نقاش مع سعد الحريري.. متى تكون العودة للعمل السياسي؟

لم يقتنع السياسي اللبناني المخضرم جوني عبدو بما قدّمه صديقه سعد الحريري من حجج لتبرير استمرار تعليق عمله السياسي، وقال في مقابلة مع نايلة تويني: “لبنان ليس بحاجة الى شخصيات تأخذ استراحة”.

لم يكن جوني عبدو الذي انتقل من باريس الى بيروت، في زيارة خاطفة، لملاقاة رئيس “تيّار المستقبل” سعد الحريري الذي انتقل، بدوره من أبوظبي الى بيروت، لإحياء الذكرى الثامنة عشرة لاغتيال والده، في وضعية الهجوم على “ابي حسام”، بل في وضعية المتأسّف على خسارة لبنان طاقة مهمة، إذ إنّ الجماهير التي واكبت الحريري الى ضريح والده ومن ثم الى منزله في وسط بيروت، أظهرت أنّه لا يزال زعيم السنّة الذي لا ينازعه أحد على هذه المكانة، بعد.

وبدا واضحًا من كلام عبدو الذي اختصر به لقاءات عقدها مع الحريري أنّ مسألتين تحولان دون عودة الحريري الى العمل السياسي، أوّلها “سعادة” رئيس “تيّار المستقبل” في الإمارات العربية المتحدة، حيث يكرّس جهوده لأعماله الخاصة، وثانيهما، انقطاع العلاقة بينه وبين المملكة العربيّة السعوديّة التي ترفض كلّ تقارب مع “حزب الله”.

ولذلك يرى عبدو أنّه لا بد من أن يتنازل الحريري عن “راحته” بالتزامن مع تخلّي السعودية عن “تشدّدها”، لأنّ لبنان يحتاج الى طاقة الحريري والى إبقاء قنوات التواصل مع “حزب الله” قائمة.

ولكنّ مقاربة عبدو، صاحب الخبرة السياسيّة والدبلوماسيّة والمخابراتيّة العريقة، لم تقنع الحريري لا من قريب ولا من بعيد. لماذا؟

ما لم يفصح عنه عبدو، أفصح عنه مسؤولون في “تيّار المستقبل” جمعهم الحريري ليبلغهم مواصلة مفاعيل قرار تعليق عمله السياسي.

لهؤلاء قال الحريري إنّ “الأسباب الموجبة” التي سبق أن أعلنها في كلمة تعليق العمل السياسي، عشية الانتخابات النيابية في لبنان، لا تزال قائمة، فهو “مفلس” ماليًا، وبالتالي لا يملك القدرة على “تزييت” الماكينات كما يجب، والداخل اللبناني مفتّت، وبالتالي فهو غير قادر على صناعة قرارات ايجابيّة، والمجتمع الدولي مربك، وبالتالي فهو في وضعية استقطاب تنعكس سلبًا على لبنان.

وقال الحريري لمسؤولي تيّاره: “لو كانت لدينا كتلة نيابية وازنة، لم يكن يمكن أن نفعل شيئاً في ظل الواقع الحالي، وأنا لم أكن لأقبل بالمبادرة الى أي تسوية، لأنني وأنتم دفعنا غاليًا ثمن التسوية السابقة”، في إشارة الى انتخاب العماد ميشال عون، في العام 2016، بعد سنتين ونصف السنة من الشغور الرئاسي.

ولفت الحريري إلى أنّه يفضل حاليًا تكريس جهوده لإعادة تكوين الثروة التي خسرها، وأن يطل على اللبنانيّين من خلال تقديم ما يمكن من مساعدات اجتماعية وحياتية، لافتًا الى أنّ تعليق العمل السياسي لا ينسحب أبدًا على وجوب استمرار الوقوف الى جانب الناس في شؤونهم اليومية بما في ذلك المسائل البلديّة، في أوّل اشارة الى امكان ان يشارك “تيّار المستقبل” في الانتخابات البلدية المقررة قريبًا جدًّا، في حال نجحت حكومة تصريف الأعمال، في تجاوز العقبات التي تحول دون حصولها.

وفي اعتقاد الحريري فإنّ كلّ شيء سيبقى عالقًا في لبنان الى الوقت الذي تنضج فيه الحوارات السعودية الإيرانية وتتوصّل الى اتفاق أو تفاهم.

إذن، في ظل اقتناع جوني عبدو بدعوته سعد الحريري الى التراجع عن قرار تعليق عمله السياسي، وإصرار رئيس “تيّار المستقبل” على مساره، من هو المحق؟

من دون شك، يطرح سعد الحريري إشكالات حقيقيّة تواجه البلاد، من شأنها أن تدرجه في خانة العاجزين عن الإنجاز، من جهة وتفقده فرصة إعادة تكوين الثروة التي خسرها، من جهة أخرى.

وهذا الواقع الذي يطرحه الحريري لتحديد موقعه في المرحلة الراهنة، يجنّبه الخسائر السياسيّة والشعبيّة والماليّة.

في المقابل، فإنّ ما يطرحه عبدو يبدو أكثر سياسيّة مما يجنح إليه الحريري، ذلك أنّ البلاد، في وضعيتها الراهنة، تحتاج الى أصحاب القدرة على التأثير، ليبذلوا جهودهم في إطار برنامج إنقاذي للبلاد.

وينطلق عبدو في ذلك من تجاربه الكثيرة، مستلهمًا من دون شك تجربة عميد الكتلة الوطنية الراحل ريمون إده الذي كان يرفض العودة الى البلاد ليلعب دورًا رائدًا فيها، على خلفية أن الظروف السورية والإسرائيلية تمنع أيّ إنجاز وطني.

وينتمي عبدو الى مدرسة تؤمن بأنّ من يحجز دوره في مستقبل وطنه هو من ينغمس في شؤونه وشجونه، حتى لو فشل مرات ومرّات، وضحّى بالغالي والنفيس.

ويعتبر عبدو الذي يراقب معاناة اللبنانيين، بفعل الكارثة التي حلّت عليهم، أنّ الزعيم الذي يملك حيثية شعبية عليه أن يتواجد مع ناسه، لأنّ من شأن ذلك أن يرفع معنوياتهم ويدفعهم الى التمسك بوطنهم، من جهة وبأحلامهم، من جهة أخرى.

ثمّة من يؤكد أنّ عبدو لم يكن ليجاهر بمعارضته خيار سعد الحريري لو لم يكن مقتنعًا، في ضوء ما سمعه من رئيس “تيّار المستقبل”، بأنّه سوف يفكّر مليًا بالنصيحة التي تلقاها، ويعمل بموجبها، في حال توافرت له الحدود الدنيا من الظروف الداعمة، ولا سيّما إذا تفاعل الداخل والخارج ايجابًا مع رسالة الجماهير التي هتفت تأييدًا له.

فارس خشان- النهار العربي

مقالات ذات صلة