نصرالله “يرتاح” للمسار السعودي-الإيراني.. ويخشى المواجهة أو الحرب الكبرى مع اسرا]ئيل!
في موازاة الإطلالات المتوالية للأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصرالله، تتكثف الاجتماعات الداخلية في الحزب، مع كوادر ومسؤولين وقطاعات مختلفة. يضع الحزب رؤيته للمرحلة المقبلة، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً. في لبنان، يركز حزب الله على ضرورة التهدئة والحفاظ على الحدّ الأدنى من الاستقرار، وعدم حصول أي مواجهة سياسية بشكل متوتر تنعكس أمنياً، على الرغم من الاختلافات السياسية الجوهرية. أما الوضع في المنطقة، فبنظر أمين عام الحزب، سيكون أمام تطورات كبرى خصوصاً في ظل الجنون الإسرائيلي، الذي قد يصل إلى تفجير الأوضاع بشكل عام، للالتفاف على الأزمات الداخلية الكبرى التي يعيشها الكيان الإسرائيلي.
الالتزام بفرنجية
سياسياً، يعتبر الحزب نفسه أنه حرّك المياه الراكدة رئاسياً من خلال دعم ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية للرئاسة، لكن الحزب وازن في موقفه بالتأكيد على ضرورة حضور ثلثي أعضاء المجلس النيابي في أي جلسة انتخابية. وهذا يعني فتح الباب أمام التوافق الأوسع وعدم خوض معركة المواجهة لإيصال فرنجية. كما أنه ترك هامشاً في حال حصل اتفاق بين الكتل النيابية الأخرى على مرشح آخر، فيما هو سيبقى ملتزماً دعم فرنجية. وبالتالي، فإن النواب الثلاثة عشر في كتلة الوفاء للمقاومة سيصوتون لرئيس تيار المردّة. هذا في السياق العام، أما في السياق التفصيلي والمساعي التي سيطلقها الحزب، إلى جانب رئيس مجلس النواب نبيه برّي، بمحاولة لرفع نسبة أصوات فرنجية، فهذا سيستمر مع بعض القوى السياسية والكتل النيابية.
حتى الآن لا يزال الحزب يسعى للوصول إلى تفاهم مع التيار الوطني الحرّ. أما بحال بقي رئيس التيار على موقفه، فإن الملف الرئاسي سيكون في حالة انسداد طويل، إلا إذا حصلت تطورات إقليمية دولية انسحبت على الساحة اللبنانية وأدت إلى تغير مواقف بعض الكتل.
الضغوط الاقتصادية والمالية
لا يزال الحزب على موقفه بشأن مبدأ المقايضة ما بين رئاسة الجمهورية -والتي ينظر إليها وكأنها تشكل ضمانة له، إذ يرفض تكرار تجربة ميشال سليمان- في مقابل اختيار رئيس للحكومة محسوب على الطرف الآخر. إلا أن هذا المنطق لم يحظ بتوافق داخلي أو خارجي. ما لا يجيب عليه الحزب، هو مدى استمراره على هذا الموقف، وإذا كان بالإمكان التراجع عنه أو الذهاب إلى خوض غمار تسوية تتوفر فيها له الضمانات السياسية التي يريدها، مقابل التخلي عن مرشحه.
لا يخفي الحزب أن الانسداد في المسار السياسي وعدم تحقيق خروقات، سينعكس مزيداً من الضغوط الاقتصادية والمالية على الساحة اللبنانية، وهذا يتطلب صموداً وصبراً وتوفيراً لأدنى مقومات الاستقرار لتجنب الدخول في فوضى، لا سيما أنه في حال لم يتم انتخاب رئيس للجمهورية قريباً، وأتى موعد انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، فإن التساؤلات الكبرى تدور حول مصير الوضع المالي في البلاد، وسط توقعات تشير إلى تسارع وتيرة الانهيار، فيما هناك نقاش جدّي بين الثنائي بمسألة ما بعد سلامة، وإذا ما كان نائب الحاكم الأول وسيم منصوري هو الذي سيتولى هذه المهام.
فمن الناحية النظرية، وكما تولى العميد الياس البيسري إدارة المديرية العامة للأمن العام، أي ضابط مسيحي تولى منصب ضابط شيعي، يمكن لشيعي أن يتولى منصب الحاكمية بالوكالة. وبالتالي، المشكلة ليست بالتمثيل المذهبي أو الطائفي هنا، فيما الحسابات تتعلق بالمسؤولية المالية التي ستلقى على عاتق “الطائفة الشيعية” في ظل الأوضاع المتدهورة، وهل سيتحمّلها حزب الله وحركة أمل؟ كما أن السؤال الذي يطرح نفسه هو عن الموقف الأميركي بهذا الشأن، إذ كانت قد تسربت معطيات سابقاً عن رفض أميركي لتولي شخصية شيعية صلاحيات حاكم المصرف المركزي.
ملفات ساخنة
يذهب الحزب في حساباته إلى ما هو أبعد من ذلك، خصوصاً بحال استمرار تعثر انتخاب الرئيس إلى ما بعد انتهاء ولاية قائد الجيش جوزيف عون، في كانون الثاني من العام 2024. وهذا ما سيخلق رد فعل مسيحي سلبي، باعتبار أن كل المواقع الأساسية للموارنة أصبحت شاغرة. إنطلاقاً من هذه الوقائع، يرى الحزب أن ما يجري سيؤدي إلى وضع مختلف القوى أمام مسؤولياتها للوصول إلى حلّ. في هذا المجال، فإن المهمة ستكون ملقاة على عاتق رئيس مجلس النواب نبيه برّي، والذي سيخوض في حوار مباشر مع السفير السعودي، كما سيستمر في مساعيه مع القوى السياسية المختلفة، بحثاً عن اتفاق معين.
ما يركز عليه الحزب أيضاً، هو تجاوز مسألة التوتر السنّي الشيعي في لبنان والمنطقة، والدخول في مرحلة من مراحل التهدئة، سواء بترتيب العلاقة مع حركة حماس مثلاً، أو من خلال الحوار السعودي الإيراني والذي أدى مؤخراً إلى اتفاق على استئناف العلاقات الديبلوماسية بين الدولتين، وهو ما سيكون له انعكاس على الواقع اللبناني بشكل أو بآخر في المرحلة المقبلة.
أما الملف الأكثر سخونة بالنسبة إلى الحزب يبقى التطورات الإسرائيلية، والضغوط التي تتزايد من قبل تل أبيب على طهران حول الملف النووي الإيراني. يعتبر الحزب أن كل المؤشرات ستقود في النهاية إلى الدخول في مواجهة أو حرب كبرى. ويؤكد أن الحزب جاهز لأي من هذه السيناريوهات، لا سيما أنه قد تم تفعيل غرفة العمليات العسكرية المشتركة التي تم تشكيلها في مراحل سابقة، وتضم القوى الأساسية في محور المقاومة. ما يترقبه الحزب هو التطورات السياسية داخل اسرائيل، والتي قد تدفع الحكومة الإسرائيلية إلى الذهاب نحو مغامرة جديدة للالتفاف على الوضع الداخلي.
يعرف الحزب جيداً أن اسرائيل لا تذهب إلى أي مغامرة ضد إيران من دون موافقة أميركية. ولذلك، فإن العمليات الأمنية أو حروب الظل مستمرة. ولكن في أحد الاجتماعات مع كوادره، مؤخراً قال نصرالله إنه في حال دخل الأميركيون على خطّ الصراع فحينها ستصبح “المسألة أحلى”. على الرغم من أن هناك تقديرات لدى الحزب بأن الإدارة الأميركية لا تريد أي تصعيد ولا أي مواجهة، وهي تسعى إلى سحب فتيلها، في مقابل استعدادات لإعادة التفاوض حول الملف النووي، وهو الذي تريده إيران أيضاً للخروج من أزمات داخلية، ومحاولات التطويق في المنطقة.
منير الربيع- المدن