جنبلاط أكمل استدارته: هل اطمأن إلى موقف الرياض … وتبنّى موقف صديقه الأستاذ؟
حرّك الرّئيس نبيه برّي المياه الرّئاسيّة الرّاكدة بعبارة حمّالة أوجه استعارها من قاموسه السّياسي المكتظّ بالـ «قفشات» الّتي تتحوّل، فور نقلها عن المخضرم، إلى مثَل سياسيّ يصلح للتّداول بعد حين.
وبعيداً عن البيان المشبوه الصّادر باسم النّائب ميشال معوّض، والّذي رجّحت أوساط قريبة من الثّنائي بأنّه كُتب بحبر قوّاتيّ بدليل تغريدة الوزير السّابق ريشار قيومجيان الّتي تنمّ عن رغبة مبيّتة بتأجيج الخطاب الطّائفي، فإنّ بيان الحزب الاشتراكي كان لافتاً، وترك علامات استفهام كثيرة في توقيته ومضمونه.
فمعلوم أنّ الوزير السّابق وليد جنبلاط قام بنصف استدارة عندما التقى وفد حزب الله واقترح عليه ثلاثة أسماء، ليس من ضمنها معوّض، كحلّ وسط يضع حدًّا للمراوحة.
فهل استكمل البيك استدارته وتبنّى موقف صديقه الأستاذ؟..
في المضمون: لم يكن الحزب الاشتراكي مضطرًّا للدخول على خطّ التّوتّر الحاصل، هكذا تقول أوساط متابعة، وتضيف: يدرك جنبلاط حساسيّة المرحلة وخطورة المواقف التّعبويّة، وهو يذكّر دائماً بالأمن الاجتماعي في الجبل حيث يلتقي القوّات والاشتراكي، ولو لم يكن قاصداً إرسال إشارات سياسيّة هامّة، لاكتفى بالصّمت ككثير من القوى السّياسيّة الأخرى، لكنّ بيانه يوحي بتخطّي عتبة التّضامن الشّخصي مع الرّئيس نبيه برّي إلى الاصطفاف السّياسي في الملفّ الرّئاسي.
في التّوقيت: جاء موقف جنبلاط إثر إعلان الرّئيس برّي تأييد فرنجيّة بشكل علنيّ لأوّل مرّة، وبرّي يمثّل الثّنائي في هذا الاستحقاق، وقد يعلن السّيّد نصرالله الموقف نفسه في خطابه المرتقب يوم الاثنين المقبل، وفي توقيت إعلان دعم ترشيح فرنجية من عين التّينة دلالة على الانتقال إلى مرحلة النّهائيّات، فالرّئيس برّي أيّد فرنجيّة وأزاح من طريقه مرشّح المعارضة الدّاخلي ميشال معوّض والمرشّح الخارجي جوزف عون بتصريح واحد وقطع الطّريق على كليهما.
وفي المعلومات الأكيدة فإنّ اللّقاء الأخير الّذي جمع الرّئيس برّي برئيس كتلة اللّقاء الدّيموقراطي تيمور جنبلاط كان إيجابيًّا جدًّا، فجنبلاط الإبن كان يعارض تأييد فرنجيّة، هكذا يقال، ولكن في ذلك اللّقاء كان مرناً ولم يبدِ أيّ تصلّب في وجه فرنجية أو غيره، وقيل بأنّ جنبلاط العائد قريباً من المملكة لم يلتقِ مسؤولين سعوديين، وبأنّ أجواء الرّياض ما زالت على حالها: لا نؤيّد ولا نعارض أحداً.
مصدر قياديّ في الثّنائي يؤكّد بأنّ جنبلاط خرج نهائياً من اصطفافه القديم، وفي قراءته لتطوّر الأحداث الخارجيّة وربطها بموقف جنبلاط الأخير يقول:
• الولايات المتّحدة وفرنسا أكّدا مراراً عدم اعتراضهما على اسم فرنجيّة، وهذا موقف كافٍ بإيجابيّته لتسهيل عبوره طريق بعبدا، لأنّ عين الأميركيين والفرنسيين على أوكرانيا وتطوّرات الحرب المتدحرجة هناك، وقلبهم على الغاز المتّجه من شرق المتوسّط نحو أوروبا، لذلك هم يستعجلون اتمام الاستحقاق الرّئاسي لضمان الاستقرار الأمني واستخراج الطّاقة، وقد أنصتوا جيّداً إلى خطاب السّيّد نصرالله الأخير.
• ليس بين قيادة المملكة العربيّة السّعوديّة وسليمان فرنجية إلّا الودّ والاحترام الشّخصي، بدليل حفل الأونيسكو الشّهير، ولكي يتعدّى الموقف السّعودي عتبة الاحترام الشّخصي إلى التّوافق السّياسي يجب انتظار التّسوية في اليمن والّتي قيل بأنّها اقتربت، وقد يكون شهر رمضان القادم حاسماً.
• ارتدادات زلزال سوريا السّياسيّة مستمرّة، وثمّة حديث عن احتمال مشاركة الرّئيس الأسد في القمّة العربيّة المقرر عقدها في الرّياض، وفي هذا الإطار ستكون زيارة وزير الخارجيّة السّعودي إلى دمشق، فإذا فُتحت أبواب الرّياض أمام الأسد، ستفتح حتماً أبواب بعبدا في وجه فرنجية.
في المقابل ثمّة رأي يقول بأنّ تصعيد الرّئيس نبيه برّي أتى بسبب معطيات توحي بإقفال الباب السّعودي نهائيًّا أمام فرنجيّة، بدليل مواقف رئيس حزب القوّات سمير جعجع الأخيرة، حيث رفع السّقف عالياً في رفضه لفرنجيّة.
يجيب المصدر نفسه: ماذا لو عكسنا الصّورة وكانت مواقف الرّئيس برّي مستندة إلى اطمئنانه للموقف العربي والغربي؟
وماذا لو كان جعجع يرفع السّقف بسبب معطيات وصلته تؤكّد قرب حصول التّسوية؟
علماً بأنّ جعجع يضع رفضه لفرنجيّة في خانة الخوف من استمرار القطيعة مع العرب والغرب، فهل يصمد هذا التّبرير إذا أتى فرنجيّة بمباركة سعوديّة – أميركيّة؟
حسن الدرّ- اللواء