السعودية غير مستعجلة تنتظر التسويات ان تأتي اليها: مرحلة استدراج العروض!

تظهر في الكواليس الدبلوماسية الغربية إشادات بالأداءين السياسي والدبلوماسي اللذين تنتهجهما المملكة العربية السعودية في الشرق الأوسط. ويزاوج دبلوماسيون غربيون الأداء السعودي في المنطقة بالتقدّم السعودي الذي تحقّقه ثورة الحداثة التي يطلقها وليّ العهد محمد بن سلمان. ويقسّم هؤلاء الدبلوماسيون الأداء السعودي إلى مسارين:

الأول هو مرحلة الاهتمام بالشؤون الداخلية تنموياً وثقافياً، بالتزامن مع حرب اليمن، والدفاع عن دول عربية كانت مهدّدة باللااستقرار كمصر والبحرين وغيرهما. وهذا دفع المملكة إلى تكثيف اهتماماتها في تلك البلدان.

الثاني هو العودة السعودية المدوّية سياسياً إلى مسرح الشرق الأوسط السياسي، من باكستان إلى المفاوضات حول إنهاء الحرب اليمنية، مروراً بالإطلالة المؤثّرة على الساحة العراقية، ربطاً بالعودة إلى المسرحَين اللبناني والسوري.

في مراقبة الأداء السعودي، وتحديداً في اجتماع باريس الأخير حول لبنان، أظهر الوفد السعودي إلماماً بالملف اللبناني، بعيداً عن كلّ المحاولات الدولية أو الإقليمية أو حتى المحلّية اللبنانية لاعتبار السعودية غير مهتمّة بلبنان وغير متابعة لتفاصيله السياسية. لقد ظهر العكس. فكلّ من يلتقي بالمستشار في الديوان الملكي نزار العلولا تغلبه مفاجآت متتالية:

– قدرة على المتابعة والتواصل والعمل الدبلوماسي.

– رؤية استراتيجية ووضع تصوّر تفصيلي للوضع في لبنان، ربطاً بكلّ أزمات المنطقة وتداخلاتها.

بذلك يُثبث السعوديون قدرة على العمل السياسي بإظهار جديد ومتقن لفنّ يحتاج إلى عناية وصبر أكبر من حياكة السجّاد التي وُسم بها الإيرانيون. فالسعوديون لديهم فنّ كان مغموراً يقتضي صبراً كبيراً. وهو فنّ صناعة “السدو”. والسدو هو نسج أفقي لوبر الجمال أو المواشي. والهدف منه الوقاية من حرارة الصحراء في الشمس، وصقيعها في الليل.

يمكن الاستعارة هنا في مضمار الدبلوماسية السعودية للتعبير عن توازن المواقف بين لهيب الحرب الأوكرانية والصقيع الروسي. وهو ما ينطبق على غير ذلك من الملفّات:

– علاقة السعودية بالولايات المتحدة الأميركية.

– علاقتها بالصين.

– العلاقة بإيران على قاعدة الصراع المستمرّ.

وللسدو أيضاً انعكاسات لبنانية تظهر على ألسنة الدبلوماسيين الغربيين في تقويمهم الأداء السعودي بالقول: السعوديون لا يظهرون مستعجلين. وهذا بحدّ ذاته يكشف عن نظرة واضحة لآليّة المسار السياسي، غير قائم على العاطفة أو على الاستعجال، وذلك بناء على أنّ الجميع بحاجة إلى السعودية في لبنان أو في سوريا أو في غيرها من المناطق والدول.

لذلك عندما حاول الفرنسيون أو غيرهم طرح أسماء للرئاسة في لبنان والالتزام بها أو التسويق لسليمان فرنجية، كان الجواب السعودي حازماً: في حال وجدت الدول المعنيّة نفسها مؤيّدة لمثل هذه التسوية فلتفعل، ولكنّ السعودية لن تكون معنيّة بها ولن تكون ملزمة بتقديم أيّ مساعدات. وكان هذا الجواب كافياً لتغيير آليّة التفاوض بشكل كامل.

استدراج عروض

اختارت السعودية توقيت عودتها إلى المسرح الشرق أوسطي، وفق قواعد واضحة:

– الحوار مع إيران.

– ترتيب العلاقة بتركيا.

– التفاوض الأمنيّ مع النظام السوري الذي لا يمكن أن يكون مجّانياً في السياسة. والغاية منه العودة إلى الساحة بعد الاضطرار إلى تركها. غير أنّ تلك العودة تلزم دمشق بشروط وفروض عليها أن تسعى إلى تقديمها والالتزام بها. وبدونها لا مجال للعودة. ولن يكون هناك أيّ أثر للانفتاح العربي على دمشق. وسيكون لذلك أثر على الملفّ اللبناني على المدى المتوسط أو الأبعد بقليل.

تحوّلت السعودية بذلك إلى موقع مستدرِج العروض، سواء كانت إقليمية أو دولية. وهي تنتظر من الباحثين عن حلول أو تسويات أن يأتوا إليها بعروضهم، كما كان الحال بالنسبة إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حول ملفّات عديدة، بينها لبنان.

كذلك بالنسبة إلى إيران التي لا تزال تكرّر مواقفها الإيجابية وإبداء استعدادها للحوار مع الرياض واستعادة العلاقات الدبلوماسية. وليس المسار الأميركي بعيداً عن هذا النهج السعودي، وخصوصاً بعد تصعيد المملكة من خلال قرارات “أوبك بلاس” التي قدّمت فيها صورة واضحة حول انتهاء عصر والابتداء بعصر جديد لا يقوم على مبدأ العطاء بسخاء بلا مقابل.

خالد البواب- اساس

مقالات ذات صلة