحين وهو متمسك بموقفه الرافض لعقد أي اتفاقات مع مرشحين يحصلون على مباركة حزب الله. وقال جعجع نفسه مراراً، إنَّ حزبه سيرفض تولِّي فرنجية الرئاسة.

فمثلما هو الحال مع ميشال عون، كان فرنجية منافساً قديماً لـ”القوات اللبنانية” في الحرب الأهلية اللبنانية. لكن في عام 2018، وبفضل وساطة من جانب البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي، تصالح الرجلان وحزباهما. مع ذلك، لم يعنِ ذلك أنَّ الرجلين باتت لديهما رؤية مشتركة للبلاد، فلا تزال “القوات اللبنانية” مُصِرَّة على أنَّه لا يجب أن يدخل أي رئيس موالٍ لحزب الله القصر الرئاسي، وشدَّدت على أنَّها ستقاطع مثل هذه المقترحات.

و”القوات اللبنانية” ليست وحيدة في رفضها، وإن كانت الأسباب مختلفة. فردّاً على خطاب نصر الله، غرَّد النائب من “التيار الوطني الحر” سليم عون (لا تربطه صلة بميشال عون) بأنَّ حزبه ليس مُصطفّاً مع أي الجانبين.

وكان التيار وحزب الله حليفين حتى وقتٍ قريب. إذ وقَّعا مذكرة تفاهم في عام 2006، هي “اتفاق مار مخايل”. حينها التقى حسن نصر الله وزعيم التيار الوطني الحر آنذاك، ميشال عون، ليُشكِّلا تحالفاً سيمنح كلا الطرفين مكانة وموارد أكبر.

والآن، انفصل الجانبان بصورة غير رسمية بسبب تأييد حزب الله لفرنجية. فلدى الزعيم الحالي للتيار الوطني الحر، جبران باسيل، طموحات رئاسية خاصة، ويرفض الموافقة على فرنجية.

وفي النظام الطائفي اللبناني، عادةً ما تُقسَّم المناصب العليا بين الطوائف الدينية المختلفة في البلاد. والرئاسة من نصيب المسيحيين الموارنة. وإذا جاز القول، فإنَّ المنصب أصبح كرسيّ مَن لا صوت لهم. لكن هذه المرة، هنالك مرشح قد يكون رئيساً دون أن يتمتع بدعم من المسيحيين الموارنة. وبطبيعة الحال، في عالم السياسة اللبناني العصيّ على التوقعات، كل شيء ممكن. لكن في الوقت الراهن، رد الفعل على ترشيح فرنجية هو الرفض المدوِّي.

من هو سليمان فرنجية؟

سليمان فرنجية (57 عاماً)، هو نائب ووزير سابق، يُعد من بين حلفاء حزب الله البارزين. وهو صديق شخصي للرئيس السوري بشار الأسد. وغالباً ما يُطرح اسمه كمرشح عند كل استحقاق رئاسي.

وسليمان سليل واحدة من أعرق الأسر الأرستقراطية اللبنانية، وكان جده رئيساً للبلاد ومعروفاً بعلاقته الوثيقة مع حافظ الأسد والد بشار الأسد، واندلعت الحرب الأهلية في نهاية ولايته الرئاسية.

ويعد فرنجية حالة فريدة من بين زعماء لبنان السياسيين، فحزبه المسمى “تيار المردة”، يحظى بشعبية ضئيلة على مستوى مجمل الطائفة المارونية، وله نائب واحد في البرلمان، وكان يحتاج دوماً إلى دعم سياسي من حزب الله وتيار العماد ميشال عون المسمى التيار الوطني لتوسيع قوته في البرلمان، ولكي يكون له تمثيل وزاري.

ولكنه في الوقت ذاته، يحظى بنفوذ استثنائي في قضاء زغرتا بشمال لبنان القريب من مدينة طرابلس ذات الغالبية السنية. وقضاء زغرتا منطقة لبنانية ذات طبيعة جبلية ساحرة، مساحته نحو 2100 كيلومتر وعدد سكانه نحو 50 ألفاً، يعيش نحو ثلثهم خارج القضاء.

وأغلبية سكان القضاء مارونية والنسبة الأكبر منهم مؤيدة بشكل شبه كامل لآل فرنجية، كأن القضاء مملكة صغيرة شبه مستقلة ورثها سليمان عن أجداده، حيث كان يحكمها بشكل مباشر خلال الحرب الأهلية، وما زال الوضع قائماً إلى حد ما في ظل النظام اللبناني الطائفي، الذي يعني أن تعيين المناصب واتخاذ القرارات في أي قضاء يكون برضا الزعامات الطائفية به، وهي آل فرنجية حصراً في حالة زغرتا.

وهو ما جعل آل فرنجية مهمين لحزب الله ونظام الأسد، تاريخياً، لأن قضاء زغرتا يكاد يكون المعقل الوحيد لنفوذهما في الشمال اللبناني الذي يغلب عليه السنة، (إضافة لقضاء الكورة، حيث يوجد فيه نفوذ للحزب السوري القومي الاجتماعي الموالي لدمشق).

arabicpost

مقالات ذات صلة