“عض الأصابع” بدأ والكلفة كبيرة جداً : الرئاسة مرهونة بمكتسبات حزب الله!
عملياً، فتح تبني الثنائي الشيعي لترشيح رئيس تيار المردة، سليمان فرنجية، مساراً سياسياً جديداً على الساحة اللبنانية، يمكنه أن يضع الاستحقاق على سكّة الجدية بغض النظر عن موعد الوصول إلى صيغة تسوية.
مسار مفتوح
يمكن لهذا التبنّي أيضاً أن يسهم بإطالة أمد الأزمة، وهو المرجّح، في ظل غياب أي معطى جديّ للدخول في حوار منتج حالياً. في البداية، وبالاستناد إلى كل السيناريوهات المطروحة، فإن عملية “البوانتاج” التي يقوم بها الثنائي الشيعي لصالح سليمان فرنجية، تشير إلى إمكانية حصوله على حوالى 57 صوتاً من ضمنهم حوالى 10 نواب سنّة. ما يعني عدم توفر الأصوات اللازمة لفرنجية للحصول على 65 صوتاً، قبل الدخول في معضلة عدم توفير النصاب، في ظل إعلان قوى المعارضة عن الاستعداد لمقاطعة الجلسة.
يعني ذلك أن الجلسة حالياً مستبعدة، فيما المسار السياسي مفتوح على احتمالات كثيرة، على وقع موقف نصرالله، وفي ظل التحرك الذي قام به السفير السعودي مع تسريبات واضحة لرفض السعودية لفرنجية. علماً أن هذا الرفض لا يرتبط بشخص الرجل بل بالصفات التي يحتاجها لبنان للخروج من الأزمة، من خلال تقديم تصور جديد للمجتمع الدولي. وهنا تشير مصادر متابعة إلى أن السفير السعودي قد عقد لقاءات ديبلوماسية مع عدد من السفراء من بينهم السفيرة الفرنسية يوم الإثنين، أي قبل يوم واحد من زيارتها لرئيس مجلس النواب نبيه برّي. وقد كان السفير السعودي واضحاً مع السفيرة الفرنسية في رفض أي معادلة يتم تسريبها حول سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية مقابل نواف سلام لرئاسة الحكومة.
هنا تقول المصادر المتابعة إلى أن السفير السعودي يؤكد على وجهات النظر المتطابقة بين الدول الخمس بعد اجتماع باريس، ويشير إلى التنسيق الكامل والتطابق الشامل في الرؤية بين المملكة العربية السعودية ودولة قطر، وبين السعودية ومصر أيضاً، في حاجة لبنان للخروج من الأزمة وفق برنامج واضح وجديد.
الخطة البديلة
وهذا البرنامج يقتضي، في بدايته، اختيار رئيس غير محسوب على أي طرف سياسي. وهو ما يتطابق مع وجهة نظر البطريرك الراعي، الذي قال في عظته يوم الأحد الفائت: “بكل أسف يدور الخلاف حول إنتمائه إمّا لفئة الممانعة، كما يسمى، وإمّا لفئة السيادة. الحلّ الوحيد هو في الخروج من هذه المعادلة، والعمل من قبل الشعب على انتخاب رئيس وطنيّ متحرّر من كلّ إرتباط وانحياز وفئة ومحور. هذا هو الرئيس الذي يحتاجه لبنان لكي يكسب ثقة الجميع في الداخل، وثقة كلّ الدول في الخارج، ولكي يتمكّن هذا الرئيس من قيادة الإصلاحات اللازمة والمطلوبة من أجل نيل المساعدات الدوليّة والإقليميّة”.
عملياً، فإن ما قام به حزب الله ورئيس مجلس النواب نبيه بري هو رمي الكرة في ملعب الآخرين داخلياً وخارجياً. فيما لم يشأ نصرالله الإعلان عن الخطة “باء”، ولكن من الطبيعي -حسب ما تقول مصادر متابعة- أن يكون لدى حزب الله خطة بديلة بالتأكيد، في حال لم يتم الوصول إلى أي صيغة تسوية. لا شك أن هناك رهاناً لدى حزب الله وبرّي على تغيّر الموقف السعودي بنتيجة ظروف معينة. أما في حال لم يتغير هذا الموقف، فحينها لا بد من الذهاب إلى مفاوضات جدية للبحث عن خيارات أخرى.
عضّ الأصابع
قد يكون هذا المسار دافعاً باتجاه إطالة أمد الأزمة وتعبئة الوقت الضائع، من دون الوصول إلى أي نتيجة. وذلك من خلال تقديم اقتراحات لا يمكنها أن تقود إلى حسم وإنجاز مهمة انتخاب الرئيس. من الواضح أن تأكيد نصرالله على مسألة نصاب الثلثين وحق الطرف الآخر بالمقاطعة، يعني عدم الاستعداد لخوض معركة الفرض. أما الدعوة إلى الحوار فلها وجهان، الأول داخلي والثاني خارجي، فيما لا يزال الخارج غير مستعجل لإنجاز الاستحقاق، وبالتالي، فإن الحزب من خلال طرحه أيضاً أوحى بأنه غير مستعجل، من خلال المطالعة التي قدمها في تبني ترشيح فرنجية.
يقول الحزب بذلك إنه لا يريد تقديم تنازلات مسبقة قبل الدخول في البحث الجدي عن صيغة تسوية.
وبذلك يكون الحزب جاهزاً للاستعداد إلى الدخول في مرحلة من عضّ الأصابع، على قاعدة أنه الأكثر قدرة على التحمل، وسط غياب أي خطة لأي طرف بالمعنى الإستراتيجي للخروج من الأزمة، فيما التكتيك يقوم على آلية التعاطي بالقطعة مع أي تطور يحصل. وهذا سيكون له كلفة كبيرة جداً على القوى السياسية وعلى اللبنانيين عموماً، ولكن بنظر بعض الأطراف فإن هذه الأكلاف ستبقى أقل ثمناً من الذهاب إلى تنازلات جوهرية مرتبطة بتغير أساسي في وضعية البلد، والذي لا يمكن حدوث أي تغير بوضعيته من خارج السياق الإقليمي العام.
البحث عن ضمانات
من الواضح أن خطوة حزب الله تهدف إلى الاحتفاظ بضمانات واضحة سياسية ودستورية، فيما الطروحات الخارجية تفرض تغيراً أساسياً في البلاد وحتى في أداء الحزب، من خلال عدم الاستمرار في عملية التوسع ومد اليد إقليمياً في بعض الدول المحيطة. ولذلك لجأ الحزب إلى الخطوة الاستباقية التصعيدية بتبني ترشيح فرنجية، ورفع السقف الدستوري، والحاجة إلى تعديل الدستور بما يخص ترشيح قائد الجيش، للحفاظ على هذه الضمانات أو المكتسبات السياسية وعدم التنازل عنها. وبالتالي، عندما يحين الوقت للانتقال إلى المرحلة السياسية الجديدة، فحينها سيخوض الحزب نقاشاً حاداً وتفصيلياً في كل المجالات، للحصول على هذه الضمانات سواء من أي مرشح مفترض التوافق عليه لرئاسة الجمهورية، لينتقل بعدها إلى محاولة تكبيل رئيس الحكومة في الكثير من الشروط حول برنامج عمل حكومته وآلية تشكيلها.
منير الربيع- المدن