بري يتفهم مقاطعة جلسات تشريع الضرورة ولا يبررها
كتب نقولا ناصيف في “الأخبار”:ما لم تطرأ مفاجأة حتى بعد غد الاثنين، موعد جلسة هيئة مكتب مجلس النواب، فإن التئام البرلمان الأسبوع المقبل مشوب بما هو أكثر من الغموض: الشكوك والاستبعاد. بعدما أكد أكثر من مرة منذ الاثنين الماضي في الجلسة السابقة للهيئة وأعاد التيار الوطني الحر البارحة الجزم به، سيفتقر انعقاد المجلس إلى الأكثرية المطلقة. لم تعد الميثاقية عيبه، المعوَّضة بنواب مسيحيين ينتمون إلى سوى الكتلتين الكبريين، التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية، بل اكتمال النصاب القانوني على نحو مكمل للمسار الذي تسلكه الجلسات المتعثرة لانتخاب رئيس الجمهورية.
في الساعات الأخيرة تبلورت معطيات أشاعت مسحة التشاؤم على الجلسة بما يتجاوز أحد البنود الأساسية المقررة لها وهي تمديد ولاية المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، إلى عناصر تقاطعت عند أكثر من كتلة نيابية. ليس التقاطع السلبي هذا من جلسة البرلمان إلا تعبيراً إضافياً عن الأسباب التي لا تزال – وستظل كذلك – تحول دون انتخاب الرئيس. لا تكتفي بأن أحداً لا يملك منفرداً وإن مع حلفاء في فريقه المجيء بالثلثين إليها، ولا بالنصف زائداً واحداً حتى. بات الخلاف على الانعقاد الدستوري لمجلس النواب كالخلاف على الطعن الدستوري في حكومة مستقيلة تتولى صلاحيات رئيس الجمهورية، كالخلاف على مواصفات الرئيس المقبل وانتمائه إلى مشروع أي من أفرقاء الانقسام الوطني.
أول المعطيات تلك حرص الكتل النيابية المقاطعة على إبلاغ الرئيس نبيه برّي، مباشرة أو مداورة، أن اعتراضها على اجتماع المجلس لا يستهدفه هو بالذات، ولا يمثّل تحدياً له أو موقفاً عدائياً أو سلبياً منه.
ثانيها في معزل عن تأييد أكثر من كتلة تمديد ولاية اللواء إبراهيم، يجتمع معارضو حضور جلسة اشتراعية، الموزعون على التيار الوطني الحر وكتلة النواب الـ46 موقعي بيان 11 شباط، على موقف موحد هو أولوية انتخاب رئيس للجمهورية على ما عداه بما في ذلك انعقاد البرلمان لسوى انتخاب الرئيس. بيد أنهم ينقسمون على الموقف من حكومة الرئيس نجيب ميقاتي بين مَن يحسبها دستورية تملك أن تجتمع في جلسات الضرورة، وبين طاعن في دستورية توليها بصفتها مستقيلة صلاحيات رئيس الجمهورية.
ثالثها تمييز الغالبية النيابية التي تشمل النواب المتأهبين للحضور كما معارضيه، مثول حكومة مستقيلة أمام المجلس عن مثول حكومة كاملة المواصفات الدستورية وعاملة. هو الفارق بين ما كانت عليه حكومة الرئيس تمام سلام بين عامي 2014 و2016 واجتماع البرلمان لتشريع الضرورة وتمكينه فعلاً حينذاك من التصويت على أكثر من مئة قانون في حضور الكتل كلها ولم يُثر أي سجال من حول توليها صلاحيات رئيس الجمهورية، وبين ما هي عليه حكومة ميقاتي المكلفة تصريف الأعمال والملزمة دستورياً بفعل الشغور تولي صلاحيات الرئيس. لا تملك أن تحضر جلسات التشريع، وهو ما تفعله، ولا تملك ثقة المرجعية التي تمثل أمامها كي تتنكب مسؤولياتها الدستورية.
رابعها رغم التمسّك المبدئي لبرّي بانعقاد مجلس النواب كما بدستورية جلسات تشريع الضرورة تبعاً للمعنى الدقيق والحصري الذي تحمله ورغبته في تسهيل إمرار مرحلة الشغور بأقل أضرار ومعالجة الأعباء اليومية، بيد أنه يتفهّم – دونما أن يوافق أو يبرر حتى تحت وطأة الظروف الصعبة الموجبة – الاستثناء الدستوري الذي تتخبط فيه حكومة ميقاتي. ليس في الإمكان الاستغناء عنها والطعن فيها ما دام لا بديل يتولى السلطة الإجرائية. إلا أن العقبة الكأداء فيها أن ينظر مجلس النواب في مشاريع قوانين تحيلها إليه حكومة مستقيلة كي يصوَّت عليها.
لأنها حكومة مستقيلة تتولى تصريف الأعمال وإن مضافاً إليها استثنائياً صلاحيات رئيس الجمهورية، ليس في إمكانها وضع القوانين المقرّة موضع التطبيق لا سيما منها المرتبط تنفيذها بآجال طويلة أو التزامات جوهرية وسياسات توجب وجود رئيس للجمهورية على رأس السلطة الإجرائية هذه، ناهيك بإلزام السلطات المقبلة – الرئيس الجديد وحكومة العهد الأولى – ما أتمته حكومة مستقيلة في توقيت شغور رئاسي يقتضي مقاربته على أنه استثنائي.
ذلك ما يصح على قانون كابيتال كونترول (المؤجل منذ عام 2020) والتشريعات المنبثقة مما طلبه صندوق النقد الدولي وثلاثة اتفاقات قروض خارجية محالة من المرحلة الأخيرة في ولاية الرئيس ميشال عون، بينما الباقي اقتراحات قوانين لا ينطبق عليها طابع العجلة كتعديل قوانين الشراء والبلديات والإيجارات وأصول المحاكمات الجزائية والمدنية وتحويل الإهراءات إلى معلم وطني وعدم تطبيق قانون النقد والتسليف على البلديات وسواها… فوق ذلك كله أربعة اقتراحات متباينة لتمديد ولايات المديرين العامين عسكريين ومدنيين كل على نحو منفصل.
تفهُّم رئيس المجلس وجهات النظر لم تمنعه من توجيه إشارات إيجابية إلى الكتل والنواب الفرادى المقاطعين، بمن فيها التيار الوطني الحر، يؤكد فيها حرصه على وحدة مجلس النواب وتماسكه وعدم تعريضه إلى أي خلل أو اختبار صعب على غرار حكومة ميقاتي.
خامسها مرتبط بجدال دستوري يدور من حول المادة 57 المنوطة برئيس الجمهورية، ويصح في الاجتهاد القول إن لحكومة دستورية تنتقل إليها صلاحية رئيس الجمهورية حق استخدامها بطلب إجراء قراءة ثانية لقانون أقره مجلس النواب، على أن ينبثق طلب إعادة النظر فيه من قرار لمجلس الوزراء الوكيل على صلاحية الرئيس. ذلك ما ليس متاحاً لحكومة تصريف الأعمال. بذلك، تبعاً لتقاطع الآراء، ينشأ إخلال بالقواعد الدستورية الجوهرية للتشريع التي تعطي صلاحية المصادقة للبرلمان وصلاحية إعادة النظر في المصادقة تلك لرئيس الجمهورية بعد إطلاع مجلس الوزراء.
في صلب ما لا ليس للحكومة المستقيلة أن تفعله، إنها لا تملك مخاطبة البرلمان والتوجه إليه فيما فقدت ثقته مذ استقالت وباشرت تصريف الأعمال في النطاق الضيق.