التمديد لسلامة: “نكايات”.. واستدراج عروض الفوضى!

مع قرب إحالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة إلى التقاعد في تموز المقبل تحوَّل مشروع التمديد إلى قنبلة موقوتة بيد الجميع: الرئيسين نبيه برّي ونجيب ميقاتي وحزب الله والنائب جبران باسيل ورئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي وليد جنبلاط.

 

ثمّة سيناريوهان وحيدان للتمديد لمَن وصفه رئيس الجمهورية السابق ميشال عون قبل أيام بـ “الحرامي الأوّل”. مع العلم أنّ الأخير هو المُدان الأوّل، برأي كثيرين، في إبقاء سلامة في موقعه بعد استسهاله، بضغط مزدوج من رعاة سلامة وباسيل، إجراء مقايضة بين طرح بند التجديد لسلامة عام 2017 من خارج جدول الأعمال مقابل تعيينات ذهبت بغالبيّتها لمحسوبين على رئيس التيار الوطني الحرّ. يومها برّرت قناة OTV التمديد بأنّه من أجل “تأمين أفضل استقرار نقدي وماليّ في البلاد، واتّقاء عاصفة مُمكنة من صوب ترامب”.

 

السيناريوهان هما:

1- الأوّل من خلال تعديل قانون النقد والتسليف في مجلس النواب أو من خلال إقرار قانون التمديد لموظّفي الفئة الأولى وهما أمران مستحيلا التحقيق حتى الآن. الأكيد أنّ الطريق إلى ساحة النجمة لم يعد ممكناً مع تقاطع مصالح الأحزاب المسيحية عند نزع الميثاقية عن الجلسة و”تشليحها” النصاب المطلوب حتى لو اقتصرت الجلسة على ثلاثة بنود.

 

2- عبر مرسوم في مجلس الوزراء تحت سقف حكومة تصريف الأعمال التي التأمت في ظلّ الشغور الرئاسي ثلاث مرّات حتّى الآن، لكن مع خطّ أحمر وضعته لنفسها: لا تعيينات ولا تمديد لأحد.

بالنسبة إلى البند الأوّل فإنّ قانون الموظفين لا يسري على حاكم مصرف لبنان، وبالنسبة إلى الجلسة التشريعية فإنها تكاد تكون في مهب الريح.

 

الأميركيّون: لقبع الطبقة الحاكمة

في ظلّ التسريبات المُتضارِبة حول احتمال التمديد لسلامة المُلاحَق قضائياً في الدول الأوروبية والمُحتمَل الادّعاء عليه قريباً من قبل المحامي العام الاستئنافي في بيروت القاضي رجا حاموش، تجزم أوساط مطّلعة لـ “أساس” أنّه قبل الحديث عن الفتاوى القانونية التي يمكن أن تُبقي سلامة في موقعه يجدر التركيز على الأسباب الموجبة السياسية التي تكرّس صعوبة التمديد لـ”الحاكم بأمر الدولة والفوضى”.

تضيف الأوساط: “يُجاهر المسؤولون الأميركيون بأنّ الحلول الترقيعية لم تعد ممكنة، وبات من الواجب قبع الطبقة الحاكمة وأركان السلطة بالتزامن مع انتخاب رئيس جديد. هذا الواقع يَسري بشكل كامل على حاكم مصرف لبنان الذي ليس هناك طرف خارجي أو داخلي يجرؤ على تسويق التمديد له”.

 

التمديد… للنكاية فقط!

يؤكّد مصدر متابع لـ “أساس” أنّ “الحديث عن احتمال التمديد لسلامة بات يدخل في إطار النكايات وتسعير الخلاف السياسي وشحن النفوس واستدراج عروض الفوضى والتحدّي أكثر من العمل الجدّي والمنظّم لإبقاء سلامة على رأس الحاكمية”. يُذكر أنّ اللحظة التي سيخرج فيها سلامة نهائياً من البنك المركزي سيفقد حصانته.

 

في السياق نفسه، تفيد معلومات “أساس” أنّ اقتراحات القوانين التي أُعدّت سابقاً للتمديد للمديرين العامّين، وتحديداً قانون علي حسن خليل وقانون كتلة الاعتدال الوطني، حذّرت من استفادة “الحاكم” منها. من جهته سَحَب الحزب الاشتراكي اقتراح قانون التمديد لموظّفي الفئات الأولى والثانية والثالثة الذي كان يمكن أن يشكّل مدخلاً للتمديد لسلامة.

تعيين البديل؟

لكن هل سقوط التمديد لرياض سلامة يُمكِن أن يَدفع حكومة تصريف الأعمال إلى تعيين خلفٍ له؟ وماذا عن احتمال تولّي نائب الحاكم وسيم منصوري صلاحيّات الحاكم بدءاً من تموز المقبل؟

 

عمليّاً، لا يتوقّف الأمر فقط عند صعوبة تأمين التوافق السياسي على بديل سلامة، بل إنّ تعيين حاكم مصرف لبنان في ظلّ حكومة تصريف الأعمال وشغور رئاسي يشكّل سابقة تنضمّ إلى لائحة السوابق التي تفرزها مرحلة الفوضى والانهيار، خصوصاً أنّ هذا التعيين سيكون ملزماً ومقيّداً لرئيس الجمهورية المقبل.

 

تدعو أوساط رئاسة الحكومة إلى “التريّث. فهناك أكثر من أربعة أشهر حتى بداية شهر تموز. والأمور مفتوحة على احتمال حصول تسوية. لكنّ المؤكّد أن لا سلامة يقبل التمديد ولا الحكومة قادرة على تحمّل عبء هذا الخيار”.

 

مع ذلك، يلفت مطّلعون إلى أنّ “نفس القوى السياسية التي غطّت جلسات الحكومة، من ضمنها حزب الله، قادرة على إقرار التمديد إذا بقي كآخر الخيارات المتاحة، مع الحديث عن إمكان تولّي نواب الحاكم المسؤولية إلى حين تعيين حاكم جديد”.

 

هل يستقيل منصوري؟

أمّا لناحية تسريب معطيات عن طلب الثنائي الشيعي من نائب الحاكم الاستقالة في حال عدم التمديد لسلامة وعدم تعيين بديل عنه تجنّباً لتحمّل كرة نار الحاكمية وسياساتها، فإنّ المعلومات تشير إلى أنّ الأخير لم يُفاتَح إطلاقاً بهذا الموضوع.

 

نصرالله وباسيل: انفجرت!

مع ذلك، شكّل “ملف سلامة” عنوان تفجير إضافي لتفاهم مار مخايل، بعد نكسة تخلّف باسيل عن وعده بتغطية جلسة التمديد للمدير العامّ للأمن العامّ اللواء عباس إبراهيم.

هذا وبَرَز بين خطابَيْ الرئيس عون وباسيل يوم السبت خطٌّ أحمر عريض يتجلّى في اتّهام هو الأعلى سقفاً بوجه حزب الله: السيّد حسن نصرالله الحامي الأكبر لرياض سلامة.

 

يتدرّج باسيل في رفع إصبعه بوجه حليفه الاستراتيجي إلى حدّ تكريس عناوين خلاف لن تكون أيّ وساطة أو تسوية قادرة على لجم تداعياته بعدما تجاوز باسيل اتّهامه المعهود للرئيس نبيه برّي وميقاتي بحماية عُدّة شغل المنظومة إلى وضع حزب الله مباشرة في قفص الاتّهام بـ”الإتيان برئيس جمهورية فاسد”، قاصداً سليمان فرنجية، و”رئيس حكومة فاسد”، قاصداً تغطية حزب الله تكليف ميقاتي تأليف حكومة في حزيران الفائت، ثمّ محاولة تكريس معادلة فرنجية-ميقاتي، و”حاكم مركزي أفسد” من خلال عدم ممانعة التمديد لسلامة والوقوف بوجه مسار محاسبته مع “المنظومة”.

 

اللافت أنّه للمرّة الثانية في مسار التحالف بين الطرفين، وعقب تأكيد نصرالله قبل أيام أنّ العلاقة مع “التيار” في “وضع حَرِج”، يُوجّه باسيل انتقاداً مباشراً لنصرالله تخلّى فيه عن أدبيّات التعاطي مع “السيّد”، مشيراً إلى سوء مقاربته الخارجية على حساب متطلّبات الداخل، إذ قال: “يلّلي بدّو إصلاح بالقوة يلّلي عنده، بَدَل ما يستعملها على الغرب يستعملها شوي على واحد متل رياض سلامة”.

مع العلم أنّ باسيل كان وجّه لطشة سابقاً للسيّد ملمّحاً إلى “الوَعد غير الصادق” الذي كان قد قطعه له بعدم انعقاد حكومة تصريف الأعمال. ثمّ عاد وقدّم شبه اعتذار بالتأكيد أنّ نصرالله “له مكانة في عقله وقلبه. وهو غَير كلّ الناس”.

 

باسيل: ما حدن بيفرض رئيس علينا

من جهة أخرى، جاهر باسيل برفض “فَرض الرئيس علينا”، مساوياً بين “وصول رئيس جمهورية على ضهر الفوضى”، قاصداً قائد الجيش، بـ”وصول رئيس على ظهر الدبّابة الإسرائيلية” (بشير الجميّل).

أضاف: “ما حدن يتمرجل علينا بالفوضى ويحضّر لها حتى يعمل رئيس على ضهرها”. هذا يعني أنّ أيّ حديث رئاسي بين باسيل وخصومه، من ضمنهم حزب الله، لا يبدأ إلا قبل شطب اسمَيْ فرنجيّة وعون من لائحة المرشّحين المحتملين.

اكتمل الهجوم بتحذير عون كلّ المسؤولين الذين يسعون إلى التجديد لسلامة، من أنّ ذلك سيشكّل الضربة القاضية لإسقاط لبنان، في وقت يجزم المحيطون بعون وباسيل أنّ الحزب “غطّى ولا يزال ارتكابات رياض سلامة ويقف سدّاً أمام محاسبته.

 

ملاك عقيل – اساس ميديا

مقالات ذات صلة