«فرنجية أو الفراغ»: هل يُبقي بري المجلس مقفلاً حتى انتخابه؟
أتى موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري حول رئاسة الجمهورية قبل أيام ليؤكد إتجاه الثنائي الشيعي إلى رفع معادلة «إما فرنجية وإما الفراغ» في تكرار لتجربة الانتخابات الرئاسية عام 2016 مع فارق بسيط هو أن حزب الله هو الذي تولى آنذاك رفع معادلة «عون أو الفراغ» فيما يتولى الرئيس بري في هذه الانتخابات رفع معادلة «فرنجية أو الفراغ».
غير أن كلام رئيس المجلس المخضرم وذي الباع الطويل في إدارة اللعبة السياسية شكّل مفاجأة غير مألوفة بوصفه أولاً مرشح الفريق السيادي بأنه «ليس سوى تجربة أنبوبية» وثانياً بحصره مشكلة الاستحقاق الرئاسي بأنها «بين الموارنة والموارنة وليست بين مسلمين ومسيحيين وليس بين مسلمين ومسلمين أو بين مسيحيين ومسيحيين».
وفي قراءة للأسباب التي دفعت بالرئيس بري إلى الإشهار بوضوح وفي هذا التوقيت عن ترشيح رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية وتعقيد الأمور أمام انتخاب قائد الجيش العماد جوزف عون من خلال اشتراط تعديل المادة 49 من الدستور خلافاً لحال قائد الجيش الاسبق العماد ميشال سليمان، هو ما بلغه من اقتراح فرنسي عن تسوية تقضي بانتخاب فرنجية مقابل الاتيان بالرئيس نجيب ميقاتي أو بالسفير نواف سلام رئيساً للحكومة كي لا تطول مدة الفراغ الرئاسي، وما سمعه من السفيرة الأمريكية دوروثي شيا رداً على سؤاله إن كانت بلادها تعارض انتخاب سليمان فرنجية «لماذا نريد ان نكون ضده؟».
وعندما لاحظ بري أن بعض الخارج غير ممانع لترشيح فرنجية في الاجتماع الخماسي في باريس وأن الفيتو جاء من المملكة العربية السعودية انطلاقاً من رفضها انتخاب رئيس لبناني محسوب على حزب الله، بدا أنه بتبنّي ترشيح فرنجية أخيراً وتعقيد الأمور على انتخاب قائد الجيش أراد توجيه رسالة إلى الداخل ليسمعها مّن في الخارج وخصوصاً في الرياض، مفادها أن التصلّب لفرض خيارات رئاسية سيُقابل بتصلّب مماثل من قبل الثنائي الشيعي.
أما الردود على الرئيس بري فانطلقت من اعتبار أن رسالته جاءت «استفزازية» بتسديد السهام إلى مرشح المعارضة ميشال معوض، وكأنه أقفل الباب على أي دور حواري يمكن أن يلعبه في المستقبل أو كأنه أراد الرد على رفض دعوته إلى الحوار من خلال التسويق لفرنجية ورمي كرة التعطيل في الملعب الماروني مع إبقاء المجال مفتوحاً أمام التيار الوطني الحر للانضمام إلى خيار رئيس «تيار المردة» من خلال احتساب أصوات التيار ضمن الأوراق البيضاء الـ 63 التي وضعت في صندوقة الاقتراع في أول جلسة لانتخاب الرئيس والتي تقلّصت إلى النصف في الجلسات المتتالية.
ويراهن الثنائي الشيعي على استمالة عدد من الأصوات المنضوية تحت راية «تكتل لبنان القوي» للتصويت لصالح فرنجية طالما أن رئيس التكتل جبران باسيل ليس مرشحاً وفي طليعة هؤلاء نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب ونائبا الطاشناق أغوب بقرادونيان وأغوب تيرزيان إضافة إلى النائب المفصول من كتلة النواب الأرمن الوزير جورج بوشكيان، وعلى الخط السني يراهن الثنائي على أصوات 11 نائباً سنياً مقرّبين من محور الممانعة من أصل 27 نائباً سنياً هم: جهاد الصمد، حسن مراد، فيصل كرامي، ينال الصلح، وليد البعريني، محمد يحيى، طه ناجي، عدنان طرابلسي، عبد الكريم كبارة، قاسم هاشم، وملحم الحجيري.
تزامناً، فإن أوساطاً مسيحية لم توافق على مقاربة بري لمشكلة الاستحقاق الرئاسي، وأكدت «أن المشكلة ليست بين الموارنة والموارنة بل هي بين لبنانيين يريدون دولة ودستوراً واستقراراً وحصرية سلاح وبين لبنانيين يريدون دويلة وفوضى وسلاحاً غير شرعي. والمشكلة هي بين من يريد مشروعاً لبنانياً تعددياً وبين من يروّج لمشروع إيراني يخطف الدولة ويغيّر هويتها اللبنانية». وأضافت «إذا كان هناك من خلاف بين الموارنة فهو بين موارنة ساهموا في تحويل لبنان إلى سويسرا الشرق وأقاموا أفضل العلاقات مع الدول الخليجية والعربية والمجتمع الدولي وبين موارنة ارتضوا أن يكونوا غطاء لمشروع لا يشبه لبنان ولا الشعب اللبناني وبالتالي الخلاف ليس على كرسي الرئاسة الأولى بل على المشروع السياسي الذي يمثّله الرئيس الموجود في قصر بعبدا وهل سيشكّل غطاءً لسلاح حزب الله ويُبقي حدود لبنان سائبة للتهريب ذهاباً وإياباً أم سيسهر على بناء دولة قادرة ويضبط الحدود ويرفض زج لبنان في صراعات المحاور؟».
ولكن ماذا عن تطيير الكتل المسيحية الجلسة التشريعية وبعدها جلسة اللجان النيابية؟
لا تنفي الأوساط المسيحية «أن يكون الرئيس بري انزعج من موقف الكتل المسيحية التي قاطعت الجلسة التشريعية انطلاقاً من تمسكها بالدستور الذي يعتبر المجلس النيابي هيئة ناخبة لا اشتراعية وعدم قدرته على استعادة تجربة «تشريع الضرورة» التي سادت بين عامي 2014 و2016 في زمن الشغور الرئاسي» وتشير إلى «أن مشهد تطيير النصاب في جلسة اللجان من قبل نواب القوات اللبنانية والتيار والكتائب احتجاجاً على تجاوز موقع رئيس الجمهورية واستسهال اقرار مشاريع قوانين لا تحمل تواقيع كل الوزراء في ظل الشغور الرئاسي من قبل حكومة عليها تصريف الأعمال بالمعنى الضيّق».
وكيف سيترجم الثنائي الشيعي معادلة «فرنجية أو الفراغ»؟
الترجمة حسب الأوساط المسيحية هي عدم استبعاد إقفال الرئيس بري المجلس النيابي وعدم فتح أبوابه لأي جلسة جديدة بعد 19 كانون الثاني/يناير إلا لانتخاب مرشح الثنائي سليمان فرنجية علماً أن الرهان على تأمين كتلة القوات اللبنانية المؤلفة من 19 نائباً النصاب لانتخاب فرنجية من دون التصويت له سقط بعد الموقف الحازم لرئيس حزب القوات سمير جعجع الذي شهر سلاح التعطيل إلى جانب كتلة الكتائب وكتلة «تجدد» وبعض النواب التغييريين والمستقلين بعدم تأمين النصاب لانتخاب مرشح حزب الله.
غير أن الرئيس بري لن يقفل أبواب المجلس حسب موقفه المعلّن بل هو أكد في آخر موقف له أنه «في اللحظة التي تتوافر فيها فرصة التنافس سأبادر فوراً إلى الدعوة لجلسة انتخابية ولتجر الانتخابات ولينجح من ينجح». ومن موقع المطمئن إلى انجاح فرنجية ردّ بري على إعلان المعارضة نيتها عدم إكمال نصاب الجلسة بقوله «من لا يكمل النصاب عليه أن يتحمّل المسؤولية» وذلك خلافاً لما كان أقدم عليه الثنائي الشيعي ومعه نواب «المردة» من تعطيل للنصاب في 11 جلسة سابقة.
سعد الياس- القدس العربي