بعدما وصلته إشارات حول “الفيتو السعودي”: ماذا يخبئ فالق الضاحية؟
ليس خافياً على أحد أن كلام أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله العالي النبرة قبل أيام قليلة واستحضاره لغة التهديد والوعيد ضد أمريكا وجماعتها يعبّر عن مأزق الحزب مما يستشعره داخل بيئته الحاضنة لجهة تعاظم حالة التململ والمعاناة خلافاً لمحاولات الإنكار والمبالغة برفع المعنويات على غرار ما يطلقه بعض المناصرين من شعارات بعيدة عن الواقع كمثل القول «هيهات منا الذلّة» و»نحنا ما مننهار» فيما الواقع أن بيئة الحزب وعلى الرغم من الفريش دولار الذي يأتي من إيران وغير إيران هي بيئة تعاني ككل الفئات في لبنان وتصيبها الأزمة الاقتصادية والمالية وانهيار العملة اللبنانية.
لذلك، بدا الارتباك والتوتر على نصرالله في اطلالته لأنه لم يعد قادراً على التعمية على الواقع وعلى فرملة الارتدادات المتدحرجة بسرعة التي تضغط على فالق الضاحية ومنطقتي الجنوب والبقاع والذي ينذر بهزّة قوية للحزب ولشعاره في الانتخابات النيابية «نبني ونحمي».
ولم يستغرب البعض تركيز نصرالله في كلامه على «الضغوط الأمريكية» واستحضار مصطلح «إعادة السيطرة الأمريكية على لبنان» لأنه بذلك يوهم مناصريه بحجم الحصار والمؤامرة ضد الحزب وينجح بإعادة تعبئة البيئة الحاضنة بهدف إشغالها عن التفكير بأزماتها المعيشية والاجتماعية ولحضّها على الاستنفار مجدداً في مواجهة الاستكبار وعدم التراخي.
أما تكبيره الحجر في وجه واشنطن ومن خلفها إسرائيل فهو للقول إن الضاحية ليست ضعيفة وإن صواريخه تطال تل أبيب وما بعد ما بعد تل أبيب، لكنه ينسى أنه إن قصف ودمّر داخل الكيان الإسرائيلي سترتد الضربات بشكل أكبر على لبنان، ولن يكون في وسع هذا البلد المدمّر أن يعيد إعمار ما تهدّم ولن يجد من يقف إلى جانبه من الدول الخليجية والأوروبية خلافاً لوضع إسرائيل القادرة على إعادة البناء وعلى استقطاب الدعم الأمريكي والأوروبي على حد سواء.
وصحيح أن أمين عام حزب الله توجّه بالتهديد إلى أمريكا وربيبتها إسرائيل، إلا أنه لم يغفل في إشارته من سمّاهم «جماعة أمريكا» متوعداً بإصبعه «بأنكم ستخسرون كل شيء» ومضيفاً «من يريد أن يدفع لبنان إلى الفوضى أو الانهيار عليه أن يتوقع منا ما لم يخطر في بال وإن غداً لناظره قريب» مضيفاً «لن نجلس ونتفرج على الفوضى، وسنمدّ يدنا وسلاحنا إلى من يؤلمكم حتى لو أدى ذلك إلى خيار الحرب مع ربيبتكم إسرائيل». وما لم يقله نصرالله قاله مناصروه الذين لوّحوا بتكرار ما هو أكبر من 7 ايار/مايو ضد من يفكّر بنزع سلاح المقاومة.
ومن المعلوم أن حزب الله كلما شعر بضيق يهرب إلى الأمام، هذا ما فعله بعد صدور قرار مجلس الأمن الدولي 1559 الخاص بنزع سلاح الميليشيات وبعد انتفاضة 14 آذار حيث لجأ إلى الاغتيالات، وهذا ما فعله بعد طاولة الحوار التي ناقشت موضوع الاستراتيجية الدفاعية حيث ذهب إلى اختطاف جنديين إسرائيليين ما تسبّب باندلاع حرب تموز، وهذا ما فعله بعد اقرار المحكمة الدولية واستقالة الوزراء الشيعة حيث وجّه سلاحه إلى الداخل في بيروت والجبل في 7 أيار/مايو واعتبره يوماً مجيداً من أيام المقاومة.
واليوم يستشعر أمين عام حزب الله درجة عالية من الخطر، فهو مدرك أن رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل بصدد فك التحالف مع الحزب وأن «تفاهم مار مخايل» في وضع حرج، وأن الرئيس سعد الحريري الذي كان يتلطّى خلفه في رئاسة الحكومة علّق عمله السياسي، وأن البيئة الدرزية برئاسة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في غربة عن الحزب ولا تتقبّل فائض القوة، وأن البطريركية المارونية لن تؤخذ على حين غفلة بزيارات حزبه إلى بكركي، وأن القوات اللبنانية برئاسة رئيسها سمير جعجع تشكّل رأس حربة في المواجهة مع مشروع حزب الله، وأن تجربة الطيونة لم تنجح في تركيع الخصوم وإخضاعهم وتخويفهم بـ 100 ألف مقاتل، وأن الجيش اللبناني بإمرة قائده العماد جوزف عون لن يسمح للحزب بتكرار تجربة 7 ايار مرة جديدة، وإن سمح فإن مكوّنات لبنانية لن تقبل بالخضوع للسلاح ولهيمنة الحزب.
وبناء على هذه المعطيات، يستشعر نصرالله أن الوضع يعود إلى ما قبل «تفاهم مار مخايل» بينه وبين التيار الوطني الحر الذي وفّر له ولسلاحه غطاء مسيحياً ووطنياً ومكّنه من استجماع قواه ونفوذه بعدما كان يعيش في عزلة وغربة عن بقية أفرقاء البلد إثر تداعيات اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. وأولى الترجمات لهذا الواقع أن حزب الله غير قادر على التباهي بإيصال رئيس للجمهورية ببندقية المقاومة كما فعل مع الرئيس ميشال عون، وهو لغاية الآن وعلى الرغم من حنكة رئيس مجلس النواب نبيه بري لم يستطع جمع أكثر من 47 أو 50 نائباً لمصلحة مرشحه المفضل رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية، فيما المطلوب على الأقل 65 نائباً ونصاب الثلثين المتمثل بـ 86 نائباً.
ويعتقد حزب الله أنه بتوزّع القوى الموجود حالياً في مجلس النواب هو غير قادر بالطرق الديمقراطية على انتخاب من يريد رئيساً، وبعدما وصلته إشارات عن الاجتماع الخماسي في باريس حول وضع فيتو سعودي على فرنجية بات يفكّر بفرض أمر واقع على اللبنانيين كما حصل بعد حرب تموز ولو كان ذلك عبر اللجوء إلى الفوضى أو خيار الحرب، بما يؤهله لتزكية خيار فرنجية والتقليل من حظوظ قائد الجيش الرئاسية.
ولكن من قال إن استخدام السلاح للسيطرة على الدولة من الداخل لن يقلب الموازين ولن يؤدي إلى رفع حظوظ قائد الجيش؟
سعد الياس- القدس العربي