رسالة «الثنائي» الإيجابية للسعودية: رئاسة الحكومة في لبنان ستكون من نصيب من؟
أظهرت المواقف والتطورات الجارية، انّ الجو الإعلامي الذي ضُخّ بعد الاجتماع الخماسي الباريسي الاخير، كان بمثابة بالون إعلامي متعدّد المصادر لا يرقى إلى الحقيقة بصلة، إذ يكفي القول انّه حتى اللحظة لم يصدر أي بيان ختامي لهذا الاجتماع، وهذا أمر لا يستقيم مع العرف الدولي في العلاقات السياسية بين الدول، وهذا إن دلّ على شيء، فهو يدل إلى أمرين لا ثالث لهما: إما أنّ هذا اللقاء كان ذا طابع استعراضي، وإما انّ الخلافات قد طغت على المحادثات والنقاشات والمداخلات المتعددة التي شهدها.
فقد تبين انّ ما تمّ تسريبه وتسويقه ركّز على انّ هذا اللقاء قد خرج بموقف موحّد، يكمن في استبعاد ترشيح رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، عبر «الاتفاق» على معايير لا تتفق مع شخصيته لم يكن صحيحاً. كما انّ الكلام عن الالتزام بمعايير معينة تنطبق على قائد الجيش العماد جوزف عون لم يكن صحيحاً ايضاً.
فالحركة السياسية التي شهدها لبنان في الآونة الاخيرة بعد لقاء سفراء دول الإجتماع الخماسي مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، لا تشي بما تمّ تسريبه، في حين انّ ما تسرّب من هذه الحركة، وتحديداً حركة السفيرة الفرنسية آن غريو، يؤكّد على الأقل بقاء إسم فرنجية في طليعة المرشحين الرئاسيين. فهذه الحركة السياسية قد تمحورت حول تسويق فكرة سلّة متكاملة، تُترجم باتفاق على رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، وبهذا الامر تحديداً وبالتحليل المنطقي للامور، ليس مقترحاً او مقبولاً او مطروحاً أي رئيس حكومة قريب من «حزب الله»، وبالتالي انّ رئاسة الحكومة في حكم التاريخ والمنطق والتوزيع الطائفي، ستكون من نصيب من يتقاطع عليه الغرب مع المملكة العربية السعودية والطائفة السنّية في لبنان. وبالتالي إزاء هذا المنطق لا يستقيم الأمر في ان يكون رئيس الجمهورية من التوجّه نفسه.
وعليه، فإنّ المتابعين لشؤون الاستحقاق الرئاسي يرون انّ رئاسة الجمهورية ستؤول إلى من يمتلك المعايير التي شدّد عليها في الأمس كل من رئيس مجلس النواب نبيه بري ونائب الامين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم، والتي جاءت موضوعية إلى أقصى الحدود. إذ من المفيد التذكير بها لأنّها تعكس حقيقة شخصية الرئيس وتستبعد بطبيعتها بعض المرشحين الذين يتمّ التداول في أسمائهم بجدّية.
فقد شدّد بري على وجوب ان يشكّل رئيس الجمهورية العتيد قاسماً مشتركاً بين الأفرقاء جميعاً، ويكون صاحب تجربة سياسية طويلة. لا بل انّ بري ذهب اكثر إلى اعتبار انّ فرنجية قد طوى صفحة عداوات الحرب وآثارها وصالح خصومه، كما انّه كاد ان يكون رئيساً عام 2016، معتبراً انّ فرنجية سلف أفرقاء كثيرين في الماضي.
كما انّ المعايير التي تحدث عنها الشيخ قاسم تتطابق مع معايير بري، عندما قال انّ على رئيس الجمهورية الجديد ان يمتلك تجربة سياسية وقدرة على التحاور مع الجميع وإقامة علاقات مع الدول العربية، والّا يشكّل تحدّياً لأحد ولا يرفع سيف التحدّي متكئاً على أحد.
انّ هذه المعايير، في رأي المتابعين، لا تسمح في ان يتمّ استبعاد فرنجية لا بل تجعله نقطة الارتكاز في الحل. وانّ هذه الاستراتيجية في الحل ليست محصورة لدى «الثنائي الشيعي» ومؤيّدي فرنجية عموماً، وانما هي فكرة فرنسية اصلاً، كونها ترتكز على أسس عملية في الحل، وتشكّل اكثر الحلول تقاسماً بين الأفرقاء، لا بل انّ الحلول الاخرى، أي الحلول التي تستبعد فرنجية، هي صعبة التحقيق لأنّها تحدث خللاً كبيراً في الميزان السياسي الداخلي.
ولكن، إذا كان هناك ثمة من يعوّل على الموقف السعودي من فرنجية، فمن المفيد الاشارة الى انّ هذا الموقف حتى الساعة يُختصر بالآتي: عدم اهتمام مباشر بالاستحقاق الرئاسي، مع رغبة في إنجازه بنحو توافقي، يأخذ في الاعتبار كافة المكونات اللبنانية بلا استثناء، على ان يكون الرئيس المقبل منفتحاً على الدول العربية انفتاحاً كاملاً، لا ان تكون السياسة الخارجية للبنان مبنية على الخصومة ضدّ أشقائه العرب، وان تكون السياسة الداخلية اللبنانية متوازنة بين الرئاسات ضمن روحية التوافق العام. وانّ هذا الموقف السعودي لا يجب تفسيره على انّه استبعاد لفرنجية، وانما يعكس رغبة بالإتيان برئيس حكومة يُحدث توازناً ايجابياً لا ان يكون مهيمناً عليه من رئيس الجمهورية او من أي طرف آخر، لا بل يمارس صلاحياته بارتياح كبير.
على انّ المفارقة الأساسية والواضحة هنا، هي انّ هذه المعايير هي معايير «الثنائي الشيعي» نفسها، حيث يعتبر انّ فرنجية هو خير من يطبّق هذه المعادلة للأسباب الآتية:
ـ أولاً، انّ فرنجية صاحب تجربة سياسية طويلة عمرها 35 عاماً في الشأن العام، ويدرك الصيغة اللبنانية تمام الإدراك، ويفهم توازناتها. وما اشارة بري وقاسم إلى هذه المواصفات سوى رسالة ايجابية إلى المملكة العربية السعودية بمعنى تفهّم هواجسها.
– ثانياً، ليس هناك من مرشح اكثر من فرنجية قرباً إلى الطائفة السنّية، بحكم الجغرافيا التاريخية التي تربط زغرتا بطرابلس. بمعنى، انّ الهواجس السنّية بطبيعتها يفهمها فرنجية ويعيشها، نظراً إلى علاقاته المتقدّمة مع المرجعيات السنّية كافة، بدءاً من دار الافتاء وصولاً إلى رؤساء الحكومات السابقين من الحريري إلى تمام سلام إلى الرئيس الحالي نجيب ميقاتي وليس آخرها علاقاته التاريخية مع آل كرامي.
– ثالثاً، يفهم فرنجية أهمية العلاقة مع الاوروبيين والاميركيين انطلاقاً من تفكير جزء كبير من الشعب اللبناني الذي يرى في العلاقة مع الغرب متنفساً لا يجب تعطيله وإلّا مات البلد خنقاً.
– رابعاً، يدرك فرنجية في الوقت عينه أهمية علاقة لبنان مع بعض الدول المؤثرة في العالم كروسيا وايران، كما اهمية العلاقات اللبنانية – السورية، شرط ان تقوم على أسس السيادة والاستقلال بين البلدين.
– خامساً، من الأهمية بمكان الإضاءة على ما ورد في تقرير لشركة «الدولية للمعلومات»، من انّ عدد النازحين السوريين سيتجاوز في العام 2030 عدد اللبنانيين المقيمين، أفلا يشكّل هذا الزلزال السياسي الآتي فرصة لمن لديه القدرة على التواصل المباشر مع سوريا ومع المجتمع الدولي لإنهاء هذا الملف ضمن إطار مواكبة وطنية شاملة؟ ولذا، من المفيد التنبيه هنا، إلى انّ ملف النازحين يمكن ان يكون محل مساومة مع شخصية غير موثوقة تتولّى سدّة الرئاسة الاولى، فتخسر التجاوب السوري وترضي الرغبة الدولية بإبقاء النازحين يتكاثرون بهذه الأعداد.
– سادساً، ثمة أزمة وطنية خطيرة تتطور شيئاً فشيئاً، وتتمثل في بناء جدار سياسي عازل بين شريحة كبيرة من اللبنانيين وبين «الثنائي الشيعي»، ما يفرض بصورة طارئة فتح حوار جدّي وعميق، يزيل الالتباسات والهواجس العالقة بين الطرفين، ويوضح اهمية الدفاع اللبناني ضدّ اسرائيل، وكذلك اهمية عدم تأثير ذلك على الانفتاح اللبناني على العالم.
– سابعاً، من المفيد التأكيد ايضاً انّ هناك هواجس كبيرة لدى المسيحيين في لبنان لا تتحمّل التجارة بها في سوق النخاسة، حيث يتحوّل الجمهور المسيحي مادة في الاستمرار بثنائية سياسية تتجاذبهم وتستنزفهم خدمة لمصالح تنافسية تُستعمل فيها شعارات غير صحيحة، بحيث يقع المسيحيون في المحظور، اي ضمن رهان يؤدي بهم إلى الجحيم في زمن التسويات. علماً انّ السفيرة الفرنسية طرحت خلال جولتها على المرجعيات المسيحية، ولا سيما منها رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، فوائد انتخاب فرنجية، الّا انّ حسابات المسيحيين التقليدية تأخذ البعد الشخصي والزعاماتي ولا تأخذ في الاعتبار المصلحة الوطنية العليا ومصلحة المسيحيين في ان يكونوا جزءاً من الحل.
وثمة من يقول انّ الحل اليمني لم يعد بعيد المنال، فهو يتعرّض حالياً لخلل نتيجة القرصنة الاميركية الآنية عليه على يد ادارة الرئيس جو بايدن التي ليست على علاقة وطيدة مع المملكة العربية السعودية حتى اللحظة. ولكن اي لحظة تقاطع دولية يكون بداخلها الحل اليمني تحديداً، ستتيح انتخاب فرنجية في اليوم التالي بغطاء سعودي وخفض سقوف داخلية. فلماذا لا تأخذ هذه القوى هامشها في العمل السياسي وتكون عرّابة الحل الوحيد الآتي لا محال: فرنجية رئيساً.
وعليه، يرى المتابعون، انّ واقع الاستحقاق الرئاسي الحالي ينطلق من ثابتتين: الاولى هي رئيس جمهورية يشبه سليمان فرنجية إلى حدّ بعيد، ورئيس حكومة ليس بعيداً عن شخصيته كالرئيس تمام سلام. وهذه المعادلة إن لم تحصل في الآتي القريب فإنّها ستحصل في الاشهر القليلة المقبلة، ومن يعش ير…
طارق ترشيشي- الجمهورية