لماذا يثق “حزب الله” بنفَسه الطويل وانتصاره في معركة الرئاسة اللبنانيّة؟

في ظاهر الحال، تبدو المعركة السياسية المحتدمة في لبنان غير متكافئة مطلقًا، فهي ليست بين قوى سياسيّة متساويّة، بل بين قوّة مستفيدة من تداعيات الفراغ وقوى متضرّرة منها.

ويملك “حزب الله” الذي يريد أن تنتهي معركة رئاسة الجمهوريّة لمصلحته، قدرات تفتقدها كليًا القوى السياسيّة التي تنشد هزيمته، ولذلك تجده في هذا الموضوع، “لطيف اللسان”، في وقت تصعّد القوى المناوئة له مواقفها.

ويستطيع “حزب الله” الذي لا همّ يعلو لديه فوق همّ تكريس سيطرته على القرار اللبناني أن ينتظر أشهرًا طويلة لا بل سنوات عدّة، فهو بالنتيجة يملك دولة مكتملة العناصر إذ إنّ لديه إقليمًا ونظامًا وشعبًا وجيشًا وأجهزة أمنية ومصادر دخل خارجيّة وداخلية وينتمي الى محور إقليمي ودولي.

وبيّنت التجارب أنّ “حزب الله” لا مصلحة له بقيام دولة قويّة، طالما هي مستقلّة عنه، فهو كلّما ضعفت هذه الدولة قويت دولته.

ولهذا فإنّ “حزب الله” يتمتّع بنفس طويل في معركة ملء الشغور الرئاسي الذي يؤثّر سلبًا على مجمل وظائف الدولة.

ووفق بعض السياسيّين المخضرمين في لبنان، فإنّ “حزب الله” لا يناور في موضوع ترشيح رئيس “تيّار المردة” سليمان فرنجيّة الذي هو، في هذه المرحلة، “آخر رجالاته الموثوقين”، ولهذا فإنّ الحزب ينتظر القوى المناهضة له على ضفّة انهيار آخر ما تبقى من الدولة ومن قدرة الشعب على الصمود، حتى تنكسر له.

في المقابل، فإنّ القوى التي تواجه “حزب الله” لا تملك شيئًا ممّا يملكه الحزب، إذ إنّ الدولة هي سندها ومرجعيّتها المالية والاقتصاديّة والخدماتيّة والعسكريّة والأمنيّة والقضائيّة، وهي تصاب بالوهن كلّما ضعفت الدولة، كما أنّ المواطن المؤيّد لها أو الداعم لمواقفها وتطلعاتها وأهدافها هو ضحيّة مباشرة للمواجهة وتداعياتها وآثارها.

والأدهى أنّ المحور الداعم ل”حزب الله” يوفّر له ولشعبه شروط المواجهة والصمود والحد الأدنى من سبل العيش، في حين أنّ هذا الأمر لا ينطبق نهائيًّا على “شعب” القوى المناهضة للحزب.

وبهذا المعنى فإنّ الكارثة الاقتصاديّة التي يعاني منها لبنان لها تبعات خطرة على جميع من يناوئ مخططات “حزب الله” ويخطط للصمود في وجهها.

وعليه، وفي ظلّ اختلال موازين القوى بين “حزب الله” وخصومه، فإنّ الدول المعنيّة بالشأن اللبناني، تتحرّك ببطء شديد، وهي تنتظر أن تستوعب الأطراف المتناقضة قدراتها على الصمود، حتى تزخّم حركتها.

وهذا يعني أنّ الغلبة بالنتيجة هي للقوّة الأقدر على الصمود، الأمر الذي يتيح طرح السؤال التالي على القوى التي تتصدّى لمخططات “حزب الله”: ما هي القدرات التي تملكونها حتى لا تنتهي معركتكم الرئاسيّة الحالية مثل ما انتهت إليه معركتكم الرئاسيّة بعد ولاية الرئيس ميشال سليمان، فجئتم بمرشح “حزب الله” العماد ميشال عون، بعد انتظار استغرق أكثر من سنتين ونصف السنة، علمًا أنّ الأوضاع المالية والاقتصاديّة والاجتماعيّة والحياتيّة آنذاك كانت لا تقارن مطلقًا مع مأساويّة هذه الأوضاع راهنًا، وتاليًا هل تغامرون باللبنانيّين من أجل تحسين شروط مشاركتكم في السلطة، لا أكثر ولا أقل؟

بطبيعة الحال، لا إجابات متوافرة عن هذا السؤال، إذ إنّ لسان حال القوى المناوئة ل”حزب الله” يقتصر على الآتي: إنّ رئيسًا لا يراعي المواصفات التي نطلبها سوف يغرق لبنان بأزمة أعمق من تلك التي هو فيها.

وهذا الجواب يشبه ما كان يقوله مناصرو عون خلال ولايته، إذ إنّهم كانوا يعتبرون فشله نعمة، على اعتبار أنّ الأمور كانت لتكون أصعب بكثير لو لم يكن هو رئيس الجمهوريّة!

وحاولنا، في مرحلة تجهيز هذه المقالة، أن نحصل من القوى المناوئة ل”حزب الله” عن أجوبة عمّا تملكه من مقدرات للصمود، ولكنّنا فشلنا في الحصول على جواب مقنع، إذ بقيت الإجابات أسيرة الشعارات المعروفة، أي أنّنا لم نحصل منها سوى ما بات يحصّله اللبناني من المصرف الذي إئتمنه على ودائعه: شيكات غير قابلة للصرف.

ولكن هذا لا يعني أنّ اللبنانيّين لا يملكون إذا تضافرت جهودهم، قدرات الصمود، فالإغتراب اللبناني ينشط لمصلحة “ترييح” العائلات التي ينتمي إليها من تبعات الكارثة الاقتصاديّة، ولكنّ عليه، في موازاة ذلك، أن يُفعّل حركته لدى دوائر القرار في الدول التي تبنّته، من أجل حثّها على الإلتزام برفض التسليم ل”حزب الله” من أجل حفنة من مصالحها، بحيث تكون المخارج لمصلحة التوازن الوطني الذي يوفّر مسار الإنقاذ المرتجى.

وعلى القوى السياسيّة التي ترفع شعار الصمود في وجه “حزب الله” أن تكون أكثر فاعليّة لدى الدول التي تقف الى جانبها في هذه المواجهة، بحيث لا تكتفي بدعم حركتها السياسّة فحسب، بل أن توسّع الدائرة لتشمل المواطنين الذين لا يريدون التسليم ل”حزب الله”، أيضًا.

وعلى المواطنين الذين يعتبرون أنّ خلاصهم يكون بعدم الرضوخ لمخططات “حزب الله” أن يُفعّلوا مواجهتهم، بحيث لا يتركون القوى التي يعتبرونها تجسّد هذه المواجهة وحيدة في الميدان، كما يحصل مع النائبين نجاة صليبا وملحم خلف المتروكين شبه وحيدين في اعتصامهما المفتوح في المجلس النيابي، وكأنّهما ارتكبا معصية ولم يُقدما على خطوة كان من شأن احتضانها أن تلحق أذى كبيرًا بالقوى التي تعطّل آليات انتخاب رئيس الجمهوريّة في المجلس النيابي.

وإذا لم يتم تفعيل كل أدوات المواجهة، فإنّ الصمود آيل الى هباء، مثلما آل إليه مصير الصمود بين أيّار ( مايو) 2014 و31 تشرين الأوّل( أكتوبر) 2016.

ولا يمكن في أيّ حال من الأحوال المراهنة على أيّ متغيّرات إقليميّة ودوليّة، لأنّ التجارب التاريخيّة أثبتت أنّ ما ” من له يعطى ويُزاد ومن ليس معه يؤخذ منه”.

فارس خشان- النهار العربي

مقالات ذات صلة