هل نحن جاهزون لسيناريو الزلزال التركي؟
كتب فؤاد بزي في “الأخبار”:فجر السّادس من شباط الفائت، خضعت كل الأبنية على مساحة الوطن لاختبار هزّة الأربع درجات، ونجحت فيه بنسب متفاوتة، مع تصدّعات ومن دون انهيارات. ولكن يُجمع مهندسون على أنّ المشهد كان سيكون مختلفاً لو تخطّى الاهتزاز الأربعين ثانيةً. مرّ قطوع الهزّات الارتدادية هذه المرّة حاملاً الأسئلة فقط، من دون ضحايا، وأهمّها، هل نحن جاهزون لسيناريو الزلزال التركي؟
يقوم لبنان، الصغير جداً بمساحته، على 3 فوالق كبيرة: اليمونة وسرغايا وروم. ويضاف إليها فوالق متفرّعة من الأساسية، تملأ حرفياً الخريطة على طول خط السّاحل في قلب البحر، ومنها ما يمرّ في قرى محدّدة يجعلها تعيش الظواهر الطبيعية بشكل شبه دائم مثل بلدة صريفا الجنوبية. وفي نظرة تاريخية إلى الماضي القريب والبعيد نجد أنّ مدننا الرئيسية، إمّا دُمّرت أو أُغرقت نتيجة لزلزال أو أمواج تسونامي. ولكنّ غياب هذه الظواهر لفترات ليست بقصيرة، إذ من الممكن أن يعيش جيل ويموت دون أن يشهدها، يزيلها من الذاكرة بسرعة، ما يضاعف من خطرها. ونحن في لبنان كنّا نائمين، وأيقظنا الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا.
«ثقافة البناء المقاوم للزلازل» التي يفترض أن تكون حاضرة دائماً عند إنشاء أيّ مبنى في لبنان، شبه غائبة. ومشهد المخالفات والبناء العشوائي، والأسقف التي تُصبّ في ليلٍ قبل الأعمدة، بعيداً عن أعين القوة الأمنية، يدلّ على أمور معاكسة لكلّ إجراءات السّلامة العامة، وجهل بنوعية الأرض التي نعيش عليها. فماذا لو أن الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا، شملنا أيضاً؟
الكارثة لبنانياً
يحسم مهندسون مختصّون بالسّلامة العامة الإجابة بـ«عدم الجهوزية». وفي محاكاة بسيطة لزلزال بقوة تدميرية تصل إلى 7 درجات، يؤكدون وقوع كارثة على كلّ المستويات، فـ«المركزية الإدارية والاستشفائية في بيروت الكبرى ستعيق أيّ تحرّك فعال لأجهزة الإنقاذ، التي قد تحتاج بدورها إلى من ينقذها بسبب تهالك الأبنية التي تقيم فيها»، في إشارة إلى مباني أفواج الدفاع المدني في بيروت وجبل لبنان. وللتأكيد على ما يقولونه، يشير فريق المهندسين إلى أنّ مساحة تركيا الكبيرة سمحت لمناطق لم تتأثر بالزلزال بمساعدة تلك المنكوبة، بالاعتماد على قدرات لوجستية ضخمة، حيث يوجد 120 ألف عامل إنقاذ يستفيدون من المطارات ومحطات القطار والطرقات، بالإضافة إلى القدرات المالية الأساسية، أمّا في لبنان، فكلّ ما ذُكر غائب.
التشريع البطيء
في مقابل التطوّرات الزلزالية السّريعة التي لا تنتظر أحداً، كان التشريع اللبناني بطيئاً جداً، ولم تدخل كلمة «زلازل» قواميس قوانين البناء سوى مع النّسخة الأخيرة الصادرة عام 2004 تحت الرّقم 646، أي بعد مضي ما يقارب نصف قرن على زلزال 56، وسبع سنوات على هزّات عام 1997 الأرضية. الحركة القانونية البطيئة لم تقف عند هذا الحدّ، إذ يحتاج القانون السّابق إلى مراسيم تطبيقية. ولم يصدر مرسوم السلامة العامة قبل عام 2012، تحت الرّقم 7964. وهو أيضاً انتظر كارثة انهيار مبنى فسّوح في الأشرفية، الذي أودى بحياة 27 شخصاً، وبموجبه أصبح التدقيق الفنّي للتأكّد من مقاومة الأبنية للزلازل إلزامياً عبر مكتب هندسي استشاري معتمد من الدولة.
مبانٍ مقاومة
يقسّم رئيس لجنة السّلامة العامة في اتحاد المهندسين العرب، المهندس علي حنّاوي، الأبنية في لبنان إلى جيلين، «ما قبل عام 2012، وما بعده. الأول غير خاضع إلزامياً للتدقيق الفنّي، من حيث مقاومة الزلازل ومتانة البناء ومقاومة الحريق بحسب متطلبات مرسوم السلامة العامة 7964، والذي تدرّج تطبيقه وصولاً إلى عام 2016، حيث أصبحت كل المباني السّكنية التي يزيد ارتفاعها عن 20 متراً خاضعةً لشروطه. أمّا الأقلّ ارتفاعاً فخاضعة لبعض الشروط التي وضعتها نقابة المهندسين، مثل إلزامية وجود حوائط مقاومه للأحمال والقوى المؤثرة على المبنى بسبب الزلازل». ويشير حنّاوي إلى «خضوع كلّ المباني ذات الاستخدام العام للمرسوم ذاته». هذا لا يعني أنّه لم يكن توجد مبان مقاومة للزلازل قبل عام 2012 يشير حنّاوي «وهي تعود لكفاءة المهندسين الإنشائيين، الذين يأخذون كلّ الاعتبارات بالتصميم، لمعرفتهم أنّنا في لبنان تحت تأثير الزلازل».
مبان مستسلمة
في المقابل، يؤكّد حنّاوي «وجود مشكلة خطيرة في المباني المخالفة لقانون البناء»، ويرى فيها «قنبلة موقوتة، إذ إنّها لا تحترم أيّ إجراء سلامة، وتتمّ تسوية وضعها من خلال قوانين تسوية مخالفات البناء، التي تُقدّم كهدية كلّ 20 إلى 30 سنة للمخالفين بدل معاقبتهم، وكذلك الطوابق الإضافية التى تُعطى خلال المواسم الانتخابية بقرارات صادرة عن وزارة الداخلية»، واصفاً إياها بـ«تصاريح لمخالفة قانون البناء». أمّا الأبنية القانونية، فـ«لا تمثّل مشهداً واحداً أيضاً» بحسب حنّاوي، فهناك «أبنية قديمة يزيد عمرها عن الخمسين سنة، يتركّز وجودها في بيروت وطرابلس وتحتاج إلى دراسات خاصة بغية معرفة وضعها الفنّي، وهناك الأبنية التراثية المهدّدة بالانهيار دائماً».
مشهد المخالفات التي تضعف أساسات المباني لا يقف عند «البناء المخالف» بحسب حنّاوي، فـ«كلّ مبنى يُصمّم لأحمال معيّنة لها علاقة بنوعية استخدامه (سكن، تجارة…)، والخطر الأكبر يتأتّى من تغيير وجهة استخدام المباني، ومواقف السيارات، والطوابق الأرضية في المباني السّكنية، وتحويلها إلى مستودعات للتخزين أو مصانع، حيث توضع أوزان كبيرة، أو آلات تتسبّب بارتجاجات داخلها تزيد من الحمل على العناصر الإنشائية، وبالتالي تضعفها وتجعلها أقل مقاومة لأيّ تحرّك زلزالي». وعليه، يؤكّد حنّاوي على ضرورة «احترام تصنيف المناطق من سكنية وصناعية، ففي المنشآت الصناعية، المبنية وفق الأصول، لا يشكل استخدام الآلات مشكلةً، كما أنّ تلك المناطق لا تشكل خطراً على السلامة العامة عند حدوث الحرائق مثلاً». ويختم حناوي بالدعوة إلى «التشدّد في تطبيق القوانين، وعدم غضّ النظر عن المصيبة، وإطلاق رحلة الألف ميل التي تقضي بإجراء عملية جرد شاملة لكلّ المباني والمنشآت في لبنان بغية وضع قاعدة معلوماتية إحصائية تحدّد من خلالها الأبنية الأكثر عرضةً للخطر، ما يسمح بالتدخل السّريع حيث يلزم، للوصول في مرحلةٍ لاحقةٍ إلى بناء آمن وبنية مستدامة تتكيّف مع متطلبات الجغرافيا والسلامة العامة التي ننشدها».
من سيدفع؟
المسح العام لكلّ الأبنية تقرّر فعلاً، في اجتماع وحدة إدارة الكوارث في مجلس الوزراء يوم الإثنين الماضي، ولكنّ العبرة في الإنجاز أولاً، والقرارات التي ستؤخذ بناءً على النتائج ثانياً، إذ يتخوّف عضو المجلس الاتحادي لنقابتَي المهندسين في بيروت والشمال، توفيق سنان، الذي شارك في الاجتماع من «مرحلة ما بعد كتابة التقرير الخاص بالأبنية المتضرّرة». يسأل «عَلامَ ستكشف لجنة الكوارث؟ وفي حال وجدت عيوباً، من سيدفع بدلات الترميم أو التدعيم؟ وعلى من تقع مسؤولية إصلاحها؟ وما النصّ القانوني الواجب تطبيقه؟»، ويجيب: «لا اعتمادات مخصّصة للقيام بالمهام المطلوبة، فاجتماع لجنة إدارة الكوارث في السّراي الحكومي انتهى من دون أيّ مفاعيل، وعمل لجان المهندسين على الأرض يتطلّب مصاريف مادية لم تُؤمّن». في المقابل، يؤكّد سنان «تمسّك نقابة المهندسين بدورها، فالعمل سيكون باللحم الحي، والنقيب يدعو إلى اجتماعات طارئة للجان النقابة».
مسؤولية البلديات
عن تصنيف المناطق اللبنانية، والأبنية الأكثر عرضةً للخطر، يحسم سنان بـ«استحالة الإجابة على هذا السّؤال قبل إنجاز المسح العام»، ولكنّه يلفت إلى «مراكمة المخالفات من أيام التعمير بعد زلزال عام 1956، التي تتحوّل إلى قنبلة موقوتة لا نعرف موعد انفجارها، بالإضافة إلى خطورة الوضع في طرابلس، حيث لا يوجد هناك سوى بيانات من دون اهتمام جدّي». ويضع سلطة الرقابة الفنيّة عند البلديات التي لم يكن معظمها يمتلك فرقاً هندسيةً تدقّق في نوعية البناء، وفي المقابل هي الجهة المعنيّة بإصدار رخص البناء، معتبراً أنّ السّؤال الأساسي هو «من يسمح بمخالفات البناء دائماً، ومن ثمّ تسويتها؟ ومن يغضّ النظر عن البناء على مجاري الأنهر، والجروف الصخرية مثل بشامون وعرمون؟».