العودة العربيّة الى سوريا سياسيّة وليست إنسانيّة… وابن فرحان يدعو للحوار مع قيادتها!
بدأ العرب بالعودة الى سوريا، ما قبل وقوع الزلزال فيها، وقد افتتحتها الامارات العربية المتحدة من بين دول مجلس التعاون الخليجي، بافتتاح السفارة واحياء مناسباتها الوطنية، والاشادة بالرئيس السوري بشار الاسد الذي زارها قبل فترة، واستقبل مؤخراً وزير الخارجية الاماراتية عبدالله بن زايد آل نهيان، الذي سارعت بلاده الى فتح خط طيران لمساعدة متضرري الزلزال.
ليس العامل الانساني الذي يعيد بعض الدول العربية الى سوريا، التي تم تعليق عضويتها في جامعة الدول العربية، مع بدء الاحداث فيها في آذار 2011، بل السياسة التي تفتح طريقها الى دمشق، ليتبين للكثير من الانظمة العربية التي شاركت بعضها في تأجيج الصراع السوري ـ السوري، وبان ما تتعرض له سوريا، لا يدخل في ما سُمي “ربيع عربي”، الذي تم تحريكه من الخارج لاهداف سياسية، كتأمين وصول “الاخوان المسلمين” الى السلطة في عدد من الدول العربية، كتونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، لكن مثل هذه المحاولة لم تنجح، التي كان لها دعم من الادارة الاميركية في عهد الرئيس باراك اوباما (الحزب الديموقراطي)، وباعتراف من وزيرة الخارجية الاميركية آنذاك هيلاري كلينتون، اذ تسبب مشروع “الثورة” ودعوة “الشعب الى اسقاط النظام”، الى فوضى وحروب، كما في ليبيا واليمن وسوريا، واضطرابات سياسية ودستورية واقتصادية ومالية واجتماعية، وفي تونس ومصر التي تمكن الجيش من الامساك بالسلطة، وطرد “الاخوان المسلمين” من الحكم، وزج بقادتهم في السجن.
وفي سوريا، كان المشروع تمكين “الاخوان المسلمين” من الحكم، كما يؤكد مسؤول سوري، الذي يتهم تركيا بدور اساسي في ذلك، حيث بدأ تفكيك الدولة من الشمال السوري وشرقه وامتداده الى مدن اخرى، وتم اسقاط العديد منها لا سيما حلب، وتوسعت الحرب نحو دمشق وريفها، وجرت محاولة لشرذمة الجيش، ودخلت دول على خط الازمة السورية، وارسلت قوات عسكرية الى سوريا، فدعمت اميركا من سمتهم “الثوار”، ووقفت روسيا الى جانب القيادة السورية برئاسة الاسد.
ومنذ 12 عاماً، والحرب على سوريا مستمرة، وان تراجعت العمليات العسكرية، وكانت اقساها مع توغل المجموعات الارهابية ومشاركتها في القتال، وسيطرتها على مساحات واسعة لعدد من المدن السورية، وهذا ما كشف ان تحرك من يسمون انفسهم “معارضة”، و”ثورة سلمية” انتهت صلاحياتهم مع ظهور تنظيمي “داعش” و”جبهة النصرة”، حيث احرج ذلك اميركا التي تدّعي محاربة الارهاب، وكذلك حلفاء لها في اوروبا، وهو ما اوقع هذه الدول امام شعوبها، التي وصلت اليها يد الارهاب، منذ 11 ايلول 2001، وتفجير البرجين في نيويورك، الى عمليات ارهابية اخرى في عدد من الدول الاوروبية.
كل هذه المعطيات صبّت لمصلحة سوريا، وتراجع الحديث عن اسقاط النظام، ولم يعد التداول بتنحية الرئيس الاسد، وغابت الدعوة الى الاصلاح، الذي فتح الحكم السوري حواراً حوله، بعد شهرين من بدء الازمة، كما اشرك اطرافاً في “المعارضة الوطنية” في الحكومة، واجرى انتخابات لمجلس الشعب واخرى للمجالس المحلية، وفق ما يقول المسؤول السوري، الذي يشير الى ان ما تتعرض له بلاده، هو بسبب موقفها الاستراتيجي بدعم المقاومة في لبنان وفلسطين، حيث رفض الرئيس الاسد طلباً اميركياً، وهو “اسرائيلي”، بوقف وصول السلاح الى حزب الله عبر سوريا، واقفال مكاتب للفصائل الفلسطينية المقاومة في دمشق، وتحديداً حركتي “حماس” و”الجهاد الاسلامي”، وتأييد الاحتلال الاميركي للعراق، كما ابلغ وزير الخارجية الاميركية الاسبق كولن باول، الذي اعترف بارتكابه العار عندما وقف في الامم المتحدة، واعلن عبر وثيقة حملها عن امتلاك العراق لاسلحة دمار شامل، ليبرر غزو بلاده في العام 2003.
وبقي النظام السوري، واختفت المعارضة، وسقط رهان من حدد مواعيد لسقوط الرئيس الاسد وفراره من سوريا، لكن كل ذلك لم يحصل، واخذ الصراع طابعاً دولياً واقليمياً وعربياً على سوريا، التي استعادت السلطة فيها مساحات واسعة من اراض استولى عليها مناهضون للنظام وارهابيون، ولم ينقسم الجيش الا بعض حالات فرار لعدد قليل من الضباط والجنود، حيث يكشف المسؤول السوري، عن ان اميركا هي التي اطالت امد الحرب في سوريا، وان من تعاون معها او كان اداة لها، قرر الخروج من مخططها والعودة الى علاقة جيدة مع سوريا. وعبّر عن ذلك الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، بانه ينتظر لحظة لقائه بالرئيس الاسد، وهو ما تفعله انظمة اخرى غربية، وبعضها لم يقطع علاقاته نهائياً مع القيادة السورية وحاول ان يمارسها تحت الطاولة، لكن الرئيس السوري اصرّ ان تكون فوق الطاولة، ولا سيما ان بعض الدول احتاج الى سوريا للتعاون الامني.
وقبلت دمشق ذلك، لكنها رفضت اللقاءات السرية وارادتها علنية، واصبح رئيس مجلس الامن القومي في سوريا اللواء علي المملوك يلتقي علناً مع رئيس جهاز المخابرات السعودي خالد الحميدان، وهو الامر الذي يحصل بين مدير المخابرات السورية اللواء حسام لوقا ونظيره السعودي، وكذلك مع مصر، التي لم تغلق سفارتها في سوريا، وكانت تدعو وزراء ومسؤولين سوريين لحضور اجتماعات في القاهرة.
فالطريق العربي الى سوريا بات سالكا، وتؤدي سلطنة عُمان دوراً في اعادة سوريا الى جامعة الدول العربية، وقد وجهت الجزائر دعوة لها للقمة العربية، لكن الرئيس الاسد اعتذر عن الحضور.
ويبدو الموقف السعودي لافتاً، للاستجابة الفورية بالمساعدة الانسانية بعد الزلزال، ثم جاء موقف لوزير الخارجية فيصل بن فرحان، الذي يتوقع ان يزور دمشق، والذي اكد على ضرورة اجراء مراجعة للموقف السلبي من سوريا، فاعلن ان “اجماعاً” بدأ يتشكل في العالم العربي على انه لا جدوى من عزل سوريا، وان الحوار مع دمشق مطلوب في وقت ما، حيث ابلغ ابن فرحان مؤتمر ميونيخ للامن “بان اجماعا يتزايد ليس فقط بين دول مجلس التعاون الخليجي بل في العالم العربي، على ان الوضع الراهن غير قابل للاستمرار، وينبغي ان يمر ذلك عبر حوار مع حكومة دمشق في وقت ما”.
والموقف السعودي الرسمي، اشارة واضحة الى استقلالية القرار عن اميركا، التي لم يحركها ما حصل من زلزال في سوريا، فعلقت العمل “بقانون قيصر” لمدة 6 اشهر، وبسببه، يعاني ما يعانيه الشعب السوري.
كمال ذبيان