“عودة” عونية الى المعارضة… واستعادة الخسائر الشعبية!
في المواقف الأخيرة حتى الساعات القليلة المنصرمة لـ “حزب الله” حول علاقته بـ”التيار الوطني الحر”، كلام واضح عن انتهاء الحلف مع التيار ولو لم توقع وثيقة وفاة تفاهم مار مخايل الذي أطفأ شمعته الـ 17 بخجل قبل أيام.
ما أدى الى هذا الموقف الدراماتيكي من قبل الحزب الذي يشير الى إنهاء التيار للتفاهم من جانب واحد، الكثير من المعاني. فالتفاهم هو بمثابة الطفل الوليد للأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله وشكل باكورة مرحلة جديدة أرادها الحزب بعد مرحلة انتقاله الى الانفتاح على المكونات اللبنانية وقبوله بالدستور اللبناني مع اتخاذه قرار الانخراط في الندوة البرلمانية العام 1992.
وجاء الانفتاح الجديد لبنانياً تحت عنوان الشراكة المسلمة المسيحية في الحكم كما في الشارع والتي تعرضت لامتحانات عديدة تجاوزتها بثبات، قبل السقوط في الامتحان الرئاسي الأخير وهو السقوط الذي حدث بعد تراكمات الماضي والتراجع الدراماتيكي في شعبية التيار نتيجة التفاهم نفسه.
وبغض النظر عن هوية مُسقط التفاهم أولاً، فإن ما يهم هي النتيجة ومترتباتها في المستقبل خاصة وأن التفاهم فعل في انقلاب موازين القوى داخلياً بعد ولادة حلف القوتين العظميين الشيعية والمسيحية، إذ كان مؤسس التيار العماد ميشال عون يحظى بـ 70 في المئة من أصوات المسيحيين بينما لا يجادل أحد بأن “حزب الله” كان ومازال صاحب الشعبية الكبرى في الشارع الشيعي.
اليوم يجد كل طرف نفسه في مواجهة الآخر على صعيد الخيارات، ويُصر الحزب على اعتبار أن موقفه منسجم مع النظرة الى الواقع استراتيجيا وتوقعه في كل لحظة لحرب في المنطقة واستعداده لها وإصراره على تجاوز أي موقف يناقض ذلك حتى لو كان التفاهم مع الرئيس ميشال عون ورئيس التيار جبران باسيل.
في المقابل ينكفىء التيار الى الداخل ويحاول إلتقاط الأنفاس بعد تعرضه لنكبة كبيرة منذ انتفاضة 17 تشرين الأول 2019 التي كان في واجهة مستهدفيها، بينما لم يكن يملك من المقدرات الحقيقية لمواجهتها كما الحزب الذي يتهمه التياريون بعدم الوقوف الى جانبهم وصولاً الى كونه أحد أسباب فشل العهد.
بغض النظر عما حدث، باتت أنظار عون وباسيل متجهة مسيحياً، وهما يجهدان لتشكيل تقارب مسيحي أو ائتلاف حول القضايا الكبرى وأولاها رئاسة الجمهورية.
وفي موازاة ذلك ثمة نقاش لدى المعارضة حول مقاربة أية “عودة” عونية الى المعارضة التاريخية للسلطة.
هنا ترفض وجهة نظر، على رأسها بعض صقور المعارضة في “القوات اللبنانية” ومعهم حزب “الكتائب” وشخصيات مسيحية وبعض التغييريين، تلك العودة بصفتها “رغبة سلطوية” لتمرير الوقت لباسيل نتيجة خلافه الشديد مع “حزب الله”، لن تنفع في تثبيت أي تفاهم صادق وقد يعود التيار الى حلفه السابق مع “حزب الله” في أية لحظة في حال تحقيق رغبات باسيل السلطوية.
بينما ترى وجهة نظر أخرى ذات وزن وإن كانت غير مُظهرة إعلامياً حتى اللحظة ولكنها واعدة، أن الخلاف بين التيار والحزب جديّ ويجب البناء عليه من دون أوهام بحلف مع التيار.
جهود بكركي
على هذا الصعيد سيكون ضغط البطريركية المارونية بالغ الأهمية لناحية لمّ الشمل، المسيحي على وجه الخصوص، في سبيل موقف رئاسي واحد يلبي رغبة الشرائح العظمى من المسيحيين من دون تحقيق نجاح حتى اللحظة. نتحدث هنا عن الكتلتين الرئيسيتين “تكتل الجمهورية القوية” و”تكتل لبنان القوي” وكتلة “الكتائب”، إضافة الى كتل متنوعة أخرى قد لا تكون موحدة بالضرورة في كل القضايا لكنها موحدة على صعيد الخيار الرئاسي ومعها شخصيات سنية أيضاً.
نجح التفاهم المستتر، ربما نتيجة المزايدات المسيحية القواتية على وجه الخصوص، في موضوع منع الجلسات التشريعية وتفعيل القول إن مجلس النواب يعد هيئة انتخابية وليس تشريعية. وسيتعرض ذلك لاختبارات أخرى قد يكون أحدها خلال جلسة انتخاب رئيس للجمهورية.
في العودة إلى الإفتراق بين التيار والحزب فإنه سيضعف الإثنين معاً، ولا يبدو أن أي طرف حريص اليوم على إعادة عقارب الساعة الى الوراء مع تقدير ايجابيات وسلبيات تلك العودة عند كل منهما.
ولناحية التيار ستكون أولوية عون وباسيل في هذه الفترة تظهير الموقف السياسي المُستجد نحو الخارج. وفي هذه الأثناء العمل المستميت للخلاص من العقوبات على رئيس التيار في مرحلة صعبة قوامها شراء الوقت على طريق محاولة استرجاع ما أمكن من المكاسب في الشارع المسيحي، ثم التخطيط للعودة إلى الحكم.. بعد فراغ لبناني طويل.
عمار نعمه- اللواء