ماذا بعد «الانقلاب القضائي المدمّر»… ومَن يريد دفن حقيقة تفجير مرفأ بيروت؟

لم يعد من قعر للإنهيار الحاصل في لبنان الذي يتجه نحو انفجار في كل مفاصل الدولة اجتماعياً ومالياً ومعيشياً وقضائياً، وفيما تزداد المخاوف من هذا الانفجار في ظل القفزات الجنونية للدولار وفي غياب الضوابط التي تكبح هذه القفزات، جاء الانقلاب القضائي والأمني والسياسي على المحقق العدلي في قضية تفجير مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار ليعبّر عن رغبة في دفن الحقيقة وطمس العدالة بعد تجرؤ البيطار على الادعاء على كبار القادة الأمنيين والقضائيين المشتبه بهم بالتغطية على وجود نيترات الأمونيوم في العنبر الرقم 12 وبينهم النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات الذي قام بهجمة مرتدة، فسارع بدوره إلى الادعاء على البيطار واعتبار قراراته «منعدمة الوجود» ومنع الأجهزة الأمنية من تنفيذ قراراته بالادعاء والاستدعاء وإخلاء السبيل، مروراً بإطلاق جميع الموقوفين على ذمة التحقيق وصولاً إلى منع أي من موظفي النيابة العامة التمييزية استلام «أي ورقة» من المحقق العدلي، ومن ثم إحالته إلى هيئة التفتيش القضائي «لإجراء المقتضى» تمهيداً لعزله في اجتماع لمجلس القضاء الأعلى قبل أن يطير هذا الاجتماع بفعل انتفاضة أهالي ضحايا المرفأ والضغط النيابي. وقد جاء انقلاب عويدات على القانون وعلى المحقق العدلي وقراراته ليترجم مطالبة حزب الله بإقالة المحقق العدلي سواء من خلال اطلالات أمين عام الحزب السيد حسن نصرالله الذي اتهم البيطار بالتسييس واستهداف الحزب، أو من خلال مسؤول الارتباط والتنسيق وفيق صفا الذي زار قصر العدل وهدّد بـ «قبع» المحقق العدلي، أو من خلال التظاهرة الشهيرة للثنائي الشيعي في اتجاه الطيونة التي رفعت شعارات ضد البيطار وانتهت بصدام وإطلاق نار.

وقد استأنف حزب الله هجومه على القاضي البيطار بعد عودته لمزاولة عمله بموجب دراسة قانونية، فوصفت قناة «المنار» التابعة للحزب ما قام به القاضي طارق البيطار بأنه «ليس استئنافاً لتحقيقات المرفأ، انما طرقا لأبواب الفتنة من جديد، وقضاء على ما تبقى من قضاء لبناني» ورأت في دراسته «واحدة من أغرب الاجتهادات الذي برهن كيف تُداس العدالة في لبنان وتصبح الغاية التي هي الاستثمار السياسي في كل قضية تبرّر الوسيلة» مضيفة «ما جرى ليس اجتهاداً قضائياً بل فعلا تدميريا لما تبقّى من آمال بالوصول إلى حقيقة تفجير المرفأ». وأعربت القناة عن امتعاضها من تحرك أهالي الضحايا والنواب أمام قصر العدل فوضفت التحرك بأنه «استباحة للعدل وقصره بإسم شهداء المرفأ، ولعب بأمن البلد قبل قضائه الذي تم تعطيله، وتهديد قضاته ومحاكمتهم أمام شاشات التلفزة من قبل زمرة تبيح لنفسها كل شيء» مشيرة إلى «أن بعض نواب الأمة الذين يدّعون اختصار الوطن بأنفسهم أكملوا ما بدأه بعض القضاة الذين يدعون اختصار العدالة بقوسهم، فأجهزوا على ما تبقى من قيم القضاء وهيبة قصر العدل التي استخدموها أدوات في حروبهم السياسية إلى حد انقطاع أنفاس الوطن. والغاية كانت المحافظة على مسمار طارق البيطار الذي زرعوه في نعش حقيقة انفجار المرفأ، والدفاع عنه بالفجور لانعدام حججهم بالقانون والدستور».

وإذا كان البعض قرأ في خطوة القاضي عويدات نوعاً من 7 ايار/مايو قضائي لإزاحة البيطار، فإن المدعي العام التمييزي برّر ما قام به بأنه «لتجنيب الشارع سقوط الدم» حيث قال: «أنا شِلت دم من الشارع لكن لا أعرف إذا كنت قد أجّلته، إذا استمرت الحال على ما هي عليه». ولفت إلى أنه «ليس متنحياً عن صلاحياته وعن مواجهة مخالفة القانون» مضيفاً «أنا المدعي العام للتمييز المسؤول عن كل الملف وصلاحياتي مطلقة، أُلاحِق ولا اُلاحَق. وليعلم كل من تم تضليله ان البيطار لا يحق له العودة إلى الملف ومزاولة عمله الذي تركه منذ سنة وثلاثة أشهر إلا بعد البَت بكل المراجعات بقرار من الهيئة العامة ومحاكم التمييز، وطالما لم يصدر عنها شيء فتبقى في القانون يده مكفوفة».

وفيما جاء الرد على عويدات من نواب المعارضة الذين التقوا في مجلس النواب، حيث وصفوا إجراءات المدعي العام التمييزي بـ «الانقلاب المدمّر» رافضين «أي سطوة لنظام بوليسي مقيت وأي مساس بصلاحيات المحقق العدلي» ومطالبين «بمحاسبة فورية للقاضي عويدات على مخالفاته الفاضحة وتدخله في ملف لدى المحقق العدلي» فإن أوساطاً في المعارضة لم تعتبر «أن تعطيل فريق الممانعة للتحقيق في انفجار المرفأ يشكل انتصارًا لهذا الفريق، لأن مصير تفجير المرفأ لن يختلف أساساً عن مصير تفجير الشخصيات السيادية، ولكن مع فارق هذه المرة هو اضطرار فريق الممانعة لتفجير القضاء للتخلُّص من تفجير المرفأ، ما جعل هذا الفريق يكشف عن أدواته القضائية بعد انسداد كل محاولاته لتطيير التحقيق».

وتوضح هذه الأوساط «أن مشهد انقسام الجسم القضائي اليوم يختلف عن مشهد انقسام الجسم العسكري عشية الحرب اللبنانية عام 1975. فالانقسام اليوم ليس طائفياً لا على مستوى القضاء ولا بين اللبنانيين، إنما مواجهة بين مشروعين سياسيين: مشروع الدولة الذي يضم مسيحيين ومسلمين، ومشروع الدويلة. وقد دلّت المواجهة القضائية أن محاولات إعادة عقارب الساعة إلى زمن النظام الأمني القديم ليست سهلة، ودلّت على وجود قضاة شجعان لا يهابون سوى ضميرهم وعملهم محاطين ببيئة سياسية وشعبية حاضنة لمشروع الدولة، وترى أن المطلوب إعادة الدولة من خلال إصلاح القضاء، لا إسقاط الدولة كلياً من خلال إسقاط القضاء».

سعد الياس- القدس العربي

مقالات ذات صلة