اجتماع باريس الخماسي بحث حلولا للبنان وإيران تسبقه إلى بيروت
هل سيتمكن اجتماع الدول الخمس المهتمة بلبنان، الذي استضافته باريس، الإثنين الماضي، من تحقيق اختراق في المراوحة الحاصلة في انتخاب #الرئيس الجديد للجمهورية، وإخراج الإصلاحات من فم الذئب الذي يحول دون نسج شبكة أمان سياسية واقتصادية حول البلد المأزوم؟
الاجتماع الدولي العربي الذي دعت إليه #فرنسا كلاً من الولايات المتحدة والسعودية ومصر وقطر، انتهى إلى اتفاق على وضع الفرقاء اللبنانيين أمام مسؤولياتهم بوجوب انتخاب رئيس توافقي غير ملوث بالفساد، ينهي الشغور الرئاسي المستمر منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وضرورة إنهاء المراوحة في تطبيق الإصلاحات لإنجاز الاتفاق مع صندوق النقد الدولي لبدء مسار إخراج لبنان من أزمته الاقتصادية.
معادلتا ماكرون… ونفي البحث بالأسماء
وبينما سبقت الاجتماع معطيات عن أن الجانب الفرنسي ينوي اقتراح الخيار بين معادلتين ليجري العمل على تسويقهما لدى الفرقاء اللبنانيين، نفت مصادر المجتمعين أن يكونوا تناولوا أسماء مرشحين للرئاسة بحجة أن ذلك شأن لبناني. وتقضي المعادلة الأولى بحسب معطيات مصادر سياسية لبنانية مواكبة للاتصالات مع الدول المعنية، بانتخاب قائد الجيش العماد جوزيف عون، على أن يتولى رئاسة الحكومة معه إما القاضي في محكمة العدل الدولية السفير السابق الدكتور نواف سلام أو رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي.
المعادلة الثانية تقترح انتخاب المرشح المدعوم من “الثنائي الشيعي” رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية ومعه إما سلام أو ميقاتي لرئاسة الحكومة. وفضلاً عن نفي أوساط ممثلي الدول الخمس التي اجتمعت في باريس أن يكونوا تطرقوا إلى الأسماء، فإن مصادر سياسية لبنانية متصلة بـ”حزب الله” أكدت لـ”اندبندنت عربية” أن “الحزب ليس في وارد التخلي عن مرشحه فرنجية”، بل إن البعض اعتبر أنه “إذا كان هناك ثمة تسوية على الرئاسة لا بد من أن يكون لإيران رأي فيها، فلماذا تقدم تنازلاً الآن طالما ليس هناك مقابل له في علاقتها المتوترة مع معظم الدول المشاركة في الاجتماع الخماسي، سواء في ما يتعلق بلبنان أو بسائر ملفات المنطقة والتفاوض على النووي وفي شأن العقوبات على مسؤوليها لمواجهتهم الاحتجاجات الشعبية في الداخل الإيراني بالعنف؟”.
الحضور الإيراني في بيروت
واستدلت هذه المصادر على هذا الاستدراك في شأن إمكان تخلي “حزب الله” عن مرشحه، بالإشارة إلى ما قاله رئيس البرلمان نبيه بري في خطاب ألقاه غداة اجتماع باريس، مساء السابع من فبراير (شباط) أثناء رعايته تدشين مبنى السفارة الإيرانية الجديد في العاصمة اللبنانية، إذ جدد “الدعوة والمناشدة من أجل تأمين كل المناخات الملائمة لإنجاح المساعي التي تُبذل من قبل الحكومة العراقية من أجل رأب الصدع في العلاقة بين إيران والمملكة العربية السعودية وعودتها إلى ما كانت عليه”. وقال بري هذا الكلام بحضور نائب وزير الخارجية الإيرانية كبير المفاوضين في الملف النووي الإيراني علي باقري كني الذي حضر من طهران للمشاركة في حفل تدشين مبنى السفارة. وفي اليوم التالي، الأربعاء الثامن من فبراير الحالي، التقى المسؤول الإيراني بري و”مجموعة من القيادات السياسية” كما قال. وأعلن أن “وجهات النظر متفقة، على أن مستقبل لبنان ينبغي أن يُصنع من خلال إرادة الشعب اللبناني الشقيق الحرة”، مشيراً إلى أن “أعداء هذه المنطقة الذين يتربصون بها ما انفكوا يمارسون الحصار الجائر والظالم في حقها، سواء تجاه الجمهورية الاسلامية الإيرانية أو تجاه لبنان الشقيق”.
وذهبت المصادر السياسية التي تستبعد تخلي “حزب الله” عن دعمه ترشيح فرنجية، على الأقل في الظرف الراهن، إلى القول، إن الحزب ليس في وارد القبول بقائد الجيش للرئاسة نظراً إلى علاقته بالأميركيين في ظل تراجع علاقة إيران معهم. وكانت تسربت أنباء بأن الدول الخمس التي اجتمعت في العاصمة الفرنسية ستمارس ضغوطاً على الكتل النيابية اللبنانية من أجل التعجيل بانتخاب الرئيس الجديد. ونقلت مصادر واسعة الاطلاع عن دبلوماسيين شاركوا في الاجتماع أن هذه الضغوط لا تعني فرض عقوبات على من يعرقلون انتخاب الرئيس، بل استخدام وسائل تأثير عبر القنوات الدبلوماسية والتواصل مع بعض رؤساء الكتل النيابية، من دون أن توضح ما هي هذه الوسائل.
قراءتان للنتائج وحديث عن تباينات
وتوزع الوسط السياسي اللبناني على قراءتين مختلفتين لنتائج الاجتماع، في الساعات التي أعقبته، منها ما تحدث عن تباينات بين الدول الخمس نظراً إلى تأخر صدور البيان الموعود عن باريس في شأن نتائجه، فيما نفت مصادر دبلوماسية وجود خلاف نفياً قاطعاً، وعزت تأخر صدوره إلى تولي مرجعيات المندوبين المشاركين في عواصمهم مراجعة نصه، ولأن وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا اضطرت إلى السفر فور انتهاء الاجتماع.
كما أشارت أوساط سياسية لبنانية إلى أن بعض المشاركين في التحضير للاجتماع طرحوا أفكاراً حول وجوب حصول تسوية على اسم الرئيس المقبل، فيما شكك آخرون بجدوى السعي إلى هذه التسوية نظراً إلى إمكان انتهائها إلى اختيار رئيس يخضع لنفوذ “حزب الله”، ما يعني تكريس نفوذه على الرئاسة الأولى، كما حصل خلال ولاية الرئيس السابق العماد ميشال عون. وذكر بعض مصادر القيادات السياسية اللبنانية أن الاتجاه الآخر الذي ظهر بين الدول الخمس يرى أنه لا بد من تسوية لإنهاء الفراغ، وأنه يمكن الدفع من أجل قيام تركيبة متكاملة تشمل رئيس الحكومة ونوعية الحكومة لضمان الإصلاحات وتصحيح علاقات لبنان الخارجية.
لاحظت مصادر تسنى لها الاطلاع على جانب من نتائج الاجتماع أن الاستياء الأميركي والفرنسي بلغ حد الغضب من الطبقة السياسية اللبنانية لتلكؤها في إنجاز الإصلاحات المطلوبة من الحكومة والبرلمان بفعل الخلافات التي تسود المشهد السياسي، وبات عالي النبرة. وهو استياء سبق للرئيس ماكرون أن عبر عنه في مقابلة صحافية في 22 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
تعلق اللبنانيين “بحبال الهواء”
قبل انعقاد الاجتماع الذي أكد المؤكد بدعوة البرلمان إلى انتخاب رئيس بسرعة، والإصرار على الإصلاحات الموعودة منذ سنوات، سادت أجواء تخفف من تعليق الوسطَين الإعلامي والسياسي في لبنان، أهمية قصوى على انعقاده وعلى الرهان اللبناني على أن ينتج حلاً سريعاً. واعتبره سياسيون في بيروت “مفصلياً” أو “محطة أساسية” على طريق الحلول، في حين رأى الجانب الفرنسي أن مستوى تمثيل الدول الخمس فيه لا يستدعي كل هذه الضجة، لأن ما سيخرج به في نهاية المطاف من مواقف، يتوقف على الفرقاء اللبنانيين تنفيذها. فمن حضروا إضافة إلى وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا هم المستشار الدبلوماسي للرئيس الفرنسي المكلف بالملف اللبناني باتريك دوريل، وآن غيغن مديرة قسم الشرق الأوسط في الخارجية الفرنسية، وسفيرة باريس في بيروت آن غريو، ومساعدة وزير الخارجية الأميركية باربرا ليف ومساعدوها من الوزارة ومن مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، والسفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا، والمستشار في الديوان الملكي السعودي الوزير نزار علولا مع طاقم من الخارجية، والسفير المصري في باريس علاء يوسف، ومساعد وزير الخارجية القطري السفير محمد الخليفي. ورأت أوساط متابعة للموقف الفرنسي أن عقد الاجتماع على هذا المستوى لا يعني بالضرورة أنه سيكون حاسماً في معالجة المأزق الذي يمر به لبنان.
وعكست النظرة الداعية إلى عدم تضخيم النتائج التي سيخرج بها المجتمعون، معطيات رافقت فكرة ماكرون الدعوة إليه، قوامها التدرج في متابعة الشأن اللبناني في هذه المرحلة، أي أن يبدأ على مستوى مديري ومساعدين ومستشارين في وزارات خارجية الدول المدعوة، على أن يرتفع التمثيل في اجتماع لاحق، إلى مستوى وزراء الخارجية عندما تتيح الظروف ذلك. ونسب أصحاب تلك النظرة ما يعتبرونه “تضخيماً” لبنانياً لما سيسفر عنه، إلى “تعلق اللبنانيين بحبال الهواء”، نظراً إلى الوضع الكارثي المتفاقم على معيشتهم اليومية لأن حؤول التأزم السياسي دون معالجات الأزمة المالية الاقتصادية يرفع سعر الدولار الأميركي في شكل يومي مضطرد، ومعه أسعار السلع والطبابة والنقل والطاقة وغيرها.
عاملان جديدان يرفدان اجتماع باريس
في الواقع هناك عاملان (وربما أكثر) أكسبا الاجتماع أهمية لدى بعض الأوساط المحلية في لبنان. الأول أن مصر وقطر انضمتا إليه، بعدما كانت الاجتماعات تقتصر على فرنسا وأميركا والسعودية، ما يعني توسيع دائرة الانخراط العربي في مساعي الحلول لأزمة لبنان. فالدولتان تواكبان البلد سياسياً بتفاصيل عدة، بما فيها تقديم المساعدات للتخفيف من الآثار الحياتية لأزمته المالية الاقتصادية غير المسبوقة، لكن انضمامهما إلى اجتماع باريس يعني رفع مستوى تعاونهما السابق مع باريس، وفق تصور فرنسي سبق أن أشارت إليه أوساط فرنسية رفيعة، يقضي بتوسيع دائرة الدول في المرجعية الدولية التي تقودها فرنسا حول لبنان، في شكل تدريجي، ما يؤدي إلى انضمام دول أخرى لاحقاً.
العامل الثاني هو أن الاجتماع انعقد بعد سلسلة مشاورات ثنائية أبرزها زيارة الوزيرة كولونا إلى الرياض وأبوظبي حيث تداولت مع المسؤولين في البلدين، لا سيما ولي العهد السعودي رئيس مجلس الوزراء، الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز بما يمكن أن يخرج عن الاجتماع. وهو تشاور يؤدي إلى تمتين التفاهم على خطوات عملية لاحقة تقررت خلال الاجتماع خصوصاً أن بين باريس والرياض اتفاق صندوق المساعدات الإنسانية للبنان الذي تأسس أواخر عام 2021. ولا تقلل أوساط سياسية على صلة وثيقة بممثلي بعض الدول في بيروت من أهمية التنسيق المسبق الفرنسي الأميركي، والفرنسي المصري، ومع قطر. فالقاهرة تعتبر نفسها “شريكاً” لباريس منذ مبادرة الرئيس ماكرون حيال لبنان، صيف 2020، كما بذلت الدوحة جهوداً بالتفاهم مع فرنسا، منها التوسط مع طهران بشأن لبنان.
وفي ظل شح التسريبات عما قرره المجتمعون، أفادت معلومات بأنهم اتفقوا على إبلاغ القادة اللبنانيين بالخطوات المعروفة المطلوبة، وأن الدول الخمس توزعت المهمات لجهة الاتصالات التي تقرر إجراؤها، ولاستكشاف إمكان إرسال موفدين إلى بيروت من أجل تنفيذ ما اتُفق عليه.