لبنان ينزلق نحو متاهات انسداد سياسي تداعياته خطيرة

لم يكن الارجاء الثاني المتكرر امس للدعوة الى انعقاد جلسة تشريعية لمجلس النواب مفاجئا لاحد، بحسب “النهار”، اذ ان المعطيات الثابتة حيال هذا الاتجاه تؤكد صعوبة تجاوز المانع الميثاقي الذي يحول دون انعقاد جلسة يعارضها ويقاطعها معظم النواب المسيحيين. ومع ذلك جاء الارجاء الجديد ليكرس واقعا ينزلق نحو متاهات انسداد سياسي قد تكون تداعياته اشد وطأة من التداعيات التصاعدية للاختناقات المالية والمصرفية والاجتماعية التي تعاني منها البلاد. ذلك انه في ظل الشلل المؤسساتي الزاحف على نار الفراغ الرئاسي، تتعاظم المخاوف من تمدد الازمات على كل الصعد والمستويات الى امد طويل مفتوح خصوصا في ظل ما يصفه مطلعون بسوء القراءة الفظيع الذي مارسه معظم الوسط الرسمي والسياسي بعدما جال عليهم سفراء الدول الخمس التي ضمها اجتماع باريس، اذ لم يلتقط هؤلاء المعنى المخيف لتلويح الدول الخمس بإدارة الظهر للبنان في حال اظهر ممثلوه السياسيون ونوابه مزيدا من الاستخفاف بفظاعة ترك البلاد على هذه الحال ولم يبادروا بسرعة الى بدء انقاذ لبنان من خلال انتخاب رئيس للجمهورية.

 

ووفق هؤلاء المطلعين، فان المعطيات التي تجمعت في الأيام الأخيرة التي تعقبت جولة “تبليغات” السفراء الخمسة للولايات المتحدة وفرنسا ومصر والمملكة العربية السعودية وقطر، بدت الى مزيد من القتامة في ظل تقويمات شديدة السلبية لدى كل البعثات الديبلوماسية في لبنان، وليس سفارات الدول الخمس المعنية وحدها، علما ان عامل الخشية من الاضطرابات الأمنية بدأ يدخل بقوة الى ادبيات واحاديث الديبلوماسيين العرب والأجانب في الآونة الأخيرة تحسبا لاضطرابات اجتماعية تتسبب بها الموجات التصاعدية للازمة المالية والمصرفية وتداعياتها الاجتماعية.

 

واما في الجانب السياسي من المشهد، فان التعقيدات التي تصطدم بها دورة المؤسسات من الشغور الرئاسي الى شل مجلس النواب انتخابيا وتشريعيا وتعطيل مجلس الوزراء تنذر بدورها باضافة عوامل تعقيد لاي احتمالات انفراج في الاستحقاق الرئاسي بحيث تحول هذا الاستحقاق العالق الى ساحة صراعات مفتوحة ليس بين “المعسكرات” الحزبية والسياسية التقليدية في البلاد، بل أيضا داخل المعسكر الواحد على غرار انفجار الصراع بين طرفي “تفاهم مار مخايل” اي “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” وهو امر سيفاقم التعقيدات امام أي اتجاهات دافعة وضاغطة لانهاء مدة الفراغ بانتخاب رئيس للجمهورية.

 

من جهة أخرى، أعرب مصدر سياسي مسؤول عن تخوّف بالغ مما وصفها بـ”مُمهدات الانفجار الكبير التي تتسارَع”. وقال لـ”الجمهورية”: لبنان وصل فعلاً الى مربّع الاحتضار الحقيقي المالي والاقتصادي، والمؤسف اننا نتلهّى بخلافات سياسية ونُكابر فوق ارض محروقة، ونغمض عيوننا على مصاب بلد بات عمره قصيراً”.

 

واكد المصدر ان الأزمة ذات وجهين، يتبدّى الأول في مجموعة عوامل خارجية، لا فصل للعامل السياسي عنها، ساهمت الى حدّ بعيد في ايصال الامور في لبنان الى هذا الحدّ من الانهيار، فلا كهرباء مسموح بها، ولا استثمارات مسموح بها، ولا مساعدات مسموح بها، ولا قروض مسموحة بها، لا شيء مسموحاً على الاطلاق، كل ذلك مرهون بخطوات داخلية والتزامات اصلاحية اشترَطها الخارج. اما الوجه الثاني فيتبدّى في العامل الداخلي الذي يشكل العامل الاساس في الدفع الى هذا الانهيار، ولقد تجلى في السياسات التي اتّبعها مصرف لبنان والمصارف وكذلك الدولة تجاه اموال اللبنانيين، ويتجلّى منذ بدايات الازمة في الإنكار الكلي للمسؤولية عن فجوة السبعين مليار دولار والتنصّل من هذه الخسارة التي مُني بها المودعون بسرقة اموالهم”.

وخَلص المصدر الى القول: “بمعزل عن كل تلك العوامل، فإنّ الحل بالدرجة الأولى سياسي، وهذا يفترض اعادة انتظام المؤسسات. انّ مفتاح الحلول يتأمّن بانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة، والأوان لم يفت بعد لكي نقدم على ابتداع حل، ونفرضه على الجميع، ولكن المؤسف اننا كَمَن يصرخ في صحراء.

 

وقع الطلاق النهائي بين مكونات الانقسام، وباتت الحدود الداخليّة مرسّمة بصورة نهائيّة؛ سدود سياسية مواجهة لبعضها البعض، طافحة بأحقاد وتوترات وحسابات وقطعت نهائياً سُبل التلاقي على مساحة داخلية مشتركة حتّى على البديهيات والاساسيات، وحفرت في طريق الملف الرئاسي تشققات عميقة صار الانفراج معها وهماً.

خلاصة المشهد الرئاسي، وكما تقول مصادر معنية بهذا الملف لـ”الجمهورية”، انه أقفل بالكامل، وكل الاطراف دخلت في لعبة عض اصابع ومن يصرخ اولاً، من دون ادراك ما قد تنتهي اليه هذه اللعبة. ومن هنا فإنّ الإحتمالات مفتوحة، وبالتأكيد على سلبيات وتعقيدات، طالما ان لا أفق للتوافق الداخلي على الاطلاق.

 

ولفتت المصادر الى ان الداخل المضطرب لن ينتج رئيساً، جرّبنا التوافق وفشلنا، والخارج جرّب ان يساعدنا وفشل، ولذلك يبدو ان مسار الفراغ طويل جدا. بعد عهد ميشال سليمان دخلنا في فراغ لسنتين ونصف، والجو آنذاك كان افضل من الجو الحالي، ولذلك فإنّ الاقرب الى الواقع هو ان التجربة على ما يبدو انها ستتكرر وندخل في فراغ، اقول بكل ثقة انه سيمتد لسنة على الاقل.

واستدرك المصدر قائلاً: مهما طال الوقت، لا مفر من التسوية التوافقية في الملف الرئاسي، صحيح انّ كل ما يحيط بهذا الملف من تعقيدات ونكايات يؤكد انّ أوان هذه التسوية لم يحن بعد، ولكن عندما يحين أوانها، سيتسابق الجميع على الانخراط بها والانصياع لمندرجاتها. وفي مقدمهم الهاربون من التوافق. فمن دون ان ننتظر ونهدر الوقت، فلنتوافق الآن فنُريح البلد، ويوفّر البعض على انفسهم الاحراج.

مقالات ذات صلة