برّي ونصرالله وثالثهما فرنجية: “البراغماتية” الشرسة وتجنّب الذهاب إلى خيار جبران باسيل!
لم تتم الإجابة حتّى الآن عن السبب الذي دفع رئيس مجلس النواب نبيه برّي لخوض معركة رئيس تيار المردة سليمان فرنجية بهذه الشراسة؟ علماً أن الطريقة تبدو مستفزة للقوى السياسية المسيحية المعارضة لوصول فرنجية. وبالتالي، هذه الآلية قد لا تؤدي إلى خدمة الهدف. طبعاً، ليس من عادة الثنائي الشيعي استخدام آلية “حرق المرشحين”، وبالتأكيد لا يمكن أن تكون الغاية هي إحراق فرنجية. وهذا يعني أن الثنائي اختار خوض المعركة بشكل جدي، فيما النتيجة غير محسومة. بموقفه، خرج برّي عن “طوره”، ما استدعى رداً هجومياً عنيفاً من الآخرين. ولكن ما الذي دفع رئيس المجلس إلى هذا الموقف؟
في زاوية حزب الله
الأجوبة لها احتمالات كثيرة، أولها أن الرجل وكلما حاول تقديم نفسه كمتمايز ويسعى للحوار في الداخل والخارج، هناك من يحشره في زاوية حزب الله. ولذلك اختار اللجوء إلى خيار الذهاب أبعد من الحزب في مسألة ترشيح رئيس تيار المردة. ثانيها والأهم، يعود بالذاكرة إلى لحظة اندلاع ثورة 17 تشرين. في حينها تشكّلت قناعة ثابتة لدى حركة أمل وحزب الله أن الواقع الاجتماعي الشيعي سيكون منخرطاً إلى حدود بعيدة بما يجري. من هنا، تلخصت عقلية الثنائي في أن ما يجري هو أمر مدبّر ولا بد من التصدي له. قرأ نبيه برّي التظاهرات والتحركات بأنها تستهدفه شخصياً، وكأنه المطلوب الأول في هذه التظاهرات. وهذه قناعة تكونت أيضاً لدى حزب الله، الذي ارتبك مع أمل إلى حدود بعيدة في الأيام القليلة الأولى لاندلاع الثورة.
توالت الاجتماعات داخل الحزب، فيما تكثّف التنسيق بين الحزب والحركة للتصدي لهذه “المؤامرة” من وجهة نظرهما، وفي أحد اجتماعات مجلس الشورى في الحزب كان الأمين العام السيد حسن نصرالله واضحاً في ضرورة إحباط المخطط، وفي أهمية الصمود. وما ركّز عليه يومها هو أن الاستهداف سيطال رئيس مجلس النواب، ولا بد من توفير كل مقومات الدعم له، ولا مجال للتساهل في هذا المجال، لأنه في حال تعاظمت الحركة ضد طرف واحد من طرفي الثنائي فإن ذلك سيؤدي إلى مشكلة كبرى. أوصى نصرالله إن اقتضت الحاجة بإرسال مجموعات من الحزب للتمركز في محيط مراكز أساسية لأمل، وحتى في محيط عين التينة، تحسباً لحصول أي أمر غير محسوب. عندها أيضاً أعلن نصرالله أنه سيخرج بكلمة إلى اللبنانيين في إطار مواجهة هذه الثورة، والسعي للحدّ منها. فكانت دعوته لأبناء الطائفة الشيعية بالانسحاب، ولوّح باستخدام الشارع.
استهداف حزب الله
قبل أيام، خرج أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله محذراً مجدداً من أي محاولة لدفع لبنان والطائفة الشيعية إلى الفوضى. كان نصرالله يتحدث بلغة صاحب المعلومة، والتي تحتم عليه القيام بخطوة استباقية للتصدي لأي محاولة إشعال الشارع مجدداً. هو موقف له أسبابه وخلفياته بالنسبة إلى حزب الله، الذي يعتبر أن هناك قوى دولية تسعى إلى ترك لبنان ينهار وينفجر اجتماعياً، في سبيل إضعاف الحزب وقدرته. ومن ناحية أخرى لا يزال الحزب يعتبر أنه المستهدف استراتيجياً، فيما برّي هو المستهدف سياسياً وشعبياً. بناء على هذه الوجهة النظر السياسية، يقرأ الحزب أن الفيتو المفروض على سليمان فرنجية له هدفان، الأول عدم إنجاح مرشح حليف لحزب الله كي لا يحقق الحزب انتصاراً جديداً كما حصل سنة 2016. والثاني، أن فرنجية هو صاحب العلاقة الأقوى مع برّي، والذي سيعتبر نفسه منتصراً بفوزه، ما يعني بالنسبة إلى الخارج إعادة انتاج “سلطة الترويكا”، وهو أمر يُقال إنه مرفوض. فيما هناك من يسعى إلى الإطاحة بهذه التركيبة، وهو ما ليس بعيداً عن حالة الفراغ التي تتمدد وتتوسع في كل القطاعات والمؤسسات، والتي ستشمل أيضاً مواقع كثيرة، ليس في الأمن العام فقط، بل في حاكمية المصرف المركزي، وفي كل ما يحاكي تعطيل التشكيلات القضائية، وصولاً إلى موعد انتهاء ولاية قائد الجيش في كانون الثاني 2024.
باسيل والاستعصاء
يُقال أيضاً إن برّي يتمسك بترشيح فرنجية لتجنّب الذهاب إلى خيار جبران باسيل، فيما تُنقل بعض المعلومات عن أن موقف أمين عام حزب الله لا يزال نفسه الذي أبلغه لباسيل في لقائهما الأخير، عن أن حزب الله لديه شخصيتين يريد وصولهما إلى رئاسة الجمهورية، هما باسيل وفرنجية، وطالما أن باسيل غير مرشح، فبالتالي لا بد من دعم فرنجية. هنا ثمة من يذهب أبعد من ذلك، ليشير إلى أنه في أحد الاجتماعات التي حصلت مؤخراً لدى قيادة الحزب، فإن نصرالله كرر الموقف نفسه، البديل عن فرنجية هو باسيل.
إلى جانب هذا الاستعصاء السياسي، لا يغفل حزب الله عن أمرين أساسيين، أولاً الناحية الشعبية والتي يعلم أنها شارفت على حدود الاختناق أو الانفجار، من دون إغفال مسألة تسجيل ثلاث حالات انتحار في أيام قليلة. وهو ما لا يريده الحزب. وثانياً، ما خسره بفعل انفصال باسيل عنه، إذ لم يعد الحزب قادراً على تسيير وإقرار ما يريده. وطالما أن الحزب لا يريد الأمرين، أي لا يريد الانفجار أو الفوضى التي قد تطيح بالاستقرار، فهو أيضاً لا يريد أو غير قادر على العودة لتلبية كل شروط باسيل، خصوصاً أن مسؤولي حزب الله أطلقوا مواقف في الفترة الأخيرة خلاصتها أن “المقاومة” لا تعمل عند أحد، وبالتالي، أي عودة إلى شروط باسيل ستضع الحزب في موقع الذي يعمل لصالح رئيس التيار الوطني الحرّ.
بناء عليه، يبقى أمام الحزب خيار الذهاب إلى التعاطي ببراغماتية. وبالعودة إلى معادلة رفض فرنجية من قبل جهات داخلية وخارجية، فيفترض بهؤلاء الرافضين الذهاب إلى الموافقة على أسماء أخرى. إذ لم يعد هناك أي آلية أخرى لذلك. وهو ما يقوم به بعض الديبلوماسيين الذين يحاولون السعي للبحث عن آلية وصيغة واضحة في كيفية الاتفاق على اسم الرئيس، من خلال إيجاد جهة لبنانية قادرة على التواصل مع الجميع، فإما أن تكون بكركي مثلاً، أو أن يكون وليد جنبلاط، الذي كان قد بادر في ذلك تجاه الحزب وبرّي، باقتراحه عليهما اختيار أسماء أخرى غير فرنجية.
منير الربيع- المدن