نيكولا جبران: أتخيل فيروز في تصميم يعكس شخصيتها
لعل أكثر ما حفظه اللبنانيون عن حفل الفنانة العالمية بيونسيه أثناء افتتاحها أحد فنادق دبي أخيراً، هو أن المصمم اللبناني نيكولا جبران وقّع تصميم فستانها الأحمر. فهذا التعاون الذي يحصل لمرة جديدة بين المغنية المشهورة وجبران، ترك بصمته على الحضور. فهي ارتدت هذا الزي الذي استغرقت خياطته 100 ساعة ضمن لوحة فنية مميزة. فطبعها لبنان من خلال مشاركة فرقة ميّاس للرقص معها، إضافة إلى صوت فيروز وأنامل نيكولا.
واستوحى المصمم اللبناني العالمي خطوط هذا الزي من الزمان والمكان اللذين تلقفا الحدث، فترجم بريق إمارة دبي بكل ما فيها من فخامة ونبض حياة. واختار الأحمر المطرز بالذهبي والكريستال لإبراز أهمية الأرض التي تشهد الاستعراض الفني الأول لبيونسيه بعد غياب. فهي منذ عام 2018 لم تقدم أي حفل غنائي وارتأت أن تكون عودتها إلى الساحة من قلب دولة الإمارات.
وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» تحدث نيكولا جبران عن كيفية تواصله مع بيونسيه من أجل تصميم هذا الزي لها. فصحيح أنه سبق وتعاون معها في أكثر من مرة ولكن حفل العودة حمل رموزاً كثيرة. إذ رسم جبران صوره في ذهنه وترجمها إبداعاً على طريقته. «لقد اتصل بنا الفريق الخاص الذي يهتم بأزياء بيونسيه وأخبرنا عن المناسبة التي تحييها. أرسلت لهم رسمة الفستان التي ارتكزت فيها على رؤية خاصة نسجتها في ذهني عن الحدث. واستلهمت فيها ألواني من المكان والزمان».
التعامل مع مشاهير عالميين قد يأخذ منحى مغايراً عن غيرهم. فلديهم تطلعاتهم ومتطلباتهم التي قد لا تتقاطع مع مثيلاتها عند أشخاص عاديين. ويعلق المصمم اللبناني: «التعامل مع أسماء مشهورة عالمية يختلف إلى حد ما عن غيرهم. فعادة ما يحيط بهذا النوع من الشخصيات أكثر من فريق يتولون الإشراف على أدق التفاصيل. ويهتمون بكل شاردة وواردة كي تصل رسالة الشخص المشهور كما يرغب تماماً، من دون زيادة أو نقصان. إنه نهج احترافي يجعل الأمور أكثر وضوحاً وسهولة». وعن التفاصيل التي حملها الفستان يروي نيكولا: «طُرّز الفستان بالذهب وقطع الكريستال (شواروفسكي). واستغرقت خياطته 100 ساعة، لا سيما أنه صُمم ليكون أكثر ضخامة ويتألف من أكثر من قطعة. ولكن خوفاً من أن يؤثر سلباً على اللوحة الفنية والراقصين فيها صُغر حجمه».
أن يجتمع في لوحة فنية واحدة رموز لبنانية بامتياز، هذا ترك وقعاً إيجابياً على المشهدية ككل. فبيونسيه المغرمة بصوت فيروز، كما ذكرت أكثر من مرة، رافقتها فرقة «ميّاس» بلوحة راقصة على أغنية «لبيروت» وهي ترتدي فستاناً من تصميم نيكولا جبران. فهل كان هذا الأخير على علم مسبق بحضور هذه الرموز مجتمعة في لوحة فنية واحدة؟ وما كانت حقيقة مشاعره تجاهها؟ يرد المصمم: «لن أستطيع التعبير عن المشاعر التي انتابتني وأنا أتابع الحفل. ومهما قلت سيبقى قليلاً تجاه ما أحسست به. هي ليست المرة الأولى التي ترتدي فيها بيونسيه واحداً من تصاميمي، ولكن الأمر كان مختلفاً من نواح عدة. فشعرت في أعماقي بأني أشهد تكريماً لبلدي ولطالما تمنيت ذلك خصوصاً بصحبة صوت أيقونة من وطني وهي فيروز». ويتابع: «تفاصيل الحفل كانت مخفية عن الجميع فتفاجأنا بها، وهو ما جعل هذه اللحظات استثنائية لا تشبه غيرها».
لطالما تأثر نيكولا جبران بصوت فيروز الذي رافقه منذ الصغر. فهو يعتبرها تسكن ذاكرة اللبنانيين على اختلافهم. «صوتها يعني لنا الوطن وكل ما عشناه فيه من حلو ومر. وعلاقتنا الوطيدة بصوتها لا يمكن أن نشرحها أو نترجمها بكلمات. إنه وبكل بساطة يلخص كل ما يربطنا ببلدنا الرائع لبنان».
وعندما سألته «الشرق الأوسط» عما إذا كان يرغب في تصميم زي لفيروز يوماً ما، رد يقول: «يشرفني أن يأتي هذا اليوم الذي أستطيع فيه تصميم زي لسفيرتنا إلى النجوم. ولدي الكثير من الأفكار حول هذا الموضوع، وأتركها إلى حين تحقيقها على أرض الواقع. ولكن يمكنني أن أعطيكم مفتاحاً لشكل هذا الفستان، إذ أتخيله ملكياً ولكنه بسيط بقدر ما يمكن أن يعكس شخصيتها».
نيكولا جبران بدأ مشواره بخطوات ثابتة استهلها من برنامج استوديو الفن ضمن فئة تصميم الأزياء، وحاز فيه على الجائزة الثانية. ومن أبوظبي حيث أسس دار الأزياء الخاصة به انطلق في مشوار طويل، رصعه بنجاحات متتالية طالت العالمين العربي والغربي. وتعاونت معه أشهر الأسماء في عالم الفن أمثال نجوى كرم وشيرين عبد الوهاب وماجدة الرومي وكارول سماحة، إضافة إلى نجمات أجانب بينهن بيونسيه وجنيفر لوبيز. فبماذا يحلم بعد وما هي مشاريعه المستقبلية؟
«أحلامي كثيرة ولدي مشاريع عديدة في ذهني إلا أن الحالة الصعبة التي يمر بها لبنان تتطلب مني درس خطواتي بتأنٍ قبل اتخاذ أي قرار. كثير منها هي على طريق التنفيذ وسأنتظر إلى حين إنجازها كي أتحدث عنها».
تعاون نيكولا جبران مع النجمات العالميات لن يتوقف عند بيونسيه بل سيطال كثيرات غيرها. لا يستطيع التحدث عنهن إذ إن أمر الإعلان عن التعاون يعود إلى النجمة نفسها. كل فستان يصممه نيكولا جبران يحمل شخصية المرأة التي سترتديه. وهو يؤكد أن «لكل زي خصوصيته وليس مجرد قطعة ثياب».
بالنسبة له فإن المرأة العربية تحب الاطلاع على الموضة واللحاق بها ولكن على طريقتها. «إنها تتميز عن غيرها من النساء في العالم بحيث تطبع ما ترتديه بهويتها العربية فتحمل فساتينها بصمة خاصة بها. وتتمسك بالأصالة وتقدمها على أي طارئ في عالم الموضة. وأكون سعيداً دائماً في إبراز هذه الخصائص من خلال تعاوني معها».
أطلق نيكولا جبران أخيراً مجموعته الجديدة «لا دوش» لربيع وصيف 2023، مركزاً فيها على ألوان مختلفة تواكب المرأة الحديثة لا سيما من جيل الشباب. «توجهت إلى هذه الفئة من النساء الباحثات عن التميز أكثر من الموضة الرائجة».
استخدم جبران في مجموعته أقمشة من نوع الكريب والحرير. وحرص على أن تحمل هذه العودة رونق زمن الأناقة بعد سنوات من العزلة والجائحة. «إنها تصاميم تنبض بالحياة التي افتقدنا إيقاعها في أيامنا الماضية. وزودتها بكثير من الطاقة والأنوثة التي تزيد المرأة بريقاً».
لم يتقيد نيكولا جبران بلون واحد بل نفذ خلطة جامعة لكل ألوان الحياة التي أرادها أن تغسل النفوس والقلوب. فحضر الأبيض والزهري والأزرق والأحمر وغيرها. بعض التصاميم جاء بسيطاً مشبعاً بالأناقة الفاتنة، وغيرها حمل فن التطريز الناعم.
فيفيان حداد